تشكل الأسرة اللبنة الأولى والأساس في بناء المجتمع ومتى ما صلح أهم مخرجات هذه الأسرة وهم الأبناء أخلاقياً وتربوياً وفكرياً ووعياً صلح المجتمع الذي يقوم عليهم ويعتمد أساسا على هذه اللبنة الأساسية في بنائه. ولم نكن إلى وقت قريب نعطي القضايا الأسرية على اختلافها تلك الأهمية بالبحث والنقاش والتحليل والدراسات العلمية لكشف أسبابها ومايؤثر فيها ونتاج ذلك حتى طغت على السطح في الآونة الأخيرة الكثير من القضايا والمشاكل المجتمعية التي تطورت إلى افرازات خطيرة وأصبحت ذات تأثير أمني وديني وأخلاقي وثقافي خطير ينعكس على المجتمع ككل، لنعود بعد ذلك في البحث والنقاش عن المسببات ونجدها في تكوين الأسرة وفي قضايا الأسرة التي كما قلنا هي المكون الرئيس والمنتج لمكونات المجتمع، ومتى ما صلحت وتقوم بناؤها بالشكل السليم صلح المجتمع. تفريط الأسرة في دورها الأساس في التنشئة السليمة لأفرادها يقود لنتائج خطيرة على المجتمع قضية العنف الأسري إحدى القضايا المهمة وإحدى أوجه الخلل داخل محيط الأسرة وقد برزت في الآونة الأخيرة الكثير من فصول المعاناة التي تجرعها المجتمع من سطوة العنف الأسري التي يقف خلفها العديد من المسببات منها تعاطي المخدرات، أو الفكر المنحرف أو اللا وعي والتربية الخاطئة وانعكاسها على السلوك العام للشخص وكذلك عدم استشعار القيمة الإنسانية للمحيطين به حتى وإن كان من ضمن المتضررين الوالدين أو الأبناء أو الزوجة وهي التي تكون دائماً الواقعة بين مطرقة الخوف من تفكك الأسرة وسندان تضرر الأطفال، لكنها في النهاية ومع استنفاد كل محاولات العلاج والإصلاح والصبر الطويل والمعاناة والمكابدة تصل إلى طريق مسدود ليس له مخرج سوى الانفصال وتشتيت الأسرة وتحطيم كيانها والأضرار به، مما سينعكس في كثير من الأحوال على توريث هذه المأساة لأحد الأبناء أو معظمهم كردة فعل لتلك المشاهد القاسية التي عاناها شخصياً او صبت جام غضبها على أحد أطراف الأسرة. وتأتي المشكلة في مرحلة توريث هذا العنف لدى أحد الأبناء في أن الضرر لن يتوقف داخل دائرة الأسرة بل ستكون هناك نقمة تقفز إلى خارج محيط الأسرة الصغيرة إلى المقربين منها وتتسع الدائرة لتشمل كافة أركان المجتمع ليتحول هذا الشخص الذي عاش مرحلة قاسية من التعنيف إلى قنبلة موقوتة ومهيأة لتقذف بجام غضبها على القريب والبعيد، مختلقاً الأسباب التي تبرر له هذه القسوة العارمة وغير المنضبطة تجاه المجتمع، وحينما يحاول هذا الشخص ممارسة العنف يكون أكثر قسوة وأكثر دموية، وفي حالة لا شعورية يحاول تقمص شخصية المدافع عن الفضيلة والعقيدة، فتراه ناقماً على كل مظاهر الحياة بزينتها، وتارةً يمنح نفسه سلطة تغيير الأوضاع العامة والخاصة للمجتمع، ومنها إلى أمور أكبر وكذا قضايا الولاء والبراء مردداً عبارات وأطروحات الفكر التكفيري المتطرف ومنفذاً لتعليماته بدون أدنى وازع من ضمير أو من دين يضبط سلوكه، ليكون في النهاية ضحية تتبرأ من أفعاله أسرته والمقربون منه وكأنه هم انزاح عن كاهلهم. فشل عملية التنشئة