المرحوم الشاعر والملحّن مطر عبدالـله.. سبع صنايع والبخت ضايع!

  • 6/4/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عمل في المطافئ ليخمد النيران ولم ينطفئ نار شوقه كان ينشر باسم مستعار خوفًا من الفشل انطلق من «أسمر وعيونه وسيعة» واشتهر في «هلا باللي لفاني» تعاون مع أغلب الفنّانين وكان يمتاز بالمفردة البحرينية للسيرة بداية.. مثل كل شيء له بداية.. قد يبدأ بولع.. عبث.. اكتشاف وحتى خطة مدروسة.. فكل خطواتنا في هذه الحياة وفي كل مجال له نقطة.. تسمى نقطة البداية.. وأحيانا تسمى نقطة الانطلاقة.. كتاريخ مولدنا.. الذي يكشف لنا متى ولدنا وفي أي يوم وفي أي شهر وسنة، فتدوين البداية لا يهدينا إلى قصة النهاية.. ولأني أدرك بأن الفصل الأخير من حياة هذا الشاعر والفنان صعبة ومتعبة ومؤلمة، وما واجهه في حياته من صعوبات وألم وإخفاقات، إلا أننا لا نملك أمام قضاء الله وقدره إلا أن نترحم عليه وسنتذكر تاريخه ومحطات حياته، ليتعرف عليه المتابع ويسجل التاريخ له محطاته وبداياته وأعماله التي قدمها للساحة الفنية والشعرية. هذا هو مطر عبدالله الشاعر الذي كان يمطر على أحاسيس الناس وابلاً من الشاعرية والعذوبة ليحلّق معه في ركب الخيال بواقعية وصدق الكلمة.. فنان وشاعر.. أسهم في إثراء الحركة الفنية من خلال تعاوناته الكثيرة مع الكثير من الفنانين وإسهاماته من خلال النشر في الصفحات الشعرية وتنظيمه المواويل الشعبية التي قرّبته للناس، ولعل نشأته بين أحضان الحنينية وشربه من مائها رطب لسانه بالعذوبة ومنحه الشاعرية. فرحم الله الشاعر البحريني (مطر عبدالله) وأسكنه فسيح جناته.. فتعقبوا معي بداية سيرته.. وحتى آخر كلمة من لقائي به، إذ تشرّفت بإجراء العديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية معه لتوثيق سيرته ومحطاته المتنوعة، وهذه الصور النادرة من مشوار حياته. البداية.. في منطقة الرفاع وُلد مطر عبدالله محمد بلال العميري في 1/‏‏‏‏1/‏‏‏‏1951 لأسرة متوسطة الحال، تولع أفرادها بالفن فكان والده محبًا للفنون الشعبية وممارسًا لها، وكانت والدته المشجع الأول لانخراطه في المجال الفني ليعبّر عما يجول في خاطره من هموم وفرح عن طريق استنشاقه الهواء الفني الذي يحيطه، من خلال ارتياده الدور الشعبية ومصاحبته الفرق الشعبية والعرضات التي كانت تستعرض في منطقة الرفاع، فشكّلت أسرته ومحيطه بذرة البداية. رحلة المعاناة واليتم تلقى مطر عبدالله تعليمه في مدرسة الرفاع الابتدائية، وكان حلمه يختلف عن الباقي.. فكان يحلم بأن يصبح (رجل إطفاء). قد يكون هذا الحلم غريبًا بعض الشيء، خصوصًا أن في تلك الفترة كانت أحلام الشباب لا تتعدى المصانع والأعمال البسيطة، فنيران الولع التي بداخله كل يوم تكبر، وكان يشعر بأن بداخله إحساسًا وشوقًا كبيرًا لا يعرف كيف يعبّر عنه.. وكان واثقًا بأن بداخله فنًا بل فنونًا ومواهب يرغــب في إخراجهـا للناس.. وكــان يتطلــع إلى أن يكمــل دراستــه ويطــوّر مــن نفسه، إلا أن وفاة والده وهو في عمرالـ15 سنة ترك جرحـًا عميقــًا بداخلــه وأحــس بــأن كــل أحلامــه تنهــار أمامــه، خصوصًا أنه كان متعلقــًا بوالــده كثيرًا، فهو يعتبره الصديق والأب والأخ والمدرّس، ومر في تلك الفترة بظروف اقتصادية صعبة أجبرته على ترك مقاعد الدراسة وهو في المرحلة الإعدادية، فعمل في (قوة دفاع البحرين) ليساعد أهله على المعيشة، وفي كل يوم يمر عليه يحس بشيء بداخله يكبر معه، وأحاسيس يرغب في البوح بها ولم يجد إلا الشعر منفذًا له، إلا أن الخوف من التجربة والفشل في المرحلة الأولى هو الذي يمنعه من الكتابة والنشر باسمه، فظلت أشعاره ومشاعره حبيسة الأدراج لا يسمعها إلا المقرّبون منه فقط. «أسمر وعيونه وسيعة».. المحطة الأولى في بداية السبعينات وبالتحديد في فبراير 1970 سافر مطر إلى عدد من دول الخليج للعمل والبحث عن فرص، وكانت فرصته كبيرة في عرض كتاباته وأشعاره، خصوصًا أن هناك لا أحد يعرف مطر عبدالله شاعرًا، وكان الفنانون والملحنون معجبين بأعماله وبتجربته الشعرية وأسلوبه المميز في الكتابة وحتى صياغة الألحان، وكان شابًا منطلقًا بمشاعره دون تردد يطرق الأبواب ويقتنص الفرص، حتى جاءت الفرصة الذهبية وهي غناء الفنانة