عندما زار مدينة النجف، العراقية، ديسمبر 2014، فُتحت له أبواب المكان الذي يحتضن مرقد الإمام علي بن أبي طالب، ويضم كبار مراجع الدين للمسلمين الشيعة، فكان رئيس "مجلس الشورى" الإيراني علي لاريجاني، في ضيافة المرجع الديني آية الله علي السيستاني، حيث تناول الحديث العديد من القضايا الإقليمية التي تهم العراق وإيران، في مشهد بالغ الدلالة، رمزياً ودينياً وسياسياً. على العكس من لاريجاني، الذي لم يكن رجل دين، مثل إبراهيم رئيسي، الرئيس الحالي لـ"السلطة القضائية" في إيران، والذي زار العراق، لم تفتح له أبواب النجف، بعد أن تسلم منصباً رسمياً في الحكومة الإيرانية، وباتَ جزءا من النظام، حيث ترجع المصادر التي تحدثت معها "العربية.نت"، السبب إلى كون "مرجعية السيستاني لا تود أن تمنح الشرعية الدينية لطرف على آخر بين رجال الدين، وليست في وارد تأييد رجل دين سياسي، خصوصاً من التيار المحافظ والمتشدد". ماذا عن استقبال السيستاني لعلي لاريجاني، رغم كونه مسؤولاً رسمياً؟ تلك قصة أخرى، تحتاجُ لتفصيل أكثر، تسلط الضوء على سيرة لاريجاني وعائلته، وهو ما ستستعرضه "العربية.نت" في تقرير مفصلٍ مستقلٍ. الأبواب المُتباينة! في إيران، كان الأمر مختلفاً، فحين ترشح الرئيس السابق لـ"مجلس الشورى الإسلامي" علي لاريجاني، ورئيس "السلطة القضائية" إبراهيم رئيسي، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة، يونيو 2020، رفض "مجلس صيانة الدستور" ترشيح لاريجاني، وزكى رئيسي ضمن قائمة ضمت عدداً محدوداً جداً من الأسماء. الأبواب الموصدة أمام رئيسي في النجف، فُتحت له في طهران؛ فيما لاريجاني، الذي شُرعت له أبواب النجف، أغلقت في وجهه أبواب العاصمة التي خبرها طوال عقود، واحداً من الأسماء البارزة في سياسة النظام الإيراني الداخلية والخارجية! الاستبعاد المفاجأة! لم يكن علي لاريجاني، الإسم الوحيد البارز الذي شكل استبعاده مفاجئة للمراقبين، حيث تم إزاحة النائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري . فيما كان عدم الموافقة على ترشيح الرئيس السابق أحمدي نجاد، أمراً متوقعاً، بُعيد "تمرد الإبن العاق"! الذي يثير الكثير من الأسئلة، هو كون لاريجاني وجهانغيري، شخصيتان من داخل بنية النظام، ويقومان حتى الساعة بأعمال تتصل بمؤسساته. علي لاريجاني، كان مكلفاً من مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، بشكل مباشر، بتفاصيل اتفاق الشراكة بين إيران والصين، الذي وقع في إبريل 2021، حيث كان لاريجاني يتابعُ الحوار الشاق مع بكين، في ملف حيوي وهام، ضمن اتفاقية بمليارات الدولارات، وتمتد لـ 25 سنة، فإذا لم تكن لديه الأهلية السياسية والإدارية والموثوقية، كيف يسلمهُ مرشد الثورة هذا الملف الحساس؟ أمام إسحاق جيانغيري، فهو نظرياً الشخص الثاني في الحكومة بعد الرئيس حسن روحاني، أي أنه جزء من بنية الجهاز الرسمي، ومطلع على الكثير من الأسرار والملفات الدقيقة التي ترتبط بالعلاقات الإيرانية الخارجية، والمباحثات حول "البرنامج النووي"، ما يعني أنه سياسياً مؤهلٌ لأن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية. كلاهما، لاريجاني وجهانغيري، رغم اختلاف مدارسهما السياسية، إلا أنهما يتصفان بشخصية أقرب للعمل من داخل المؤسسة الحاكمة، ومحاولة إصلاحها بشكل ولو جزئي - تدريجي، دون الانقلاب عليها، ودون التمرد أو العصيان للولي الفقيه، من هنا سيشكل الاستبعاد الثنائي، تصرفاً "استفزازياً" لجمهور الشخصيتين، اللذان تتمتعان بحضور وسط فئات مختلفة من الشعب، وتحديداً الحوزة العلمية، والنخب السياسية، والتكنوقراط، والطبقة المثقفة المعتدلة، وأيضاً كانا يشكلان "بارقة أمل" للمحبطين من الإيرانيين الذين يريدون أن تتحسن الأوضاع المعيشية لوطنهم. دلالة الاسبعاد! استبعاد علي لاريجاني، وإسحاق جهانغيري ، سيعمل على إرسال عدة إشارات، أهمها: 