قضيتنا الفلسطينية.. والعودة للمربع الأول

  • 5/30/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬أطفالا،‭ ‬كانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تشغل‭ ‬حيزًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬وجداننا،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬نتفاعل‭ ‬معها‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬فعندما‭ ‬تحدث‭ ‬مناوشات‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬كنا‭ ‬نقف‭ ‬كلنا‭ -‬كعرب‭- ‬صفًا‭ ‬واحدًا‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نختلف،‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬خندق‭ ‬واحد،‭ ‬لا‭ ‬آراء‭ ‬مختلفة‭ ‬ولا‭ ‬آراء‭ ‬متناقضة‭.‬ في‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬بدأنا‭ ‬نسمع‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التذمر‭ ‬ونوعًا‭ ‬من‭ ‬اللامبالاة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬ذكر‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬مسامعنا‭ ‬وأثناء‭ ‬تجمعنا‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬فنسمع‭ ‬البعض‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬لماذا‭ ‬نربط‭ ‬حياتنا‭ ‬بفلسطين؟‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬لسنا‭ ‬معنيين‭ ‬بفلسطين‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬يواجهون‭ ‬بردود‭ ‬فعل‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬بقية‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬قلوبهم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭.‬ واليوم‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ (‬رمضان‭ ‬2021‭) ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬المعترضين‭ ‬والمتذمرين‭ ‬أصبحت‭ ‬أصواتهم‭ ‬عالية‭ ‬وطبولهم‭ ‬منتفخة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬متابعتنا‭ ‬للأحداث‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فئة‭ ‬غير‭ ‬قليلة‭ ‬تعترض‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬موقعها‭ ‬الحالي،‭ ‬فهم‭ ‬ينادون‭ -‬وربما‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬حاليًا‭- ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وذلك‭ ‬ببعض‭ ‬الادعاءات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬حقيقية،‭ ‬وربما‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬والادعاءات،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬إن‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬ليست‭ ‬قضيتي‮»‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬متى‭ ‬نحارب‭ ‬ونقف‭ ‬مع‭ ‬فلسطين؟‮»‬،‭ ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تعطي‭ ‬مؤشرًا‭ ‬أحمر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقفة‭ ‬تأمل‭ ‬وتفكير‭.‬ وجدنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬انقسمت‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬فئات‭ ‬تجاه‭ ‬القضية؛‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬مع‭ (‬حماس‭) ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬الفصيل‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬الدفاع‭ ‬وإعادة‭ ‬فلسطين،‭ ‬وفئة‭ ‬أخرى‭ ‬تخوّن‭ (‬حماس‭) ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬فإيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬ساكتًا‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬يؤيد‭ ‬ومن‭ ‬يعارض،‭ ‬وفئة‭ ‬رابعة‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬انتماء‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬فصيل،‭ ‬وفئة‭ ‬أخيرة‭ ‬ظهرت‭ ‬وخاصة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬وهي‭ ‬الفئة‭ ‬اللامبالية،‭ ‬وحتى‭ ‬بعدما‭ ‬تنادي‭ ‬الناس‭ ‬بمقاطعة‭ ‬بعض‭ ‬المنتجات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قالوا‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬يعني؟‭ ‬لماذا‭ ‬نقاطع‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات؟‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬من؟‮»‬،‭ ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭.‬ عند‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬وهؤلاء‭ ‬تحولت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬إسلامية‭ ‬عربية‭ ‬عامة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ (‬حي‭ ‬الشيخ‭ ‬جراح‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الحي‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬القرية‭ ‬المقدسية‭ ‬تتبع‭ ‬لمحافظة‭ ‬القدس،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الشرقي‭ ‬لمدينة‭ ‬القدس،‭ ‬وتقدّر‭ ‬مساحتها‭ ‬بحوالي‭ ‬808‭ ‬دونمات،‭ ‬ويقدر‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬بـ2800‭ ‬نسمة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وإن‭ ‬زادت‭ ‬الأمور‭ ‬قليلاً‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬تلك‭ ‬المساحة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحاصرة‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬فقط،‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والظلم‭.