في البداية يقول د. دخيل البهدل- استاذ علم النفس- بأن العنف الأسري ظاهرة اجتماعية نفسية تعاني منها كل المجتمعات، كما يعد من الظواهر القديمة الحديثة في المجتمعات الإنسانية إلا أن الجديد فيها هو ارتفاع معدلاتها ومدى انتشارها واتخاذها أشكالا جديدة في المجتمع الحديث، لافتا إلى أن المجتمع العالمي شهد تغيرات حاسمة وشاملة على كافة الأصعدة والنظم المختلفة ومن بينها النظام الأسري وهذه التغيرات تؤثر في المجتمع، وتتأثر الأسرة بدورها بأية تغيرات تطرأ، ومجتمعنا شهد تحولات اقتصادية واجتماعية سريعة أدت إلى تحولات في طبيعة العلاقات الاجتماعية، بجانب بعض المشكلات التي يعاني منها وأهمها العنف الأسري الذي يعد نتاجاً لما اعتبر وظيفة التنشئة الاجتماعية في النظام الأسري، حيث يعتبرها الباحثون والمختصون قياساً لفشل عملية التنشئة الاجتماعية التي تمثل حجر الأولوية في البناء الأسري، مشيراً إلى أن العنف والاعتداء على الآخرين من الأشياء التي حظيت باهتمام علماء الدين والاجتماع والتربية وعلماء النفس إذ حرصت الشريعة الإسلامية على ترسيخ مبادئ القيم الأخلاقية والشيم التربوية في نفوس المسلمين، يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله رفيق ويحب الرفق في الأمر كله"، مضيفا بأن العنف الأسري من منظور علماء النفس، يمثل سلوكاً قاهراً عنيفاً ضد المعتدى عليه . وأكد أن لظاهرة العنف الأسري آثاراً سلبية تلقي بظلالها على المجتمع ( نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وصحياً وأمنياً) فمن الآثار الاجتماعية حدوث الطلاق وتشتت الأبناء وانحراف الأحداث ومعاقرة المخدرات وشرب المسكر ومن الآثار السلبية النفسية إصابة احد أفراد الأسرة بالاكتئاب والاضطرابات والضغوط النفسية والتوتر الذي ربما يؤدي إلى الانتحار، ومن الآثار الصحية الإصابات الجسدية والعاهات وأمراض الضغط والسكر والقولون وغيرها، ومن الآثار الأمنية انتشار سلوك الجريمة والسرقات والاغتصاب وجنوح الأحداث كنتيجة حتمية لما اعترى جدران الأسرة من تصدعات رهيبة بسبب العنف الأسري ومن الآثار أيضا تمزق الروابط الاجتماعية وتدمير العلاقات الأسرية، وبالتالي تهديد كيان المجتمع بأسره إذا استقلت هذه الظاهرة توسعت آثارها وامتدت مخاطرها، لذا لابد من تضافر الجهود للحد من قضايا العنف الأسري بالمجتمع، فللإعلام ومكوناته دور مهم في توجيه السلوكيات وتقويمها من خلال تخصيص قنوات إعلامية تساعد الأسرة في تخطي العنف الأسري وإرهاصاته وبث رسائل توعوية وتنويرية حول مخاطر وآثار هذا الداء الخطير على وعي وسلوك الأسرة وكذلك نشر الثقافة الأسرية حول احترام الجنس الآخر مع تعريف الرجل بحقوق المرأة وتكريس الاحترام المتبادل، وإشاعة لغة الحوار الأسري وتدريب الأسرة على كيفية مواجهة المشكلات مع توعية الأمهات بضرورة مراعاة المراحل العمرية للطفل من خلال البرامج الموجهة وقيام المؤسسات الدينية بدورها الفاعل في تكريس مفهوم الوعظ والإرشاد وفتح مكاتب استشارية أسريه نفسية