إذا كانت التقاليد الطبية تفرض على المريض الذي تلتقط له صور أشعة ملونة أن يجوع لبعض الوقت. فإن من يصدرون التقارير عن أحوالنا عليهم أن يسعوا إلى ترسيخ تقاليد مماثلة، لا يكون فيها الامتناع عن الطعام والشراب، بل عن الثرثرة التي تسبق النتائج. فالسرعة في التوصيف لما آل إليه الواقع العربي سياسياً وثقافياً بالتحديد أشد خطورة من توصيف مرض جسدي من خلال أعراض طارئة، ونحن على ما يبدو نعيش فترة بلغ الاضطراب فيها حداً ينذر بخلط حابل العلم بنابل الكلام المرسل، خصوصاً حين تتعلق المسألة بالتخلف والتقدم والفقر والغنى، وسائر هذه الثنائيات التي غالباً ما ينتج أحدها الآخر، إذا فهمنا جدلية العلاقة بينها! ونحن لا نطالب من يكتبون بإسهاب عن أحوالنا أن يصوموا عن الطعام أو يطالبونا بذلك كي تسهل مهمتهم التوصيفية، لكننا نطالبهم بالتريث وعقد المقارنات الدقيقة بالأرقام والبعد ما أمكن عن مفردات من طراز بعض ومعظم، لأنها مبهمة. وتشير إلى نسب مئوية غامضة. فهناك تقارير عن التنمية بمختلف مجالاتها تتوقف عند توصيف المشهد العربي قبل عدة أعوام، وثمة من يتعاملون مع إحصاءاتها واستقصاءاتها كمرجعيات طازجة وراهنة، رغم أننا نعيش زمناً تتسارع فيه الأحداث. وما قاله هيراقليطس عن ماء النهر الذي لا يعبر مرتين يليق بهذا العصر الذي يتغير بين دقيقة وأخرى. وإذا كانت التوصيفات مجرد أداء واجب فما أسهل ذلك، إذ يكفي حشد شائعات وآراء متداولة لتحقيق الهدف لكن واقع الحال عكس هذا التسطيح، لأن الناتئ من جبل الجليد ليس سوى القليل منه إذا قورن بالغاطس في المحيط. فما يظهر على السطح من أمراض اجتماعية وثقافية وسيكولوجية ليس سوى أعراض، مما يتطلب الغوص إلى جذر الداء، وتحليل تربويات ومكونات نفسية واجتماعية هي المنظومة التي تتحكم في الأفراد وتشكل منسوب الوعي والانتماء لديهم! والمفارقة هي أن الأشعة الملونة وكل أشكال الكشف عن الواقع تتراكم قرب سرير المريض ويندر أن نجد بجوارها حبة دواء!
مشاركة :