‬ هذا‭ ‬التحول،‭ ‬وهذا‭ ‬التغير‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬وليلة،‭ ‬وإنما‭ ‬استغرق‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬وسنوات‭ ‬من‭ ‬زرع‭ ‬فكرة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬وخاصة‭ ‬الأجيال‭ ‬الصغيرة‭ ‬والشباب‭ ‬ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفئة‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعيشوا‭ ‬القضية‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬فقد‭ ‬زُرعت‭ ‬في‭ ‬عقولهم‭ ‬بذرة‭ ‬الإحباط‭ ‬واليأس،‭ ‬بذرة‭ ‬عدم‭ ‬جدوى‭ ‬المناداة‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لأنهم‭ ‬تارة‭ ‬يقولون‭ ‬لنا‭ ‬إنها‭ ‬مضيعة‭ ‬وقت،‭ ‬وتارة‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُغلب،‭ ‬وتارة‭ ‬بحجة‭ ‬التعايش‭ ‬والسلام،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬تخرج‭ ‬لنا‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬ببعض‭ ‬المسميات‭ ‬لترش‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬على‭ ‬البذور‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الرؤوس‭ ‬حتى‭ ‬تنمو‭ ‬وتكبر،‭ ‬وكلما‭ ‬كبرت‭ ‬الشجرة‭ ‬تصدع‭ ‬المخ‭ ‬وانكسرت‭ ‬الرؤوس‭ ‬وامتدت‭ ‬الشجرة‭ ‬بظلالها‭ ‬وتناثرت‭ ‬بذورها‭ ‬لتقع‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الرؤوس‭ ‬الأخرى‭ ‬لتعيد‭ ‬الكرة‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فمن‭ ‬فعل‭ ‬ذلك؟‭ ‬وكيف‭ ‬بدأت‭ ‬الفكرة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬تستمر؟ ونحن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬نتبنى‭ ‬ولا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ (‬Conspiracy‭ ‬theory‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬نرجو‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مخطئين‭ ‬في‭ ‬فكرتنا‭ ‬ووجهة‭ ‬نظرنا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬نظرية‭ ‬غربية‭ ‬وليست‭ ‬عربية‭ ‬الأصل،‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العربية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أمر‭ ‬يدعونا‭ ‬لإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬ونسأل‭ ‬أنفسنا‭: ‬لماذا‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬وبهذه‭ ‬الطريقة؟ القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليست‭ ‬قضية‭ ‬قرية‭ ‬أو‭ ‬مدينة‭ ‬أو‭ ‬بلد،‭ ‬وإنما‭ ‬قضية‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬فتلك‭ ‬الأرض‭ ‬مباركة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وطأتها‭ ‬قدما‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الإسراء‭ ‬والمعراج،‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الإسراء‭ ‬–‭ ‬الآية‭ ‬1‭ (‬سُبْحَانَ‭ ‬الذِي‭ ‬أَسْرَى‭ ‬بِعَبْدِهِ‭ ‬لَيْلاً‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمَسْجِدِ‭ ‬الْحَرَامِ‭ ‬إلى‭ ‬الْمَسْجِدِ‭ ‬الأَقْصَى‭ ‬الذِي‭ ‬بَارَكْنَا‭ ‬حَوْلَهُ‭ ‬لِنُرِيَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬آَيَاتِنَا‭ ‬إِنَّهُ‭ ‬هُوَ‭ ‬السَّمِيعُ‭ ‬الْبَصِيرُ‭)‬،‭ ‬وربما‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬حينما‭ ‬كانت‭ ‬قبلة‭ ‬المسلمين‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬فهذه‭ ‬الأرض‭ ‬مباركة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬كمسلمين،‭ ‬وقد‭ ‬منحها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬للمسلمين‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬قبلتنا‭ ‬ومسرى‭ ‬رسولنا‭ ‬العظيم‭. ‬ وفي‭ ‬عهد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬وبقيادة‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬637‭ ‬ميلادية،‭ ‬قام‭ ‬البطريرك صفرونيوس بتسليم‭ ‬مفاتيح‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭ ‬للفاروق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكد‭ ‬توطيد‭ ‬أسلمة‭ ‬فلسطين‭ ‬كلها‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬والشام‭ ‬كله‭ ‬للحكومة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬والقدس‭ ‬وفلسطين‭ ‬والشام‭ ‬كلها‭ ‬دول‭ ‬إسلامية،‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬بحسب‭ ‬دينه‭ ‬وملته‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬اضطهاد‭ ‬أو‭ ‬إجبار‭ ‬لتغيير‭ ‬دينه‭ ‬أو‭ ‬ملته،‭ ‬ولم‭ ‬يشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬حالة‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الاضطهاد‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الإسلامية‭ ‬كلها،‭ ‬فكل‭ ‬تلك‭ ‬الملل‭ ‬كانت‭ ‬تخضع‭ ‬للوثيقة‭ ‬العمرية‭ ‬التي‭ ‬أعطاها‭ ‬لأهل‭ ‬إيليا،‭ ‬فظلت‭ ‬تلك‭ ‬الوثيقة‭ ‬سارية‭ ‬المفعول‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية في‭ ‬أواخر‮ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬عشر وعبر القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭. ‬فالحكومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عرّفت‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬بمكانة‭ ‬القدس‭ ‬في‮ ‬الإسلام،‭ ‬كما‭ ‬في‮ ‬المسيحية‮ ‬واليهودية،‭ ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬للقدس‭ ‬سُمح‭ ‬لليهود‭ ‬بزيارة‭ ‬وممارسة‭ ‬شعائرهم‭ ‬الدينية‭ ‬بحرية‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬طردهم‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة‭ ‬من‭ ‬قبل‮ ‬الرومان‭.