من أفقر الشعراء في المال (أحمد الصافي النجفي) ولكنه من أكثرهم اعتداداً بنفسه وشعره فلم يتكسب بشعره أبداً في عصر كان المداحون فيه يعيشون في نعيم، وترجم (رباعيات الخيام) فنفدت الطبعة الأولى في أيام وطلب منه الناشر الاذن بطبعها من جديد لتعود عليه بمال وفير فرفض بشدة وقال: (سمعت ان الشباب يرددونها في الحانات والأخلاق أهم عندي من المال) ومع أنه تعلم الفارسية لأجلها وقضى في ترجمتها ثلاث سنوات من عمره إلاّ أنه استمر في رفضه لأي إعادة لطبعها مهما جاءت به من مال.. وقضى ثلاثين سنة من حياته في غرفة صغيرة حقيرة يكفيه من القوت ما يكفي الطفل، ولكنه استمر في إبداع الشعر الذي هو قوته الحقيقي كما يقول فأصدر عدداً من الدواوين (اللفحات)، (الأمواج)، (هواجس)، (الأغوار)، (ألحان اللهيب)، (شرر)، (التيار)، (حصاء السجن) وقد قضى فيه بضع سنين بسبب وطنيته، و(أشعة ملونة). لم يكن يهتم بجمال اللفظ أو تنويع الصور أو مراجعة الشعر لكنه كان صادقاً في شعره صادراً من أعماق قلبه، وقد كره الناس إلاّ قليلاً.. يقول في (الأشعة الملونة).. (عندي عيوب بنفسي سوف اظهرها لأن اخفاءها مكر وتدجيل والعيب يجدر ان يبدو ليعرفه كل الأنام فلا يعروه تضليل إني وان كنت لي جهل له صغرت نفسي فأجهل مني العصر والجيل يعوضه أنا في الدنيا وحين أرى بعض الورى فكأني بينهم فيل) ويرى في هذا الديوان ان أكثر الناس لا أخلاق لهم، بل يمتازون بالحسد والخداع والنفاق لذلك هجا هؤلاء فقال في نفس الديوان: (صفعتهم حتى برى صفعهم يدي ودستهم حتى غدا النعل باليا ركلتهم دهراً فأصبحت أعرجاً وألقمتهم نعلي فأصبحت حافياً)!
مشاركة :