واجتماعية في الأحياء ووضع خطط إستراتيجية وطنية متكاملة مكونة من الجهات المعنية لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة بمشاركة أكاديمية من المؤسسات التعليمية ونشر الوعي الأسري وأهمية التوافق والتفاهم بين الوالدين وأهمية دورها في قيام الأسرة وسلامتها وكذلك استخدام أساليب التنشئة الاجتماعية السلمية ومضامينها المناسبة وتقديم ندوات علمية ومحاضرات ثقافية وورش عمل من الجهات المدنية المعنية تبين مخاطر العنف المنزلي وانعكاسه على البناء الأسري. نبذ العنف وقال د. أحمد العجلان -رئيس قسم الاجتماع بجامعة القصيم-: ينظر إلى العنف على أساس أنه نمط من أنماط السلوك، وأن له عدة أشكال منه البسيط الذي لا يتعدى إثارة الغضب، ومنه الشديد الذي يصل إلى حد إنهاء الآخر، وحماية أفراد الأسرة من العنف سمة للمجتمعات الحديثة ومعلم من معالم المجتمعات الإنسانية المتحضرة، والعنف ضد الحلم والرفق، لافتا إلى أن الشرائع السماوية تجمع على نبذ العنف بكل أشكاله وصوره سواء داخل نطاق الأسرة أو في محيط المجتمع وسواء كان ضد النساء أو الأطفال أو الكبار وأن هناك عددا من الإرشارات تخبرنا بها الشريعة الإسلامية السمحة حول هذا الموضوع على سبيل المثال ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله " عليك بالرفق وإياك والعنف..."، وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله "علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف". وأضاف: بأن الخلاف والعقاب والتسلط والفجوة بين الزوجين يؤدي إلى سوء التوافق لدى الأطفال الذي قد يؤدي إلى اضطراب سافر يجعل الأسرة على حافة الانهيار أو قد يؤدي فعلا إلى الانفصال، بينما أساليب المعاملة الزوجية القائمة على الحب والتعاون بين الزوجين في مواجهة مشكلات الأولاد تؤدي إلى شعورهما بالأمن والاطمئنان مع الآخرين وعلى هذا تقوم أساليب المعاملة الزوجية بين الزوجين بدور كبير في مدى توافق الزوجين ومن ثم الأطفال فالأساليب غير السوية القائمة على التسلط والقسوة والنبذ والإهمال والتدليل والحماية الزائدة تلعب دوراً كبيراً في سوء توافق الزوجين مما يؤدي إلى قلقهما واضطرابهما النفسي والاجتماعي وفي الواقع هناك أساليب غير سوية تمارس في تنشئة الأبناء، وأغلب تلك الأساليب تتمثل في الإهمال، والتسلط، واختلاف المعاملة الوالدية، والقسوة، والعقاب، والنصح، والتدليل. مؤثرات التنشئة وأشار د. العجلان إلى أن الإنسان في أخلاقه وسلوكه وتفكيره صورة عن البيئة الذي يعيش فيها والمحيط الاجتماعي الذي تربى فيه فإذا كانت البيئة الاجتماعية التي عاش فيها الإنسان يسود فيها مبادئ سلوكية سليمة مستمدة من الدين الحنيف والعقل الرشيد فان عملية التنشئة تكون سليمة وبقدر ما تكون المبادئ والأسس غير صالحة أو فاسدة بقدر ما تنعكس صورتها على تصرف وسلوك الانسان وتدلل بعض الدراسات إلى أن الأسر التي يحدث فيها عنف أسري غالباً مايكون بها اختلال وظيفي مثل القلق الأسري والاضطرابات الزوجية وسوء التكيف وإهانة