‬ وللحقيقة‭ ‬والتاريخ‭ ‬فإن‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬هرتزل‭ ‬حاول‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المرات‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬وطنا‭ ‬قوميا‭ ‬سياسيا‭ ‬يجمع‭ ‬فيه‭ ‬اليهود،‭ ‬ففكر‭ ‬في‭ (‬موزمبيق‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ (‬الكونجو‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬رُشحت‭ ‬له‭ (‬الأرجنتين‭) ‬عام‭ ‬1897‭ ‬و‭(‬قبرص‭) ‬عام‭ ‬1901،‭ ‬و‭(‬سيناء‭) ‬في‭ ‬1902،‭ ‬ثم‭ (‬أوغندا‭) ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬1903‭ ‬وذلك‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اقتراح‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذهبت‭ ‬كل‭ ‬محاولاته‭ ‬سدى‭ ‬وأصيب‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬كبيرة؛‭ ‬لأن‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬العالم‭ -‬آنذاك‭- ‬لم‭ ‬ترق‭ ‬لهم‭ ‬فكرة‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬يهودية‭ ‬سياسية؛‭ ‬سواء‭ ‬لأسباب‭ ‬آيديولوجية،‭ ‬أو‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬عديمي‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬النزوح‭ ‬عن‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬استقروا‭ ‬فيها؛‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مؤتمر‭ ‬الحاخامات‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فيلادلفيا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬أصدر‭ ‬بيانًا‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الرسالة‭ ‬الروحية‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬اليهود‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬إقامة‭ ‬وحدة‭ ‬سياسية‭ ‬يهودية‭ ‬منفصلة‮»‬،‭ ‬وإزاء‭ ‬هذا‭ ‬فكر‭ ‬هرتزل‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى‭ ‬يواجه‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬وهداه‭ ‬تفكيره‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬الموضوع‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬دينية‭ ‬يلهب‭ ‬بها‭ ‬عواطف‭ ‬جماهير‭ ‬اليهود،‭ ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬المكان‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يناسب‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬الجديدة،‭ ‬ولليهود‭ ‬بفلسطين‭ ‬علائق‭ ‬تاريخية،‭ ‬ولهم‭ ‬فيها‭ ‬مقدسات‭ ‬دينية،‭ ‬فارتفعت‭ ‬راية‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬سارية‭ ‬المشروع‭ ‬والتهبت‭ ‬العواطف،‭ ‬وانتصر‭ ‬رأي‭ ‬‮«‬هرتزل‮»‬‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بعد‭ ‬وفاته،‭ ‬فقد‭ ‬احتضن‭ ‬المؤتمر‭ ‬اليهودي‭ ‬العالمي‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1905،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬بسنة‭.‬ وكان‭ ‬العائق‭ ‬الوحيد‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬هو‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني،‭ ‬فعرضت‭ ‬عليه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬والهدايا‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يرغب‭ ‬فيه،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬‮«‬انصحوا‭ ‬هرتزل‭ ‬ألا‭ ‬يتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬جديدة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أتنازل‭ ‬عن‭ ‬شبر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬ملكي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ملك‭ ‬شعبي،‭ ‬وقاتل‭ ‬أسلافي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬ورووها‭ ‬بدمائهم،‭ ‬فليحتفظ‭ ‬اليهود‭ ‬بملايينهم،‭ ‬إذا‭ ‬مزقت‭ ‬دولتي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقابل،‭ ‬ولكن‭ ‬لزم‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬التمزيق‭ ‬أولا‭ ‬في‭ ‬جثتنا‮»‬‭.‬ والتاريخ‭ ‬يقول‭ ‬أيضًا‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬نوفمبر‭ ‬1917‭ ‬قدم‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬بريطانيا‭ ‬آنذاك‭ (‬آرثر‭ ‬جيمس‭ ‬بلفور‭) ‬وعدًا‭ ‬بإقامة‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬كتبت‭ ‬على‭ ‬ورقة‭ ‬تحوي‭ ‬67‭ ‬كلمة‭ ‬فقط،‭ ‬وكأنه‭ ‬عندما‭ ‬وعد‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬فلسطين‭ ‬حينئذ،‭ ‬فهو‭ ‬يعلم‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬مستعمرة‭ ‬لفلسطين‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬وأن‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬كانوا‭ ‬يفدون‭ ‬هذا‭ ‬القطر‭ ‬بأرواحهم‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬نسبة‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتجاوز‭ ‬5‭%‬‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬السكان،‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬جاءهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬فلسطين؟ واليوم‭ ‬نختلف‭ ‬كعرب،‭ ‬هل‭ ‬نقف‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أم‭ ‬نختلف‭ ‬لأن‭ ‬الفصيل‭ ‬الفلاني‭ ‬يحارب‭ ‬هنا‭ ‬والفصيل‭ ‬الآخر‭ ‬يحارب‭ ‬هناك،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬هؤلاء‭ ‬ولا‭ ‬هؤلاء؟ القضية‭ ‬ليست‭ ‬حبا‭ ‬ولا‭ ‬كراهية،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬إسلامية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬الصميم،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬المربع‭ ‬الأول‭ ‬حتى‭ ‬نعيد‭ ‬جمع‭ ‬شتاتنا؟‭ ‬ هل‭ ‬وصلت‭ ‬الفكرة‭ ‬يا‭ ‬عرب؟   Zkhunji@hotmail‭.‬com

مشاركة :