الكاتب جبار السدخان ( الخمرة في قصائد المالكي).... للخمرة عند الشعراء فم ومزاج وطقوس..ومن ذلك الفم ولدت القصائد والمطولات الشعرية امتازت بجميل خيالها ودقة تصويرها..ومن المزاج ماجعل الشاعر امرأ القيس وهو يعاقرها ويلعب النرد مع نديمه حتى اخبره رجل من بني عجل يقال له عامر الأعور ان والدك حجر بن الحارث قد قتل واعادها عليه مرتين فقال امرؤ القيس كلمته الشهيرة ( ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً ..لا صحوَ اليوم ولا سكر غداً ... اليوم خمر وغداً امر) وطقوس تلك التي تعددت اسماؤها مابين الخمرة والمدامة والسلافة والصهباء والراح والمدام وغيرها وما يلد من رحمها من خصوبة في الذاكرة الشعرية تعيش المفردات برعشة التولد مع مساءات الذات الغضة...وكم عرف طقوسها طرفة بن العبد وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد والأعشى الكبير والمنخل اليشكري وعشرات من الشعراء كيف يعاقرونها فتلد وتمطر مخيلتهم اجمل واحلى القصائد والمطولات والصور البديعة حتى افرد لها الادب العربي باب الخمريات ويستمر رحيق القصائد( الخمرية) لابي نؤاس والوليد بن يزيد حتى شعراء العصر الحديث...ومن غريب التناقض ذلك الامتراج بين الخمرة والتقوى في قصيدة واحدة بل يتحول ذلك الامتزاج للمتناقضين في تكوين مفردات عالية النزعة النفسية والجمالية كما في القصيدة المنسوبة الى رجل الدين العارف الزاهد عبد القادر الكيلاني والذي يقول.. مزجنا بها التقوى لتقوى نفوسنا فيا من راى خمراً يمازجها التقوى شربنا فبحنا فاستبيحت دماؤنا ايقتل بواحاً بسر الذي يهوى وما السر في الاحرار الا وديعة ولكن اذا رق المدام فمن يقوى من هذا الكاس وتلك المدام توقفت مع الشاعر عبد الباري محمد المالكي وديوانه الشعري( عيناك الحورا) حيث لا ينتسب كأس شاعرنا المالكي الى كؤوس ابي نؤاس وامرئ القيس وبقية الشعراء الذين تم ذكرهم بل هو يضاهي كأس الشاعر محمد سعيد الحبوبي ومحمد مهدي البصير الذين يمازجون الخمرة بالتقوى والعفة في القول والمفردة...فقد اهتم المالكي في خمرياته بلغة شعرية وسلاسة الالفاظ عالية الدلالة حيث تحملك تلك المفردات الى عوالم الذات العاشقة ذات الفيض الانساني من المعاني لذلك ترى توهج الجمل الشعرية لدى شاعرنا المالكي ويصبح ذات قدح معلى بالجمل ذات الموسيقى النغمية والفنية المتوقدة بالاحساس واذا ما صح ما ذهب اليه الاديب الامريكي( ادغار الان بو) الذي يرى ان الشعر خلق من الجمال فان جمل المالكي ومفرداته يسودها الجمال المفعم بالود والبساطة فهو في قصيدة( حوراء ) من الديوان المذكور يقول.. في شفتيها لمى كالخمر تسكرني حتى ثملت وما افطمت للشيبِ وفي قصيدة( يا ساقني كأس المدامة لا تمل) تنساب جمل المالكي الشعرية ناقلة ذلك الكم الهائل من التوهج في المعاني المغطى بمساحات دلالية وجمالية واتذكر عندما تدار الكؤوس عند محمد سعيد الحبوبي يقول... فاعطني كاساً وخذ كاساً لديك فلذيذ العيش ان نشتركا وعندما يطارح المالكي نديمه في التحليق مع الكؤوس يقول.. كأس تطارحني وكأس في يدي وصبابة في ثالث أحيت دمي املأ رباعاً اوخماساً ..سادساً سبعاً ثمانيَ تاسعاً ثم اتممِ ان شئت زدني ما تطيب قصيدتي الا برنة أكؤسٍ في انغمِ وفي ابياته الاندلسية في قصيدة ( نخب الحب) يظهر ذلك التمظهر في ثالوث النخب والشوق والقلب المتلهف للرؤيا قد شربنا نخب حبينا فما خفِت الشوق ولا قلبي ظما وفي قصيدة ( بغداد) ذات الليالي الحمراء ودفء نسائمها على ضفاف دجلة الخير يقول الشاعر .. حمرُ الليالي وسكْرُ الخمرِ أخيلةٌ مالذَّ غير كؤوسٍ نخبُها خَمَر ُ بالاضافة الى بقية الابيات الجميلة في الديوان المذكور التي تظهر جمالية مفردة المالكي المرتكزة بثقل معناها والتي تستمد طاقتها من سمو الشعر وعذوبته....
مشاركة :