وضرب الأطفال كما أن توتر العلاقات داخل الأسرة ينعكس على جميع الأطفال في الأسرة، وليس على المشاركين في النزاع فقط. تأثيرات الأسرة ولفت إلى أن بعض الدراسات أظهرت أن الأفراد الذين يعيشون داخل أسر يسودها العنف أكثر قابلية أن يكونوا عدوانيين في تصرفاتهم والأزواج الذين يشبون في أسر يسودها العنف يكون احتمال ضربهم لزوجاتهم عشرة أضعاف الرجال الذين يشبون في أسر لا يسودها العنف Nonviolent Families ولفت إلى أن نظرية التعلم تقودنا إلى ضرورة تشخيص العلاج للعنف الأسري قبل وضع الحلول والتدابير والسياسات العامة وَمن ذلكَ أن العنف الأسري يتم تعلمه داخل الأسرة والمدرسة ومن وسائل الإعلام، والعديد من الأفعال الأبوية العنيفة تبدأ كمحاولة للتأديب والتهذيب، والعلاقة المتبادلة بين الآباء والأبناء، والخبرات التي يمر بها الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، تشكل شخصية الفرد عند البلوغ لذلك فإن سلوك العنف ينتقل عبر الأجيال، وإن إساءة معاملة الطفل يؤدي إلى سلوك عدواني تبدأ بذوره في حياته المبكرة ويستمر في علاقته مع أصدقائه وإخوته، وبعد ذلك مع والديه ومدرسيه وأسرة المستقبل، وهناك عدد من استراتيجيات التدخل العلاجي الأسري للحالات التي تتعرض للعنف منها الاستراتيجية الإعلامية والتي تهدف إلى زيادة وعي أفراد المجتمع وأفراد الأسرة والوالدين، كما تشمل هذه الاستراتيجية القيام بالرسائل الإعلامية التوجيهية والإرشادية التي تبين خطورة وحجم الظاهرة وتأثيرها السلبي. وأشار إلى أن تلك الاستراتيجية تشمل بعض الخطوات للحالات التي تتعرض للعنف كخدمات التدخل السريع وخدمات الرعاية الصحية وخدمات الرعاية النفسية. الحماية القانونية وفي إطار الحماية القانونية من العنف الأسري قال د. سليمان العجاجي-وكيل معهد الدراسات والخدمات الاستشارية بجامعة القصيم-، بأنه يجدر بالمنظم أن يتخذ تدابير وقائية للحد من جرائم العنف الأسري قبل وقوعه من باب السياسة الجنائية، وتطبيقاً لقاعدة الدفع أولى من الرفع ؛ فاللجوء إلى القانون لاستيفاء الحقوق الأسرية قد يكون سبباً لانعدام الثقة، وتفكك الروابط الأسرية، فالأصل أن يُصار إليه عند استيفاء الوسائل البديلة لإيقاف العنف الأسري كدوائر الصلح والتحكيم، واللجان المتخصصة بالشأن الأسري في الجمعيات الخيرية، ويضيف بأن الإحصائيات التي تنشرها الجهات ذات الاختصاص كوزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية، وهيئات حقوق الإنسان المتعلقة بقضايا العنف الأسري تكشف ضرورة تدخل المنظم ممثلاً بالجهات التشريعية لسن الأنظمة ذات القواعد الآمرة التي تسهم في الحد من قضايا العنف الأسري؛ كون الأسرة تمثل نواة المجتمع السعودي كما نصت عليها المادة التاسعة من النظام الأساسي للحكم والتي جاء فيها: " الأسرة هي نواة المجتمع السعودي " فأي تهديد لها يشكل تهديداً للمجتمع . وأشار د. العجاجي، بأن نظام الحماية من الإيذاء أتى لمعالجة الفراغ التشريعي تجاه جرائم العنف التي تسجل تزايداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة دون وجود النص التجريمي الذي يتناول الحماية الجنائية للأسرة سوى ما يطبقه القضاة من نصوص القواعد العامة في التشريع الإسلامي للتجريم والعقاب، وفي هذا المقام يمكن التطرق لنظام الحماية من الإيذاء من خلال قراءة نقدية سريعة تتمثل في أن النظام اشتمل على عموميات في جانب التجريم ولم يفصل فيها ولو على سبيل المثال كما في نص المادة الحادية عشرة منه، فلو أن المنظم عدد بعض الجرائم الكبيرة المتعلقة بالعنف كالعضل والضرب المبرح أوالاستيلاء على المال دون وجه حق أو التهديد بالسلاح أو الاحتجاز لكان أقوى في جانب الردع، وبالانتقال إلى الفقرة الأولى من المادة الرابعة نجدها نصت على عدم قبول البلاغات من مجهولي الهوية ليقف هذا الإجراء عثرة أمام من يتحفظ عن الإفصاح بالاسم لاعتبارات اجتماعية، كما يتبين خلو نصوص نظام الحماية من الإيذاء من تجريم الإيذاء المالي للطرف الأضعف في معادلة العنف الأسري، إضافة إلى إسناد صلاحية الحكم بتسليم الولد لوالده الآخر لوحدة الحماية الاجتماعية. دوائر التبليغ عن العنف أما من الناحية الإجرائية لتقديم البلاغات المتعلقة بالعنف الأسري أشار د. العجاجي إلى أن المنظم السعودي وسع دائرة الاختصاص ليتمكن المعنف من التبليغ في أي مكان من خلال الجهات التالية مركز تلقي البلاغات على الرقم المجاني (1919) التابع للإدارة العامة للحماية الاجتماعية، ولجان الحماية الاجتماعية بالمناطق، وإمارات المناطق، وبرنامج الأمان الأسري الوطني، والمستشفيات الحكومية والأهلية، وأقسام الشرط، والمؤسسات التعليمية، وهيئة حقوق الإنسان، الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. وقال: إذا نظرنا للجهات المختصة بتلقي البلاغات نجد بعضها من الجهات التنفيذية، وبعضها جهات شبه قضائية، والبعض الآخر جهات خدمية، مما يزيد معه حاجة المنظم السعودي لترتيب المسؤوليات بين الجهات لتحاشي تنازع الاختصاص سواء لجهات تلقي البلاغات أو لرجال الضبط الجنائي، ويمكن ضبطه بلائحة إجرائية منظمة لرصد قضايا العنف. كما أشارت سارة علي إلى أن العنف الأسري بات منتشراً في الآونة الأخيرة في مجتمعنا بحيث يجعلنا نستنكر أن يحدث هذا الأمر في بلاد الحرمين ومهبط الوحي، حتى أصبح يجر معه الكثير من الأشخاص المحيطين به، كقنبلة موقوتة بعثرت مساحة كبيرة من المكان الذي زرعت فيه، فعندما يكون الأب مدمناً فالمتوقع والأكيد سيطال هذا الضرر الكثير من الأشخاص حوله مروراً بالزوجة التي وضعتها الظروف في هذا المكان الذي تفوح منه رائحة الألم والخراب وقد تتطاول شظايا هذا الإدمان إلى الأطفال الذين لا ذنب لهم إلا إنهم وجدوا انفسهم بين أبوين أحدهما يتعاطى المخدرات، والآخر متحمل الإهانة والضرب كي تستمر الأسرة إلى آخر رمق، ولكن ما نراه في هذا الموضوع إن الأذى تعدى الزوجة والأبناء لينحدر أحياناً إلى الأب ذلك الرجل المسن الذي لم يكن ينتظر من ولده إلا الجزاء الحسن ولكنه بعد كل هذه السنوات يفاجأ بأن ابنه يعتدي عليه