توقع لـ "الاقتصادية"، رونالد بوش عضو مجلس إدارة شركة "سيمنز" العالمية حدوث تعاف كبير في أسعار النفط الخام على المدى المتوسط، مشيرا إلى أن هناك تغييرات وتحولات كبيرة تجري في سوق الطاقة في العالم وستؤثر بشكل واسع في كل الدول وفي مستقبل الاقتصاد العالمي. وشدد بوش على ضرورة مد صناعة النفط بالتكنولوجيا والحلول المبتكرة، لافتاً إلى أن الصناعة لا يتوقف مستقبلها فقط على مستويات الطلب بل يجب أن تطور منتجاتها وتقدم مخرجات أفضل للصناعة. وأشار بوش إلى ضرورة استفادة دول العالم من تجربة اليابان في التعامل مع منظومة الطاقة، موضحا أن طوكيو وضعت تصورا لمزيج الطاقة فيها حتى عام 2030، مضيفاً أن "نصف مزيج الطاقة في اليابان سيعتمد على الوقود الأحفوري إلى جانب الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 25 في المائة والطاقة النووية بنسبة 25 في المائة". وأوضح بوش أن اليابان ستظل دولة رئيسية في منظومة الطاقة العالمية حيث تعتبر ثالث أكبر مستهلك للطاقة، مشيرا إلى أنها تسابق الزمن للوصول إلى أعلى معدلات الكفاءة في التعامل مع الوقود الأحفوري التقليدي وتسعى إلى تطوير إنتاجه والتوسع في الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والتقنيات المتطورة التي ترفع كفاءة الإنتاج وجودته. وقال بوش "إن التجارب العصيبة التي تعرضت لها اليابان وخاصة زلزال تسونامي الذي حدث عام 2011 وتسبب في تضرر المحطات النووية فيها كان حافزا لها على إعادة تقييم سياساتها في مجال الطاقة وزيادة الاعتماد على الوقود التقليدي بسبب قلة مخاطره مقارنة بالطاقة النووية". إلى ذلك، واصل النفط الخام مسيرته نحو التعافي وتصحيح الأسعار بدعم من عدد من المؤثرات الإيجابية التي استجابت لها السوق على نحو جيد لليوم الثالث على التوالي. وتمثلت أبرز العوامل الإيجابية في تحسن وانتعاش نسبي حدث في قطاع الصناعات التحويلية في الصين وهو ما اعتبره مختصون في سوق النفط مؤشرا على تعافي الاقتصاد الصيني وقرب تجاوزه دائرة الركود بدعم من الإجراءات التحفيزية التي أقرتها الحكومة الصينية أخيرا، ما يبشر بقرب استعادة الطلب العالمي على النفط مستويات جيدة ومرتفعة متوقعة. وعزز تعافي أسعار النفط بيانات اقتصادية عن تقلص جيد في مستويات إنتاج النفط الصخري الأمريكي مع توقع تراجع المخزونات النفطية في الفترة المقبلة وتزامن ذلك مع تسجيل بعض دول "أوبك" بعض التباطؤ في الإنتاج وهو ما يصب في النهاية في مصلحة تعافي أسعار الخام في الأسواق الدولية. وأوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور بيرنارد ماير أستاذ الجيولوجيا في جامعة كاليجاري في كندا، أنه من الواضح أن السوق مقبلة على تقلص واسع في إنتاج النفط الصخري الأمريكي وكل موارد الطاقة مرتفعة التكاليف، مشيرا إلى أن النفط الصخري حقق أدنى مستوى له في عشرة أشهر وهو دلالة على عدم القدرة على تحمل فترات طويلة من انخفاض الأسعار، كما أن التأخر في التوصل إلى تكنولوجيا وتقنيات حديثة تقلل تكاليف الإنتاج دفع كثيرين إلى تجميد استثماراتهم وتقليل حجم المشاريع. وأشار ماير إلى أن انخفاض المخزونات أصبح سمة غالبة على السوق ويتكامل مع عنصر تراجع الإنتاج ليؤكد للمعنيين بالسوق أننا مقبلون على مرحلة تقلص المعروض النفطي وتآكل الوفرة في السوق وهو الأمر الذي سيدعم التوازن بين العرض والطلب وتقليل الفجوة السابقة الواسعة بينهما. وقال ماير "إنه كما توقعنا هناك مؤشرات