--> لم يكن المشهد السياسي في الشرق الأوسط حتى قبل قيام الثورة السورية منذ ثلاثة أعوام تقريبا، مشهدا جليا وواضحا بحيث يستطيع أي مراقب أن يقرأ تفاصيله واحتمالات مآلاته برؤية واضحة، وذلك نتيجة تكالب الأطماع الإقليمية والدولية على هذه البقعة من العالم، وتداخل مصالحها فيه، إلى جانب انخراط بعض أنظمة هذا الإقليم في لعبة التهويم، وربط مستقبلها أيديلوجيا وسياسيا بهذه الجهة أو تلك، إلا أن قيام الثورة السورية كان قد نزع آخر ورقة توت عن حجم العبث الذي سمح لتلك القوى من التغلغل في هذه المنطقة، وبالتالي ربط مستقبل شعوبها بالكثير من الأجندات الخارجية لحساب بقائها على سدة الحكم. كان النظام السوري، ومنذ الدولة الأسدية الأولى، ورغم كل الشعارات التي كان يقف خلفها ابتداء من شعار العروبة، إلى شعار المقاومة والممانعة يفتح كل أبواب دمشق للمزيد من التغلغل الفارسي ليس على المستوى السياسي وحسب، وإنما حتى على المستوى الثقافي والأيديلوجي، ويغلق كل الممرات إلى الجولان المحتل الذي يشكل الجبهة الوحيدة لتنفيذ شعار المقاومة والممانعة في مواجهة إسرائيل، ورغم كل هذا الخلط الغريب والتشوه المفتعل ما بين الشعار والفعل والموقف إلا أن القراءات السياسية لذلك المشهد لم تكن ناضجة بالقدر الذي يأخذ تلك الأوراق من تحت الطاولة ليضعها فوقها، كان كل شيء يُفسّر بالمواقف السياسية بعيدا عن أي مقاربة ما بين العنوان والمتن. جاءت الثورة السورية بسواعد أطفال درعا، وبعثرت أوراق هذا الملف السري الذي ظل محكم الإغلاق إلى أن أطلقت أول رصاصة باتجاه المتظاهرين، لينكشف الدور الإيراني على الأرض السورية، بطريقة لا تدع أي مجال للشك من أن إيران لا تتخذ موقفا لمناصرة حليف سياسي وحسب، وإنما تعمل من أجل حماية مشروع ناجز، وهو ذات الشيء الذي فعله حزب الله حينما نقل بندقية المقاومة من كتف إلى أخرى ؛ليصوبها إلى صدور الثوار السوريين عوضا عن أن يصوبها إلى الجهة التي كان يدّعي أنه يحتفظ بسلاحه لمواجهتها. ويزداد المشهد تعقيدا باستدعاء تلك العناصر الإرهابية التي طالما احتفظ بها نظام الأسد كأوراق ضغط في أوجه خصومه، وجرها للانخراط في هذا المشهد الدامي بغية خلط الأوراق أكثر فأكثر، ومن ثم تصويره أمام الرأي العالمي على أنه مواجهة مع الإرهاب، لتتلاشى المسافة بين قطبي اللعبة الكبيرين الولايات المتحدة وروسيا، وتلتقي عند أقرب نقطة كما لم يحدث من قبل لينتقل الحديث من مناقشة قضية ثورة الشعب السوري المضطهد، إلى هامش الصفقات السياسية والبحث عن الحلول السياسية، وبطبيعة الحال، فلكل طرف مصلحته الخاصة في مواربة طاولة جنيف بالطريقة التي تحقق تلك المصلحة، ليصبح هذا الشعب وتضحياته في سبيل الحرية والكرامة مجرد ورقة صغيرة في ملف جنيف المثقل بورقة النووي الإيراني، وورقة الإرهاب، وورقة أمن إسرائيل، وسواها من الأوراق، فيما تبقى مؤججات الثورة وأهدافها وتطلعات السوريين سطرا صغيرا لا يكاد يُرى إلا بأعين صُناع جنيف الكبار مما يزيد من سوريالية المشهد، وتزايد الركام الضبابي حوله، وتلاشي الفرصة تماما لأي إمكانية لقراءة مستقبل هذه المنطقة المشتعلة. المبتعثون والخطوط الحمراء يشكل ملتقى المبتعثين الذي تنظمه وزارة التعليم العالي في كل من جدة والرياض والخبر في المنطقة الشرقية على التوالي، فرصة لتهيئة المرشحين المستفيدين من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي للاطلاع على طبيعة الدراسة والحياة الاجتماعية في البلدان التي سيتوجهون إليها للدراسة. ولعل الفعاليات والمحاضرات التي تقدم خلاله تشكل زادا مهما للطلاب حيث توضح معالم الطريق وكيفية العيش في بلد الدراسة والتي ربما تطؤها أقدامهم للمرة الأولى في حياتهم، خاصة وان كثيرا من الدول التي تستقبل الطلاب غربية ويختلف نمط حياة مواطنيها عن حياة الطالب المبتعث الذي يعيش في بلد محافظ تربطه عادات وتقاليد محددة، كذلك اختلاف أنظمتها وقوانيها. وتعد الملحقيات الثقافية في بلدان الابتعاث عنصر مهم للطالب المبتعث ومحطة إرشاد له، ومشاركة مسؤوليها بفعاليات الملتقى لها أهمية خاصة حيث إنهم الأدرى بطبيعة حياة وأنظمة وقوانين البلدان الملحقين فيها، فيكونون الأقدر على توضيح الصورة للمبتعث وإرشاده على كيفية البدء بمرحلة جديدة من حياته في بلد يزورها للمرة الأولى. ولعل خير مثال على ذلك ما أوضحه مساعد الملحق الثقافي للشؤون الدراسية بالملحقية الثقافية بأمريكا عن وجود جهات تقدم قبولات مزورة في الجامعات مقابل مبالغ مالية مما يوقع الطالب بإشكاليات هو في غنى عنها، وكذلك دعوته للمبتعثين بالابتعاد عن العنف بشتى صوره في بلدان الابتعاث، طارحا مثلا بان الاعتداء على الأطفال بالضرب، أو تركهم وحدهم يعد جريمة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعاقب عليها القانون. كما ان تقديم معلومات عن كيفية الحصول على قبولات أو تأشيرات وكيفية دراسة اللغة أو غيرها من الأمور المتعلقة بالدراسة، ناهيك عن المحاضرات التوعوية والتي تنبه الطلاب لمخاطر المواقع المشبوهة بتلك البلدان وأهمية الابتعاد عنها تشكل جميعها خريطة طريق للمبتعث تمكنه من تحقيق هدفه والعودة الى وطنه وهو محقق لحلمه وحصوله على مبتغاه في العلم والمعرفة. مقالات سابقة: كلمة اليوم القراءات: 2
مشاركة :