بالضرب كما يضرب الأب الابن ليؤدبه. وأشارت إلى أنها ومن خلال حديثها مع إحدى السيدات المعنفات تحت وطأة العنف الأسري نتيجة تعاطي الزوج للمخدرات وهو أحد أهم الأسباب الرئيسية للعنف الأسري، تقول صدمتني تلك السيدة حينما روت لي قصتها فأخبرتني بمشوار زوجها مع تعاطي المخدرات وكيف تجرد من مشاعر الأخلاق ليتحول إلى وحش لا يهتم إلا بما يسكن ألم هذا السم في جسده حتى لو يضطر إلى ضرب الأم وأخذ ما يريد منها، وعندما لم يعد يجد عندها ضالته بدأ في ضرب والديه ومن حوله غير آبهٍ بالعقوق وما يترتب عليه من غضب الرب، فأي كبيرة اقترفها وأي سم دمر عقله وجعله لا يدرك أفعاله. وتقول: تعرفت من تلك السيدة عن فترة تعاطي زوجها للمخدرات وهل كان سيئاً معهم قبل التعاطي وما سبب تعاطيه لهذا السم فأخبرتني والدموع في عينيها: زوجي لم يكن هكذا ولكن رفقاء السوء هم من دفعوه إلى الإدمان وإلى تعاطي هذا السم، فزوجي برغم من تعاطيه للمخدرات إلا إنه لم يكن يترك الصلاة حتى صلاة الضحى كان يصليها، هنا أصابني الذهول كيف استطاع أن يحافظ على الصلاة بالرغم من هذا الإدمان، لماذا لم تنه الصلاة عن الفحشاء والمنكر، لماذا لم تردعه عن فعل الخطأ، فأدركت إن البيئة المحيطة بنا لها دور في تغيير بذرة الخير داخلنا. وتضيف سارا خلال حواري مع تلك السيدة لم يخطر على بالي إنها لم تتجاوز الأربعين من العمر أو إنها دخلت مدارس، فقد لعبت فيها الظروف وجعلتها أكبر من سنها بعشرات السنين، بل لوهلة خطر في بالي إنها قد تكون من سن والدتي ولكن تفاجأت بعد نصف ساعة من الحوار إنها متخرجة من الكلية بمعدل جيد جدا مرتفع، وأصبحت أم لثلاث ابناء أكبرهم في خامس ابتدائي وزوجة لرجل مدمن لقد نبت لأحلامها ريش وطارت قبل أن ينبلج ضوء النهار، إلا أنها وبالرغم من هذه الحالة حاولت مساعدة زوجها لإخراجه من كبوته حيث أخذته إلى عدد من المصحات وباعت كل ما تملك لكي تنقذه وتنقذ بيتها من التفكك، ومع هذه الرحلة الطويلة من المعاناة تعافى، لكنها لا تخفي مخاوفها من أن يعود إلى تعاطي المخدرات والعودة إلى دوامة الألم والمعاناة نتيجة كونه عاطلا عن العمل وهي أيضاً بدون وظيفة ووالديه لم يعودا يملكان المال كالسابق، ولذلك تبدي مخاوفها بأن يدفعه الفراغ إلى العودة إلى هذا الطريق الموحش. ومن هنا تؤكد الباحثة سارا علي، بأن الفراغ من الممكن أن يؤدي بمثل هذا الشخص إلى الانضمام لعناصر غير صالحة في المجتمع وتدفع به إلى اقتراف الجرائم بأنواعها وفي مقدمتها تعاطي المخدرات التي تحرف مسار أي شخص إلى الهاوية ليكون أداة في يد الأعداء او قاتلا ينفذ مخططاتهم تجاه الوطن والمجتمع. الضبط الاجتماعي وسبل معالجة الظاهرة أكد د. أحمد العجلان أن هناك عدداً من السياسات العامة والمهمة التي تهدف إلى حماية الأسرة من العنف، ومن أهمها: إنشاء محاكم أسرية تختص بشؤون الأسرة، وبذل عناية خاصة ببرامج تنمية الأسرة ورعايتها لإشباع حاجة أبنائها الاجتماعية والتربوية والثقافية والترويحية، والتأكيد على التوجيه والإرشاد