تمر منطقة الشرق الأوسط في هذه الآونة بمتغيرات خطيرة، سوف تتغير فيه المعادلات الحالية وتظهر أخرى، وسوف تسفر عن متغيرات جذرية في خارطة الشرق الأوسط ككل. فمنذ أكثر من عقد من الزمان طرحت الدوائر الأميركية رؤيتها، أو كما يعتقد البعض مشروعها، لشرق أوسط جديد وأوردت تلك الدوائر دور اللاعبين الجدد، منوهة بدور دول الخليج كلاعب مهم ومؤثر في خارطة الشرق الأوسط الجديد. كما أوردت تلك الدوائر حينها بأن مراكز القرار التقليدية في العالم العربي كمصر والعراق وسوريا سوف تشهد انحساراً في ظل ارتفاع الدور المؤثر لدول جديدة كدول الخليج العربي. ومنذ بداية الألفية الثالثة شهدت المنطقة العربية بالتحديد هزات قوية وكأنها تمهد لبزوغ عصر جديد في المنطقة، حيث بدأت بالحرب على نظام صدام حسين في العراق في العام 2003 وما تلاها من تخلخل سياسي في المنطقة كان الربيع العربي في عام 2011 أحد إفرازاته. وفي الفترة التي تلت ذلك التخلخل ظهرت تنظيمات مسلحة كتنظيم «داعش» الذي سيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق ونشر الفوضى في الشرق الأوسط كله. وما أن أفاقت المنطقة العربية من تأثيرات هذه الأزمات الفوضوية المتلاحقة واستطاعت إلحاق الهزيمة تلو الأخرى بالتنظيمات الأيديولوجية حتى جاء استفتاء إقليم كردستان ليضيف لبنة أخرى إلى لبنات الفوضى ويمهد لتقسيم العراق وظهور شرق أوسط جديد، معتمداً على تقسيم العالم العربي إلى جزئيات صغيرة وممهداً لتقبل الكيان الصهيوني والاعتراف التام بدولة إسرائيل. في ظل هذه الأجواء المتوترة التي أصبح العالم العربي يشهدها لعبت دول الخليج دوراً متنامياً في التمهيد لإيجاد حلول توافقية لحلحلة الأوضاع في الشرق الأوسط معتمدة على دورها كوسيط لحلحلة الأزمات أحياناً ولاعباً مؤثراً في تحريك الأحداث أحياناً أخرى. وقد قامت دول الخليج بهذا الدور ليس اعتماداً على قوتها وثروتها فقط بل اعتماداً على عوامل كثيرة وعناصر عدة، أولها المهام والمسؤوليات الجديدة التي وضعت على كاهلها لحماية أمن إقليم الخليج من التدخلات السياسية والعسكرية والأيديولوجية للدول المجاورة وعلى رأسها إيران. فقد أصبحت تداعيات محاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط ككل تضع على دول الخليج المعتدلة واجبات كبرى أهمها الوقوف في وجه الدول ذات الأجندات المشبوهة في المنطقة ووقف تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه. وفي هذا الصدد فقد عقدت دول الخليج تحالفات عدة مع دول كبرى لها مصالح مشتركة مع دول الخليج كالولايات المتحدة وفرنسا وغيرها. إن الشرق الأوسط الجديد لا يعني فقط تغييراً في الخارطة السياسية الحالية ولكن يعني أيضاً ظهور لاعبين جدد مؤثرين في المشهد السياسي والاستراتيجية للمنطقة بأسرها. لقد قدر لدول الخليج الغنية والمستقرة نسبياً أن تلعب هذا الدور انطلاقاً من مسؤولياتها الجديدة وواجباتها القومية تجاه العالم العربي. فأصبحت السياسات الداخلية والخارجية لكل من المملكة العربية السعودية والكويت ودولة الإمارات وسلطنة عمان والبحرين كل يلعب دوراً مؤثراً في صياغة القرار العام ليس في منطقة الخليج فحسب بل على صعيد الشرق الأوسط. إن العالم ينظر اليوم بعين فاحصة تجاه ما يجرى في الشرق الأوسط من متغيرات ويتوقع من دول الخليج العربي أن تلعب سياسة متوازنة وإيجابية قائمة على تقديم يد الدعم في إيجاد صيغ توافقية لعدد من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط. ونظير هذا الدور يتوقع المراقبون أن تكون دول الخليج لاعباً مؤثراً في صياغة السياسات العامة للمنطقة في العقود المقبلة. إن دول الخليج العربي مقبلة على عهد جديد لن تكون فيه لاعباً مؤثراً في صياغة الشرق الأوسط الجديد فحسب بل لاعباً مؤثراً في حماية السلم والأمن الدوليين. فانحسار الدور التقليدي للاعبين القدماء وظهور لاعبين جدد يتمتعون باللياقة السياسية والقدرة العسكرية الحديثة والقبول السياسي من قبل المجتمع الدولي والقوى العظمى سوف يرمي على دول الخليج المعتدلة مسؤوليات وأعباء جديدة ودور مهم للغاية في صياغة مستقبل المنطقة. إذاً فمستقبل الخليج والعالم العربي يحتاج ليس فقط إلى قوة ناعمة تعيد ترتيب أولويات المنطقة، ولكن إلى استراتيجيات تنموية مدروسة تعيد للشرق الأوسط دوره في استئناف الحضارة العالمية. فالتحالفات الموجودة الآن على الساحة الخليجية بين دول الخليج المعتدلة لمقاومة الإرهاب والأجندات المشبوهة هي التي تمهد لدور خليجي أكبر تأثيراً وأكثر بروزاً على الساحة الدولية لحماية المنطقة والعالم العربي من أي تهديدات للسلم العالمي ككل.
مشاركة :