بعد نحو 50 عاما من إلغاء العبودية التي استمرت قرنا في الولايات المتحدة، برز مجتمع أمريكي من أصل أفريقي مزدهر في تولسا بولاية أوكلاهوما، كواحة نادرة للازدهار لأحفاد العبيد السابقين داخل بلد لا يزال مكبلا بمآسي القتل خارج القانون والظلم العنصري. ولكن، في 31 مايو 1921، تم محو تولسا والسود فيها وتلك السنوات من النجاح الذي حققوه، في مذبحة على أيدي مجموعة من الغوغاء البيض الذين تم تكليفهم وتسليحهم من قبل مسؤولي المدينة، وهي مذبحة ظلت محاطة بالصمت لعقود. وبينما تستذكر الولايات المتحدة الذكرى المئوية لمذبحة تولسا العرقية، يوم الإثنين، تواجه البلاد حقيقة قاسية هي أنه في الفترة الطويلة لما بعد المذبحة، لم يتم تحقيق العدالة وما زال المجتمع الأمريكي - الأفريقي يعاني من التمييز العنصري في تطبيق القانون. "عمري 107 سنوات ولم أر العدالة قط ... أفكر في الإرهاب الذي يتعرض له السود في هذا البلد كل يوم". هذه الكلمات المؤلمة جاءت من أحد الناجين من مذبحة تولسا، في وقت مبكر من هذا الشهر خلال جلسة استماع في الكونغرس، وينبغي أن تجعل أولئك الذين يزعمون أنفسهم "المدافعين عن حقوق الإنسان" في واشنطن، يشعرون بالعار. غياب العدالة يأتي جزئيا من الاعتراف البطيء بالواقع الوحشي من قبل الأمة الأمريكية. معظم السجلات التاريخية تم تدميرها عمدا من أجل التستر، ووفقا لتقرير صادر عن صحيفة ((نيويورك تايمز)) في عام 2011، تم حذف كل ما يتعلق بالمذبحة إلى حد كبير، من سجلات التاريخ المحلية وعلى مستوى الولاية، والوطنية. ليس من الصعب تمييز الأسباب الكامنة وراء هذا التستر. فبينما لا تزال التفاصيل المتعلقة بالضحايا ومواقع الدفن، بعيدة المنال، فإن عامة الأمريكيين والعالم بأسره يدركون الآن الدور الذي لعبته السلطات المحلية ومسؤولو المدينة في إراقة الدماء التي استمرت ليومين والدمار البري والجوي لمنطقة سود كانت مزدهرة ذات يوم، وتعرف باسم "وول ستريت السود". الأمر المروع بالنسبة للكثيرين هو حقيقة أن السلطات المحلية لم تعزز قوة الغوغاء البيض المسلحين فحسب، ولكنها عمدت فيما بعد لاعتقال وحبس الآلاف من الأمريكيين الأفارقة الذين كانوا ضحايا المذبحة. وفقا لـ((هيومان رايتس ووتش))، فإن "عقودا من الرخاء للسود وملايين الدولارات من الثروات التي جمعوها بشق الأنفس، قد دُمّرت في ساعات، ولم تتم مساءلة أحد، ولم يتم دفع أي تعويض على الإطلاق". كانت مأساة تولسا ناجمة عن تهم اغتصاب ملفقة ضد شاب أمريكي من أصل أفريقي. بعد مائة عام من المجزرة، لا يزال نفس السؤال المتمحور حول سبب كون الأمريكيين من أصل أفريقي أهدافا سهلة للتمييز العنصري، يُثار وينطبق على وحشية الشرطة الحالية ضدهم. جاءت الذكرى المئوية لمذبحة تولسا بعد أيام فقط من الذكرى السنوية لقيام الشرطة بقتل جورج فلويد، الذي أثارت توسلاته القائلة "لا أستطيع التنفس" قبل موته، احتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وفي جميع أنحاء البلاد، يحدث المزيد من التمييز العنصري ضد الأمريكيين من أصول أفريقية؛ وإصلاحات الشرطة وصلت لطريق مسدود في الكونغرس؛ والسياسيون من كلا الحزبين يسعون لتحويل هذا القتل المدفوع بالعنصرية، إلى ذخيرة لشن هجمات حزبية. ينبغي على السياسيين الأمريكيين تحمل المسؤولية الأكبر عن فشلهم في جعل التغيرات المطلوبة بإلحاح، ممكنة. في هذه الأيام، النخب السياسية في واشنطن معتادة على تنظيم العروض السياسية أكثر من اتخاذ إجراءات معقولة وملموسة ضد السبب الجذري للعنصرية الممنهجة في البلاد. ومن أجل التماشي مع قواعدهم السياسية، حاول البعض التلاعب بالانقسام العرقي والخضوع لرغبات المتعصبين البيض. والبعض الآخر، فهم، باستثناء تشدقهم بمجرد الكلام لمعالجة عدم المساواة العرقية، يسعون لترسيخ الهيمنة الأمريكية أولا، وليس تحسين رفاهية الناس عموما. منذ فترة طويلة، كان ينبغي أن تكون مذبحة تولسا العرقية، صرخة تنبيه لأمريكا. ولكن، بدلا من ذلك، فإنها تشكل خطر التحول لحالة أخرى من تخدير العواطف في بلد له تاريخ مليء بالتمييز العرقي.
مشاركة :