الاجتماعي والأنشطة الوقائية للحد من انتشار المشكلات والسلوكيات الاجتماعية السالبة، وإنشاء وحدات اجتماعية ميدانية، وتدعيمها بالباحثات، ودعم الجهود الرامية إلى الوقاية من العوامل المسببة للتفكك الأسري، وتوعية الأسرة وإرشادها بدورها الفعال في تنشئة أبنائها، ومساعدتها في حل ما قد يعترض مسيرتها من مشكلات اجتماعية، وإصدار النشرات التوجيهية الإرشادية للإعلام عن الأساليب التربوية الصحيحة، ووضع برامج لتدريب الممارسين على كيفية التعامل مع حالات الإيذاء، إضافة إلى تفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين في التعامل مع حالات العنف ضد الأطفال، وتدريب العاملين في المؤسسات الصحية والاجتماعية على اكتشاف حالات العنف، وقيام الأسرة بوظيفتها المرتبطة بعملية الضبط الاجتماعي، إلى جانب قيام الأسرة بأداء رسالتها العظيمة في التنشئة الأسرية والاجتماعية بترسيخ القيم الأخلاقية لدى افرادها، وشرط وجود القدوة الصالحة من الأبوين والمحيطين بالأسرة. وشدد على ان الدور الكبير يقع على المؤسسات الاجتماعية والأمنية والإعلامية والقضائية في التصدي لظاهرة العنف فينبغي على المؤسسات الاجتماعية خاصة أخذ زمام المبادرة في مجال الحماية الاجتماعية، والمؤسسات الأمنية في الإبلاغ عن الحالات، كما أن على المؤسسات الإعلامية دور في زيادة الوعي وتنمية الحس الاجتماعي حول الموضوع، والمؤسسات القضائية في الدفاع عن المعنفين أصحاب القضية. أسباب العنف الأسري أوضح د. دخيل البهدل أن أسباب انتشار ظاهرة العنف الأسري تعود إلى عدة عوامل رئيسية منها "التربية الخاطئة" وهي التنشئة التي يتلقاها الفرد منذ صغره التي تصور له فعل العنف كأنه أمر طبيعي، فالكثير من الأشياء تغرس في النفوس منذ الصغر مثل أن الرجل هو من لا يخنع لزوجته، وأن ضرب الزوجة هو إصلاح لها، أو أنه يرتبط بالرجولة وفرض الهيبة ويجعلها أكثر احتراما له، وثاني الأسباب هي "العوامل النفسية"، وهي تفريغ الانفعالات النفسية لدى الشخص القائم بسلوك العنف نتيجة ما يلاقيه من ضغوط في حياته اليومية، والشعور بالغيرة العمياء تجاه الزوجة، مثلاً، وغيرها من الأسباب التي يغلب عليها الطابع النفسي كالشخصية "السيكوباتية" وهي ما يعرف بحالة التخلق النفسي أو الروحي، وثالث الأسباب"العوامل الاقتصادية" التي ساهمت أيضاً في تفشي العنف الأسري بالمجتمع كالفقر والبطالة فضلا عن انتشار مظاهر الحياة المادية مما نتج عن هذا التحول العولمة التي اجتاحت العالم وواجهت بعض الأسر غير القادرة على مجاراة هذا التحول، مما يدفع إلى استخدام العنف تفريغاً لشحنة الخيبة والفقر نتيجة استمرار الضغط الاقتصادي وتواتره على الأسرة، وكذلك "الانحرافات الأخلاقية" مثل شرب الخمور والمسكرات مما يؤجج الخلافات العائلية واللجوء للعنف ضد أفراد الأسرة، وخامس الأسباب هي "وسائل الإعلام المختلفة" وخاصة المرئية منها بما تقدمه من مشاهد تشجع على العنف كالأفلام العنيفة التي تدفع بالزوج إلى تطبيق ما يشاهده على أفراد أسرته.
مشاركة :