قراءة في رواية «.. حضرة العنقاء والخل الوفي» للروائي إسماعيل فهد

  • 10/3/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«قال عنك منسي: يستحق وساما لا أن يُزج به في السجن». هذه الجملة المنطلقة من فم القاضي صالح الفهد ربما هي محور الأزمة التي تدور حولها رواية (في حضرة العنقاء والخل الوفي) للروائي إسماعيل فهد إسماعيل الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون عام 2013م. وهي الرواية الخامسة والعشرون من إنتاج هذا الروائي الكويتي. تنفتح رواية (في حضرة العنقاء والخل الوفي)، التي تتطرق إلى أزمة البدون، على شخصية من الشخصيات التي ما زالت تعقيداتها متواصلة إلى الآن، وتعاني من متعلقات هذه الأزمة التي تبحث عن مخرج. فالرواية التي تسرد حياة منسي من ولادته؛ هي حياة ذات شجون يتفجر الأسى من جوانبها، ويكفي تلك الجملة التي أطلقها القاضي لتحدث فينا انقلابا وتأثيرا في مستوى التفكير، ويكفي أن نقف قليلا على عتبة اسم هذه الشخصية لنعرف الظلال الملونة بالألم وهي تحيط بهذا النسيان؛ فهو منسي ومهمّش في أرض يجهد من أجلها، ويساهم في الدفاع عنها في أحلك أوقات الأزمات. هنا تكمن العجائب، حينما يغدو من زرع أشجار الوفاء والمحبة في حياته هو منْ تنهال عليه الكوارث والمصائب، حيث سلب الحق في حياة كريمة، بينما شخوص أخرى يحكمها الجشع والطمع يلوثون الأرض بقلوبهم وأفكارهم السوداء، ويتمتعون بكافة الحقوق، فالرواية لا تعرف الصمت، ولا تعرف الرضوخ، وإنما هي شعلة تضيء الأماكن المعتمة في هذا العالم الممتزج والمحبك بخيوط التناقض. رواية (في حضرة العنقاء...) لا تبتعد كثيرا عن شخصية منسي، وكأنها تخاطبه: بأنك رغم هامشيتك واستلابك ما زلت تزرع بذور الحب والعطاء لأرضك، هي تجافيك، وتقسو عليك، لكنك تمد يدك المكلومة بالألم لتجد في راحة كفك قوس الحب والعطاء. شخصية (منسي) الذي يعاني منذ طفولته، كان محاطا بمرض أمه، وقد فقد أباه وهو صغير، لذلك اشتهر بلقب (ابن أبيه) بين شخصيات فنية اعتنوا به وقدّروا قيمته، واستطاعوا بإنسانيتهم أن يأخذوا بيد هذا الشاب الذي يعاني مرارة الحياة من طفولته، وكأن هذا المعنى له دلالة أن الفن هو انفتاح على المهمشين، فالفن ليس مشاهدا تمثّل أو كائنات ورقية باهتة، إنما هو تحريك لمشاعر الإنسان بكافة أطيافه، الفن رسالة الإنسان فلا يعرف لغة السياسة الجائرة، ولا يصمت أمام جبروت الحالات الاجتماعية السائدة، بل يكون في مواجهة معها دائما، لذلك يلتف الفنانون حول منسي، ويشعرون به، ويقومون بإنقاذه من قسوة الشخصيات القريبة منه. (منسي) يشعر بالاغتراب في وطنه، يشعر بالتهميش وبأنه منسي، لذلك لا يفكر في ذاته، بل هو دائما مصدر انطلاق وإغداق، ويتضح دور (منسي) من خلال الأزمة التي أصابت الكويت من خلال غزو العراق، هنا تأتي الفترة التاريخية في الرواية ليست كسرد التاريخ، بل اتكأ عليها الروائي في روايته ليصور لنا الدور الذي قام به (منسي) في تلك الفترة المتأزمة، حيث طوّع قلمه وفنه وإبداعه لما يخدم وطنه، هو (منسي) ساهم في عملية التحرير، فهو الذي كان يحمل سلاح المقاومة بالكلمة، لذلك فإنه لم يجبن أو يتراجع بسبب الانتهاك الذي حصل معه، لم يتذكر موقف موظف الجوازات وهو يأخذ جوازه ويلقي بإهانته في وجهه، بل قاوم وجابه النظرات والآراء التي تقول إن فئة البدون فرحون بذلك الغزو، والتي انطلقت من أقرب الناس وهي زوجته. ربما لو كان هناك شخص آخر في ظل أزمة وطنه، وأزمته داخل بيته بعد ترك زوجته له بعد أن مررت أهدافها عن طريقه، وحققت ولادة بنت عن طريق الزواج به. لقد جعلت من (منسي) نقطة عبور الحلم التي تريد تحقيقه، فاستغلت هذه الشخصية! وهذه واقعة وحدث رئيس في قمة الاضطهاد حينما تمارسه عليك امرأة كانت مستغلة استغلالا بشعا من أخيها، وهذه المرأة التي مورس عليها الاضطهاد تعود لتمارس الفعل الاضطهادي نحو هذا المنسي. أليس يدل هذا على مقدار التهميش الذي طاله، لا سيما أننا نلاحظ صمته إزاء ما يحصل له؟ لكن، رغم هذه الظروف إلا أنه ظل ينافح عن وطنه، لذلك كانت هذه السنوات المريرة التي اتكأ عليها الروائي من أجل إضاءة الأزمة، ولم تكن سردا تاريخيا فقط. هذه الرواية اعتمدت على خطين من الشخصيات متضادين: منسي وسعود، ولا تتلاشى هذه شخصية سعود في الرواية، بل تكون حاضرة بأفعالها وأقوالها وعالمها، هذه الشخصية التي تمارس التسلط والعنف والطمع، هي الشخصية المضادة لـ (سعود)، وقد حضرت لتمثل المفارقة في الواقع، وكأن الراوي أحضرها ليضيء لنا شخصية منسي، فمن خلال تصوير والتقاط جزئيات من حياة (سعود) نعرف أن المجتمع والوضع الراهن في الرواية كان قاسيا وطاغيا لـ (منسي)، حتى هذه الأزمة لم تستطع التقدم بالمجتمع إلى الأمام، بل ما زالت تمارس نفس العادات والممارسات الاجتماعية الخانقة. فالغزو لم تنتج عنه مساءلة الواقع، بل استمر على قوانينه الاجتماعية. وتبقى رواية شاهدة على حياة شخصية فنانة مثابرة، ورواية طرقت الحب في أولها واستطاعت بما تحمله من حرارة العاطفة واللغة الجميلة المشوقة أن تجذب القارئ إلى معترك العقدة والأزمة فيما بعد، وطرقت مواضيع شتى، وصورت الإنسان بجانبيه، وصورت بعض التقاليد والأعراف التي عصفت بالوطن، وكذلك الفترة القاسية التي تعرضت لها هذه الأرض، لم تستطع التغيير في نمط التفكير نحو هؤلاء الفئة، كما أنها لم تستطع أن تحل أزمة البدون.

مشاركة :