قوية عن تجاوز الصين -وهي الكيان الأكبر في منظومة الطلب العالمي- لمشكلات الركود والتباطؤ الاقتصادي بعدما نجحت خطة تحفيز الاقتصاد في الصين في تنشيط الصادرات بخفض العملة وبزيادة إنتاج قطاع الصناعات التحويلية ومن المتوقع أن تعود الصين قريبا إلى معدلات النمو المرتفعة المعروفة عنها التي سبق أن حققتها على مدار عشر سنوات ماضية". ومن جانبه، يعتقد رالف فالتمان المختص النفطي، أن احتمال تعرض بعض السواحل الأمريكية لأعاصير المحيط الأطلسي سيدعم أسعار النفط بسبب المخاوف على المنشآت النفطية الأمريكية وهو أمر يتكرر حدوثه لكنه يتواكب هذه المرة مع تقلص حاد في إنتاج النفط الصخري وهو ما يعني أن السوق مقبلة على توازنات جديدة ترجح فيها كفة الطلب نسبيا في مقابل المعروض النفطي. وأوضح لـ "الاقتصادية"، أن انخفاضات أسعار النفط سجلت قاعا سعريا ومن المتوقع أن تتحول إلى الارتفاع بشكل متنام خلال الفترة المقبلة خاصة أن خسائر أسعار النفط بلغت 24 في المائة خلال الربع الثالث من العام الجاري. وأشار فالتمان إلى أن تباطؤ إنتاج دول أوبك خلال الشهر الماضي مع تأخر استئناف الصادرات النفطية الإيرانية بسبب عدم رفع العقوبات الاقتصادية أسهما أيضا في دعم أسعار النفط الخام بعدما تبددت نسبيا المخاوف من وفرة المعروض على حساب الطلب. على صعيد أسعار الخام، تراجعت أسعار النفط أمس بعد صعودها في وقت سابق مع انحسار المخاوف من أضرار قد تلحقها عاصفة بمنشآت نفطية في الولايات المتحدة. وبحسب "رويترز"، فقد انخفض سعر خام القياس العالمي مزيج برنت 20 سنتا أو 0.4 في المائة إلى 48.17 دولار بعدما بلغ أعلى مستوياته في أسبوع عند 49.84 دولار للبرميل. وارتفع الخام الأمريكي 30 سنتا أو0.7 في المائة إلى 45.39 دولار للبرميل بعدما صعد أكثر من دولارين أو4 في المائة في وقت سابق. وقال المركز الوطني الأمريكي للأعاصير في أحدث توقعاته "إن الإعصار يواكين الذي اشتدت قوته إلى عاصفة من الفئة الثالثة ويتحرك فوق جزر البهاما قد يضرب منطقة مدينة نيويورك يوم الثلاثاء المقبل بقوة عاصفة استوائية أقل حدة".؟ وفي حين لا يزال المسار المتوقع للإعصار غير واضح قالت شركات الطاقة إنها تراقب العاصفة وتستعد لها لكنها لم تغلق بعد أي مرافق طاقة بما فيها المنشآت النفطية. من جهة أخرى، أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أمس أن المصارف في منطقة الخليج ستواجه انخفاضا في صافي أرباحها في خضم تراجع الإنفاق العام الذي تسبب فيه تراجع أسعار الخام. وتراجع نمو صافي العائدات للمصارف إلى 4 في المائة في الفصل الثاني من العام مقارنة بـ 7 في المائة في الفصل الأول و10 في المائة خلال الفصول الثلاثة السابقة، بحسب تقرير وزعته الوكالة حول نتائج 26 مصرفا كبيرا تقوم بتصنيفها في الخليج. وتوقعت الوكالة أن يتراجع صافي العائدات ليصل إلى ما دون 10 في المائة في 2015 مع إمكانية أن يزداد تباطؤ النمو في 2016. وذكرت الوكالة أن العائدات "الجيدة" في النصف الأول من السنة سببها تراجع خسائر الديون وخفض التحوطات التي تخصصها المصارف مقابل ديون تثار حولها شكوك، إلا أنه مع المفاعيل المستمرة لانخفاض أسعار النفط على النمو وجودة الأصول، فإن العائدات قد تتراجع خلال الفصول المقبلة. وأدى هبوط أسعار الخام إلى تراجع الإنفاق الحكومي الذي يعتمد عليه القطاع الخاص لدرجة كبيرة، حيث انخفضت أسعار النفط بأكثر من 50 في المائة منذ حزيران (يونيو) 2014.
مشاركة :