مالت أسعار النفط الخام إلى الارتفاع الطفيف بعدما عادل التفاؤل بتعافي الطلب على الوقود في الولايات المتحدة المخاوف من احتمال استئناف ضخ الإمدادات النفطية الإيرانية في السوق في حال نجاح مفاوضات فيينا الحالية. ويقاوم المكاسب السعرية استمرار الإصابات بفيروس كورونا في الهند وعدد من الدول الآسيوية، خاصة بعدما كشفت منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات هذا العام قد يفوق قريبا إصابات العام الماضي الذي شهد اندلاع الجائحة. ويستعد وزراء الطاقة في مجموعة "أوبك+" لاجتماع شهري جديد الأسبوع المقبل لتقييم تطورات السوق في ضوء زيادات تدريجية بدأت في أيار (مايو) الجاري، مع تقييم وضع الطلب بعد تخفيف قيود الإغلاق في أوروبا والولايات المتحدة وانتعاش حركة السفر والطيران. ويقول لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون "إن الإنتاج النفطي الأمريكي لم يستجب سريعا لانتعاش الأسعار، وهناك حالة حذر في زيادة الإنتاج انتظارا للتعافي الكامل من تداعيات الوباء وعلاج هشاشة الأسواق وتوازن العرض والطلب"، لافتين إلى أن هذا الحذر جعل بعض التقارير الدولية تتحدث عن أن تجار النفط يستعدون لأزمة معروض محتملة قبيل موسم القيادة الصيفي المزدحم الذي يؤدي إلى زيادة واسعة في الطلب. وأشار المختصون إلى التأثير السريع والهبوطي في الأسعار بسبب حالة الانتظار لحسم المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا، حيث تؤكد معظم التقارير حول هذه المحادثات أنه سيتم التوصل إلى صفقة ما قريبا، ومع ذلك تستمر حالة الهشاشة التي تحول دون استقرار أسواق النفط، حيث ارتفعت الأسعار فور أنباء سابقة عن تعثر المحادثات. وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا "إن انتعاش الطلبين الأمريكي والأوروبي لهما تأثير واسع في تحسين معنويات السوق ونشر التفاؤل بالنسبة إلى النصف الثاني من العام الجاري على الرغم من التعثر الواسع للطلب في آسيا"، مشيرا إلى أن المخزونات النفطية الأمريكية تتقلص تماما في الوقت الذي تعمل فيه مصافي النفط على زيادة الإنتاج. وأوضح أن هناك حالة من التزام منتجي النفط الصخري الأمريكي تحديدا بمستويات عليا من الحذر بشأن الإنتاج خوفا من تكرار سيناريو انهيار أسعار النفط الذي حدث في العام الماضي، إضافة إلى ضغوط أخرى يتعرض لها الاقتصاد الأمريكي، منها مخاوف التضخم، لافتا إلى ارتفاع العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 35 في المائة هذا العام ويتم تداولها عند مستويات ما قبل الوباء. من جانبه، يضيف أندرو موريس مدير شركة بويري الدولية للاستشارات أن "المنتجين الأمريكيين يركزون حاليا على تعزيز مراكزهم المالية وتعويض الخسائر الحادة السابقة، ولا يتسرعون في الحفر غير المجدي، وتتركز الجهود فقط على وجود عدد كاف من الحفارات لتعويض الانخفاض الطبيعي في الآبار قيد الإنتاج بالفعل"، مشيرا إلى أن أحدث بيانات المخزونات الأمريكية يؤكد أن مستواها أقل بالفعل من متوسط خمسة الأعوام. وأشار إلى أن الطلب الأمريكي يقطع خطوات قوية وسريعة نحو التعافي بفضل الانتشار السريع للقاحات كورونا واستئناف حركة التنقل والسفر البري والجوي، وهو ما جعل المصافي الأمريكية تستعد حاليا بشكل صارم لمواجهة الطفرة المتوقعة في الطلب الصيفي، بعد أن أدت حملة التطعيم في البلاد إلى إعادة فتح الولايات بشكل مطرد. ويقول أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة "إن أسعار النفط الخام حققت مكاسب قوية الإثنين الماضي بنحو 3 في المائة بفعل التفاؤل الواسع بتعافي الطلب العالمي ونتيجة وتيرة انتشار