باماكو - دخلت مالي مجددا في أجواء مضطربة غداة اعتقال الجيش الرئيس ورئيس الوزراء الانتقاليين، في تحرّك أدانه المجتمع الدولي وأراد من خلاله الجيش تأكيد هيمنته بعد تسعة أشهر من انقلابه. وأعلن نائب رئيس مالي عاصمي غويتا الثلاثاء عزل الرئيس المؤقت باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوان بعد إلقاء القبض عليهما الاثنين. ووعد غويتا، الزعيم السابق للانقلاب العسكري الذي وقع في أغسطس 2020، بإجراء انتخابات جديدة في عام 2022. وكان من المفترض أن تحقق الحكومة الجديدة توازنا بين مصالح الجيش والمجتمع المدني، وأن تصلح الدستور وتجري انتخابات في غضون 18 شهرا. ويتوقع أن تسيطر على الأجواء في مالي الغارقة في أزمة معقدة ومتعددة الجوانب منذ سنوات حالة من عدم اليقين والشائعات والأنشطة الدبلوماسية والسياسية، مع وصول وسيط دول غرب أفريقيا غودلاك جوناثان. وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر قمة أوروبية الثلاثاء أن القادة الأوروبيين “ندّدوا بأكبر قدر من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه”، الأمر الذي يشكل “انقلابا داخل الانقلاب، وهو أمر مرفوض”. وأضاف ماكرون خلال مؤتمر صحافي “نحن مستعدون في الساعات المقبلة لفرض عقوبات محددة الهدف” بحق الأطراف المعنيين. وتم اعتقال نداو وعوان في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، بعد فترة وجيزة من إصدار مرسوم بتعيين حكومة جديدة. وتم نقلهما إلى معسكر للميليشيات في كاتي، على مسافة 15 كيلومترا شمال غرب العاصمة باماكو. وليس لدى الماليين أدنى شك في أن الضباط الذين نفذوا انقلابا في 18 أغسطس 2020 يقفون وراء هذه العملية الجديدة وهم أنفسهم الذين أخذوا تحت الإكراه الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا لإجباره على الاستقالة بعد أشهر من التعبئة الشعبية، والذين نصّبوا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وتحت قيادة العقيد غويتا، احتفظ العسكريون بالسيطرة على السلطة التي تعهدوا، تحت ضغط من المجتمع الدولي، بإعادتها إلى مدنيين منتخبين بعد 18 شهرا، وليس ثلاث سنوات كما كانوا ينوون من قبل. ويبدو أن تركيبة الحكومة التي أعلنت الاثنين لم تكن موضع ترحيب من الضباط رغم أن العسكريين احتفظوا فيها بمناصب رئيسية، مع استثناء شخصيتين من المجلس العسكري السابق من حقيبتي الدفاع والأمن. وأدانت بعثة الأمم المتحدة في مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) والاتحاد الأفريقي وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي “بشدة محاولة استخدام القوة” وطالبت في بيان مشترك “بالإفراج الفوري وغير المشروط” عن القادة الانتقاليين الذين أعربوا عن “دعمهم الثابت” لهم. كما أكدت رفضها مقدما فرض أمر واقع، بما في ذلك الاستقالة القسرية للرئيس ورئيس الوزراء. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تغريدة الاثنين إلى “الهدوء” و”الإفراج غير المشروط” عن نداو وعوان. كما عبّرت الجزائر عن رفضها تغيير الحكومة “بالقوة” في مالي، مجددة دعمها للرئيس الانتقالي . وتوجه إلى معسكر كاتي الليلة الماضية وفد من حركة 5 يونيو، وهي ائتلاف قاد حركة الاحتجاج ضد الرئيس المخلوع إبراهيم بوبكر كيتا في عام 2020 وتم تهميشه من قبل العسكريين. وفي منتصف أبريل، أعلنت السلطات الانتقالية عن تنظيم استفتاء في 31 أكتوبر على تعديل دستوري طال انتظاره، وحددت موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فبراير – مارس 2022 على أن تسلم إثرها السلطة إلى قادة مدنيين. ولكن ما زالت الشكوك قائمة بشأن قدرتها على تنفيذ وعودها، ولاسيما في سياق تجدد الأزمة السياسية ومع استمرار العنف الذي تنفذه حركات إسلامية متطرفة ومجموعات أخرى. وفيما تتراكم الأدلة على السخط الاجتماعي، أعلنت المنظمة النقابية الرئيسية عن إضراب جديد هذا الأسبوع. وتشهد مالي التي يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة، إلى جانب جارتيها النيجر وبوركينا فاسو خلافا لأعمال العنف التي تنفذها حركات إسلامية متطرفة، نزاعات قبلية وغيرها من المواجهات خلّفت الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المشرّدين.
مشاركة :