1) تقليص التنوع النسبي المحدود أصلاً داخل نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وهو تقليص عُمل عليه بشكل أكثر جذرية، من بعد تولي أحمدي نجاد ولايته الثانية في أغسطس 2005، رئيساً للجمهورية، وما شهدته إيران من أحداث حينها، عرفت بـ"الثورة الخضراء"، سقط جراءها عدد من الضحايا والجرحى، إثر اعتراض قادة "التيار الإصلاحي" على نتائج الانتخابات، والتي اتهموا أطرافاً في النظام بتزويرها لصالح نجاد، فكانت النتيجة أن وضع الشيخ مهدي كروبي والسيد مير حسين موسوي، رهن الإقامة الجبرية، حيث يخضعان لإجراءات مشددة حتى الساعة. 2) ترسيخ الخط "المحافظ" الأكثر تشدداً وتبعية لمرشد الثورة آية الله خامنئي. فبرغم كون علي لاريجاني وإسحاق جهانغيري "محافظان" يتسمان بـ"الاعتدال"، إلا أن حتى هذا النهج، يبدو أن القيادات المؤثرة داخل مؤسسات النظام الإيراني، وتحديداً "الحرس الثوري"، لا تراه ملائماً لمنهجيتها، وتعتقد أنها رغم علاقتها الجيدة مع لاريجاني، إلا أنه من الأفضل استبعاده، لضمان انسيابية أكثر وسهولة في تناغم مؤسسات الدولة تحت مظلة "الثورييين"! 3) قطع الطريق أمام امتداد سياسات الرئيس حسن روحاني، حيث كان بعض المراقبين يرى أن الفوز المحتمل لعلي لاريجاني، يعني أنه ستكون هنالك "حكومة ثالثة لروحاني"، ليس بسبب التطابق بين الرجلين، بل لكونهما يودان "تخفيف الاحتقان مع دول الجوار"، وبالتالي فإن إقصاء لاريجاني، سيمهد الطريق لسياسات "محافظة" أكثر وضوحاً، وأكثر تشدداً، تحديداً مع الولايات المتحدة، فيما يخص: الملف النووي، الصواريخ العابرة للقارات، والنفوذ الإيراني الخارجي. 4) تكوين حكومة قادمة محافظة، ملتزمة بنهج "الثورة"، أياً يكن الرئيس، الذي على الأرجح أن يكون إبراهيم رئيسي. هذه الحكومة ستكون متناغمة مع سياسات المرشد خامنئي، ومتعاونة مع "الحرس الثوري"، وصديقة لـ"مجلس الشورى" الذي يسيطر عليه "الأصوليون"، ما يعني أن إيران مقبلة على جبهة سياسية وعسكرية موحدة، في سلطاتها المختلفة. الاحتفاء برئيسي! صحافيون إيرانيون وعرب متابعون عن كثب لملف الانتخابات الإيرانية، يعتقدون أن رفض أهلية الرئيس السابق لـ"مجلس الشورى الإسلامي" علي لاريجاني، والنائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري، تهدف إلى "التمهيد لرئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، ليكون رئيساً للجمهورية، بعد أن هُزم في الانتخابات السابقة أمام الرئيس حسن روحاني"، لأن بقاء لاريجاني وجهانغيري في السباق الرئاسي معناه "عدم ضمان فوز رئيسي، نظراً للمنافسة الحادة التي ستكون بينهم، والدعم الذي كان سيحظى به جهانغيري ولاريجاني، واحتمالية تأييد أحدهما لترشيح الآخر في مرحلة انتخابية متقدمة، بهدف إقصاء الثوريين عن سدة الرئاسة". الصحافي الإيراني مسعود الزاهد، يعتقد أن "الإنتخابات الرئاسية القادمة مرتبطة تماماً بتعيين الشخص المرشح كخليفة للمرشد الحالي، واختيار إبراهيم رئيسي إما لفتح الطريق له ليصبح مرشداً"، وبالتالي فإن رئيسي الذي سبق أن هُزم قبل سنوات من التيار "المعتدل"، ليس من مصلحة النظام الإيراني أن يعرضه لهزمية ثانية، ما يعني القضاء على فكرة توليه منصب المرشد، كخليفة محتملٍ لآية الله خامنئي في حال رحيله. حتى الساعة، يبدو أن إبراهيم رئيسي هو صاحب الحظ الأوفر، إلا إذا حصلت مفاجأة غير متوقعة، بأن تدخل المرشد خامنئي، وأصدر "حكماً ولائياً" بإعادة مراجعة قوائم المرشحين، خصوصاً أن شخصيات مثل آية الله صادق لاريجاني، الرئيس السابق لـ"السلطة القضائية" أبدى امتعاضه من الحال التي آلت إليه أمور الانتخابات في إيران، وشاركه في ذلك عدد من الشخصيات السياسية، بينهم النائب السابق في البرلمان علي مطهري، والنائب الحالي عن مدينة تبريز أحمد رضا بيغي، وهي ردود الأفعال التي يتوقع أن تزداد مع مرور الوقت.
مشاركة :