اللقاحات السريع في أغلب دول العالم، لكن الأسعار عادت إلى وتيرة الهدوء والاستقرار ترقبا لنتائج المفاوضات الدولية في فيينا حول الملف النووي الإيراني، التي قد تسفر عن عودة إمدادات إضافية إلى المعروض النفطي العالمي". وذكر أن "أوبك+" تستعد لاجتماع وزاري مهم ودقيق خلال أيام، وتذهب التكهنات إلى أن الاجتماع سيناقش مجددا حث الدول التي قامت بزيادات سابقة في الإمدادات على إجراء التعويضات اللازمة لمنع تضخم المعروض النفطي، مشيرا إلى أن "أوبك" تعمل على تذكير المتقاعسين عن الامتثال إلى اتفاق "أوبك+" لإنتاج النفط، من أجل تقديم خطط منضبطة بشأن كيفية تعويضهم عن الضخ فوق حصصهم في الأشهر الأخيرة. وتوضح الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة أن توقعات الطلب القوية والمتنامية تدريجيا جذبت أسعار النفط بشكل عام نحو الارتفاع على مدار الأشهر القليلة الماضية بعد جهود التلقيح الشاملة والمكثفة والمستمرة. وأشارت إلى أن هذا لم يلغ تأثير العوامل السلبية في الأسعار، وهو ما أدى إلى حالة من غياب الاستقرار في بيئة السوق نتيجة الأحداث الداعمة لصعود الأسعار والمقاومة لها - بالقوة نفسها - حتى إنها اصبحت تعادل بعضها بعضا في بعض الأوقات. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، مالت أسعار النفط إلى الاستقرار على ارتفاع طفيف أمس، وجرى تداوله داخل نطاق ضيق وسط تفاؤل حيال تحسن الطلب على الوقود في الولايات المتحدة، لكن احتمال عودة النفط الإيراني إلى الأسواق يضغط على الأسعار. وارتفع خام برنت 14 سنتا بما يعادل 0.2 في المائة إلى 68.79 دولار للبرميل، وزاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي سنتا واحدا أي أقل من 0.1 في المائة إلى 66.08 دولار. وقال وارين باترسون المحلل لدى "آي.ان.جي"، "يتحسن الطلب الفعلي في أوروبا والولايات المتحدة، إذ إن تباطؤ حالات كوفيد الجديدة يدعم نشاط التنقل". وأسهم موسم الرحلات الصيفي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ورفع قيود فيروس كورونا في زيادة الطلب، ونتيجة لذلك انخفضت مخزونات الخام والوقود في الأسبوع الماضي حسب مصدرين، استنادا إلى بيانات معهد البترول الأمريكي. ووفقا للمصادر، أشارت البيانات إلى أن مخزونات الخام هبطت 439 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في 21 من أيار (مايو) وتراجعت مخزونات البنزين مليوني برميل ونواتج التقطير 5.1 مليون برميل. ويراقب المتعاملون في السوق من كثب المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة التي قد تقود إلى رفع العقوبات عن قطاع الطاقة في إيران وعودة النفط الإيراني إلى السوق. وعبر علي ربيعي المتحدث باسم الحكومة الإيرانية عن تفاؤله إزاء توصل طهران إلى اتفاق قريبا، رغم أن كبير المفاوضين الإيرانيين حذر من أنه ما زالت هناك قضايا خطيرة لم تحل. وتتفاوض إيران والقوى العالمية في فيينا منذ نيسان (أبريل) للاتفاق على الخطوات التي يتعين على طهران وواشنطن اتخاذها بشأن العقوبات والأنشطة النووية للعودة إلى الالتزام الكامل بالاتفاق النووي. وقال محللون "إن طهران يمكنها ضخ إمدادات إضافية بما بين مليون ومليوني برميل يوميا للسوق في حال التوصل إلى اتفاق ورفع العقوبات". من جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 67.41 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 66.93 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني ارتفاع له على التوالي، وإن السلة خسرت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 68.39 دولار للبرميل".
مشاركة :