في السنوات الماضية كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الساحة الرئيسية للتطوّرات الدبلوماسية في الشأن الفلسطيني، وأظهر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الذي وعد في الماضي بالسعي بقوة من أجل تعزيز اتفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إلى أي مدى فقدت القضية أهميتها بالنسبة له، إذ لم يذكرها حتى ولو مرة واحدة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. من توقع أن يذكر أوباما الموضوع ولو بكلمة واحدة، حتى ولو للوفاء بالتزامه، ثبت له زيف ذلك، ويخشى كثير من المحللين السياسيين في إسرائيل من مخاطر تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي في المستقبل لإنهاء عملية السلام وتحول إسرائيل إلى دولة غالبية سكانها من العرب، مشيرين الى أن تجاهل اوباما للشأن الفلسطيني يبدو للوهلة الأولى خبرا سارا لنتنياهو، ولكن ذلك على أرض الواقع ينذر بدخول الاتحاد الأوروبي وجهات أخرى لملء الفراغ الناجم عن الغياب الأمريكي. الحملة الفلسطينية وفي السنوات الماضية، وتحديدا في عاميّ 2011-2012، كانت جميع الأنظار موجّهة نحو الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي بدا أنّ حملته الدبلوماسية تؤتي ثمارها وأنه يقود فلسطين نحو الاستقلال. ولكن لم يبق شيء تقريبا من نضالات السلطة الفلسطينية الرمزية. ولم يأخذ أحد، تقريبا، على محمل الجدّ، تهديدات عباس بإلقاء قنبلة في خطابه في الأمم المتحدة. وهذه المرة، أيضًا بنيامين نتنياهو الذي اعتبر نفسه نجم الجمعية العامّة، لا يُتوقّع أن يلقي أية قنبلة خطابية. في السنوات الماضية كان نتنياهو أحد الخطباء الرئيسيين في المؤتمر: في إحدى المرات عرض أمام حضور الجمعية العامّة خارطة لمعسكر الإبادة أوشفيتز والذي قُتل فيه اليهود من قبل النازيين، وفي إحدى المرات حثّ عباس على لقائه والحديث معه بشكل صريح، وفي مرة أخرى رسم القنبلة الإيرانية، وفي مرة أخرى صرّح بأنّ الرئيس الإيراني روحاني هو ذئب في ثياب حمل. يبدو أنه في هذا العام لن تكون هناك جملة سيتم تذكّرها من كلام نتنياهو. قلق إسرائيلي وشكل تجاهل الرئيس الأمريكي باراك أوباما للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة، مادة خصبة لتعليقات المحللين السياسيين في إسرائيل، الذين حذروا من خطورة تراجع الدور الأمريكي في المنطقة على أمن إسرائيل في المستقبل. ويؤكد كثير من المحللين الإسرائيليين، أن تراجع أوباما عن التزاماته ووعوده بتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سيخدم حكومة بنيامين نتنياهو في المدى القصير، لكنه سيزيد من مخاطر تحول إسرائيل لدولة ثنائية القومية نتيجة تراجع فرص تسوية الدولتين. ولم يستبعد بعض المحللين الإسرائيليين أن يدفع تجاهل أوباما للقضية الفلسطينية الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتقديم خطاب أكثر قوة وتطرفا بهدف استعادة الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، ما يعني ازدياد مخاطر اشتعال المواجهات في الضفة الغربية. واستبعد المحلل السياسي آرييه شافيط أن يكون تجاهل أوباما للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ردا على تحسن علاقات إسرائيل وروسيا أو معاقبة لها. وأوضح أن تجاهل الشأن الإسرائيلي الفلسطيني يأتي حلقة في مسلسل تراجع دور واشنطن في العالم وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، قائلا في السنوات الأخيرة اكتفى أوباما بالأقوال، فيما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأفعال. ورأى أن فقدان الضغط الأمريكي على إسرائيل يعني تكريس الاحتلال وإطالة عمر الصراع، معتبرا ذلك ليس في صالح إسرائيل على الأقل لاعتبارات ديموغرافية. من جانبه، أكد المحلل السياسي يجئال رفيد، أن نتنياهو يستطيع أن يتنفس الصعداء على المدى القصير لتجاهل معظم قادة العالم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتابع: للوهلة الأولى بينما كان الرئيس الفلسطيني ينظر في ذهول لتجاهل أوباما الكامل للشأن الفلسطيني، كان نتنياهو يشعر بالراحة، لكن الإحباط الفلسطيني ينطوي على خطر بالنسبة لإسرائيل. ونقلت الجزيرة عن المعلق الاسرائيلي يوسي سريد أن تجاهل أوباما للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في خطابه لا يعني أنه قد توقف عن معالجته، مرجحا أن يعود ويقوم بخطوة مهمة لاستعادة المفاوضات قبل مغادرته البيت الأبيض. الدور الأوروبي ويتفق معه المحلل السياسي أمير تيفون، الذي قال إن أوباما لم يقل الكلمة الأخيرة بعد، وإن تجاهله الشأن الفلسطيني يبدو للوهلة الأولى خبرا سارا لنتنياهو، ولكن ذلك على أرض الواقع ينذر بدخول الاتحاد الأوروبي وجهات أخرى لملء الفراغ الناجم عن الغياب الأمريكي. لكن المعلق شاؤول أرئيلي يرى أن تجاهل أوباما الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي كرس في الماضي الكثير لتسويته، ينم عن فهمه أن تسويته لن تتم في أروقة الأمم المتحدة. واعرب أرئيلي عن اعتقاده بأن أوباما ما زال مهتما بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه فقد الأمل بإمكانية تسويته في ظل حكومة نتنياهو، وشدد على أن أوباما غير معني بمفاوضات من أجل المفاوضات وأن إسرائيل ستجد ذاتها وحيدة أمام ضغوط دبلوماسية. وحذر من أن تراجع الولايات المتحدة عن دورها في هذا المضمار يخدم أجندة حكومة نتنياهو والمستوطنين، لكنه يلحق ضررا فادحا بإسرائيل التي تقترب يوما بعد آخر من التحول لدولة ثنائية القومية، وسرعان ما ستصبح عربية.
مشاركة :