استهجن البطريرك الماروني بشارة الراعي السجالات المتبادلة بين رئاسة الجمهورية و«تيار المستقبل»، داعياً إلى حوار يثمر تأليف حكومة، مؤكداً أن «الإهانات غير مقبولة وليست من ثقافتنا» و«نحن مجروحون منها»، في ظل قطيعة وهجوم متبادل بين الطرفين المعنيين بتشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة. وزار الراعي القصر الجمهوري، أمس، قبل سفره إلى روما تلبية لدعوة البابا فرنسيس للتفكير بشأن لبنان. وأكد أن «الأوضاع تقتضي تأليفاً سريعاً للحكومة، وهي فوق أي اعتبار»، وقال: «لبنان بلد الحوار، ويجب أن يكون هناك حوار، فالإهانات غير مقبولة وليست من ثقافتنا، ونحن مجروحون منها، وأنا أستهجن هذه الأساليب». وقال الراعي: «دولة فؤاد شهاب كانت أهم دولة عرفها لبنان، فهل نبقى نختلف على العدد والتسميات؟»، متسائلاً: «لماذا لا نؤلف حكومة أقطاب، حكومة إنقاذية تخلصنا وتكون مخرجاً لما نحن فيه؟ أين دور المسؤولين السياسيين؟ وأين الإرادات الطيبة؟» وأكد أن «البلد يحتاج إنقاذاً وليس (قواص)»، مشدداً على أنه «لا مبرر كي لا تكون لدينا حكومة ولا يكون هناك تفاهم بين الرئيسين عون والحريري». وإذ لفت إلى أن «البلد يموت والشعب يموت ونحن نتكلم عن وزيرين مسيحيين»، شدد الراعي على أنه لا يقبل بتسمية الوزيرين المسيحيين، مشدداً على موقفه القاضي بتشكيل حكومة إنقاذ بأشخاص غير حزبيين، وقال إنه لم يطرح مع الرئيس اللبناني ميشال عون تشكيل حكومة أقطاب. واندلع سجال أمس بين الرئاسة اللبنانية و«تيار المستقبل» امتداداً لحملة الردود التي انطلقت عقب تصريح النائب جبران باسيل ودعوته لطاولة حوار في حال فشلت المساعي القائمة لتشكيل الحكومة. وقالت الرئاسة اللبنانية إنها آثرت طوال الأسابيع الماضية عدم الدخول في أي سجال مع «المستقبل» على الرغم مما سمتها «الأضاليل التي كان يسوقها والتعابير الوقحة التي كان يستعملها، وذلك إفساحاً في المجال أمام المبادرات القائمة لمعالجة الوضع الحكومي». وعدّت أن «استمرار هروب الرئيس المكلف سعد الحريري من تحمل مسؤولياته في تأليف حكومة متوازنة وميثاقية تراعي الاختصاص والكفاءة وتحقق المشاركة، يشكل إمعاناً في انتهاك الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، وينم عن رغبة واضحة ومتعمدة في تعطيل عملية تشكيل الحكومة وفقاً إلى ما أشارت إليه رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب». وقالت الرئاسة إن «الادعاء دائماً بأن رئيس الجمهورية يحاول من خلال مواقفه الانقضاض على (اتفاق الطائف) ومفاعيله الدستورية، هو قمة الكذب والافتراء وخداع الرأي العام؛ لأن رئيس الجمهورية استند في كل مواقفه وخياراته إلى الدستور وطبقه نصاً وروحاً، وإلى (وثيقة الوفاق الوطني) بكل مندرجاتها»، ورأت أن «من يضرب (اتفاق الطائف) هو من يعمل على ضرب الدستور والتلاعب على نصوص واضحة فيه». واتهمت الرئاسة الحريري بالإصرار على «محاولة الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية وحقه الطبيعي في احترام الدستور من خلال اللجوء إلى ممارسات تضرب الأعراف والأصول، وابتداع قواعد جديدة في تشكيل الحكومة منتهكاً صراحة التوازن الوطني الذي قام عليه لبنان». وقالت: «يتعمد الرئيس المكلف وتياره تحميل عهد الرئيس ميشال عون مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، في الوقت الذي يعرف فيه القاصي والداني أن ما ورثه العهد من أوضاع مالية صعبة وديون هو (ثمرة) ممارسات فريق الرئيس المكلف وسوء إدارته لشؤون الدولة منذ مرحلة ما بعد (الطائف) حتى اليوم، وبالتالي فإن (المستنقع) الذي يدعي بيان (تيار المستقبل) أن البلاد غارقة فيه، هو من إنتاج منظومة ترأسها (تيار المستقبل) وتسلطت على مقدرات البلاد». ورأت أن «تيار المستقبل» «من خلال إطلاق النار مسبقاً على الاقتراح المطروح بالدعوة إلى عقد مؤتمر حوار وطني في قصر بعبدا لمعالجة الأوضاع في البلاد ومحاولة إيجاد حل للأزمة الحكومية الراهنة، إنما يريد قطع الطريق على أي محاولة إنقاذية لتأليف الحكومة وإجراء الإصلاحات اللازمة التي تؤمن للبلاد استقرارها وازدهارها». ورد «المستقبل» على بيان الرئاسة، قائلاً إن «رئاسة الجمهورية تقع أسيرة الطموحات الشخصية لجبران باسيل، وفخامة الرئيس العماد ميشال عون مجرد واجهة لمشروع يرمي إلى إعادة إنتاج باسيل في المعادلات الداخلية، وإنقاذه من حال التخبط الذي يعانيه». وأسف «المستقبل» «لأن تسمح رئاسة الجمهورية لرئيس تيار سياسي وحزبي، مصادرة جناح خاص في القصر الجمهوري يخصص للاجتماعات الحزبية وإدارة شؤون الرئاسة». ورأى أن «كل الحملات على رئاسة الجمهورية بطلها جبران باسيل ومن زرعهم في القصر؛ تارة من خلال تعميم الخطاب الطائفي والمذهبي، وطوراً باللجوء إلى ممارسات بعيدة كل البعد عن الدستور و(وثيقة الوفاق الوطني) في التعاطي مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، والتي أتى على ذكرها في رده على رسالة رئيس الجمهورية في مجلس النواب، من تسريب شريط فيديو يتهم فيه رئيس الجمهورية، الرئيس المكلف، بالكذب، بخلاف الواقع، إلى سابقة مخاطبته عبر الشاشات، وصولاً إلى رسالة الدراج وورقة ملء الفراغ بالوزير المناسب، وما بينهما من مواقف مسيئة ترفع عنها الرئيس المكلف والتزم بأصول الدستور وواصل التشاور مع رئيس الجمهورية، لتشكيل حكومة تلبي تطلعات اللبنانيين، وليس حكومة تلبي تطلعات جبران باسيل»، مستطرداً: «أما من يستولي على صلاحيات رئيس الجمهورية يا فخامة الرئيس، فهو من يتاجر بها ويضعها في البازار السياسي للبيع والشراء بها، ويستدرج العروض بشأنها، كما هو حاصل من خلال احتجاز التوقيع على تشكيل الحكومة كرمى لعيون الصهر». ودعا بيان «المستقبل» رئيس الجمهورية إلى «وقف استيلاء من حوله على صلاحياته، ووقف محاولاتهم للاستيلاء على صلاحيات الآخرين، وطالب بالعودة إلى الدستور و(وثيقة الوفاق الوطني)، وجنب اللبنانيين كأس جهنم الذي بشرتهم به».
مشاركة :