الراحلة عتاب أغنية (أسمر وعيونه وسيعة) التي تعتبر هي الانطلاقة الحقيقية له، خصوصًا بعدما حققت هذه الأغنية النجاح الكبير، فبزغ اسم مطر عبدالله ملحنًا وشاعرًا جديدًا على الساحة الفنية. هلا باللي لفاني رجع مطر إلى البحرين بعد أن حقق سمعة وشهرة طيبة في المجال الفني وحازت أعماله على إعجاب الجمهور، خصوصًا أن أسلوب مطر يختلف عن الباقي من تناول الأفكار والمفردات البحرينية القريبة إلى القلب والتي تشعر وتلمس طيبة أهل البحرين في دفء أشعاره.. فقدم أربعة أعمال للفنانة الشعبية شمة الخضارية، منها أغنية (هلا باللي لفاني ياهلا به.. عدد دقات قلبي في غيابه.. هلا باللي بعد والشوق يابه.. عليم الله قلبي ماصخابه)، واشتهرت هذه الأغنية في البحرين والخليج العربي وتغنى بها بعد ذلك الكثير من الفنانين، ومنهم الفنان الكبير‏ أحمد الجميري، فكانت هذه الأغنية هي بوابة الشهرة لمطر عبدالله، فتوالت الأعمال وازدادت رقعة التعاونات، فكتب لأغلب فناني البحرين الذين تغنوا بأشعاره وألحانه. قصة أغنية! أما قصة أغنية «هلا باللي لفاني»، فذكرها لي المرحوم الشاعر مطر عبدالله بأنه طلب منه المرحوم راشد المعاودة في كتابة وتلحين عدد من الأغاني للفنانة الشعبية شمة الخضاري، وتم ذلك وقدم لها أغنية (وداعة الله لا تسيء الظن فيني) وأغنية (عديل الروح ربي به بلاني) وأغنية (هلا باللي لفاني)، وكان يحثها على عدم غناء هذه الأعمال في العروس لحين تسجيلها بشكل متكامل، إلا أن الأغاني انتشرت وحصدت شهرة بين الأوساط الفنية والكل كان يعتقد بأنها من الموروث الشعبي، وصادف ذلك بأن الفنان الكبير أحمد الجميري سمع بهذه الأغنية وكان يعتقد كذلك بأنها من التراث، وتم تسجيلها في القاهرة بكلمات من الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة رحمه الله، وحين علم بعد ذلك بأن كاتب الكلمات وملحنها هو مطر عبدالله تدارك هذا الأمر من خلال إعادة تسجيل الأغنية بدويتو (شطر كان يغنيه الفنان أحمد الجميري من كلمات عيسى بن راشد والشطر الأخر تغنيه شمة الخضارية بكلمات مطر عبدالله، وبعد ذلك تعاون مطر عبدالله مع الفنان الكبير أحمد الجميري في عدد من الأعمال الذي أعجب بكلماته وبأسلوبه المميز في إبراز الكلمة البحرينية. رجل إطفاء.. حلم الطفولة رغم النجاح الذي حصده في مجال كتابة الأغنية والشهرة الواسعة إلا أنه ظل يحن لحلم الطفولة في أن يصبح «رجل إطفاء»، وبالفعل فقد التحق بسلك الشرطة وعمل في قسم المطافئ إلى أن أحيل إلى التقاعد المبكر في 2001، فلعله بعمله في الإطفاء تعلم كيف يخمد النار ولكن لم يستطع أن يطفئ نار الشوق الذي بداخله إلا بالشعر.. وعرف أنه كلما ينظم حرفا يزيد احتراقا!! مشاركاته الفنيّة تعاون الشاعر والملحن مطر عبدالله خلال مشواره الفني مع الكثير من الأسماء الفنية في الساحة الغنائية المحلية والخارجية، ومن أبرز من تعاون معهم الفنان أحمد الجميري، الفنانة شمة الخضارية الفنانة هبة عبدالله والفنان محمد حسن، الفنان محمد علي عبدالله، الفنان ارحمه الذوادي، الفنان إبراهيم الدوسري، الفنان جعفر حبيب، الفنان يعقوب بومطيع، الفنان عبدالله بوقيس، الفنان عبدالواحد عبدالله، الفنان محمد المحرقي، الفنان حسن عراد، الفنان فرج عبدالكريم، الفنان همام عبدالله، الفنان موسى محمد والفنان علي بحر، كما له الكثير من المواويل والزهيريات التي قام بتسجيلها لصالح إذاعة البحرين، كذلك له الكثير من المساجلات الشعرية مع عدد من الشعراء المحليين في الصحف المحلية، إضافة الى أنه كان فنانًا ورسامًا وعازف عود ونحاتًا ونجارًا، ولديه العديد من الهوايات المتنوعة، وكان دائمًا يردد رحمه الله (سبع صنايع والبخت ضايع). وكان ينوي إصدار ديوان يجمع فيه كل أعماله ومواويله باسم (نهام الغرام)، إلا أن القدر كان أقرب لذلك. وفاته بعد رحلة شاقة مع الحياة، وصل الى الفصل الأخير حين إصابته بـ(كورونا)، وتم استدعاء الإسعــاف له ومكث في المستشفى أربعة أيام، إلا أن المرض كان أكبر من أن يتحمله رغم العناية الطبية، فدخل في غيبوبة، ولم يمهله القدر حتى فارق الحياة في الساعــة الحاديــة عشـر ليلاً في المستشفى، ودفن في مقبــرة المحــرق في يوم الاثنين الموافق 19 أبريل 2021.

مشاركة :