ما يخفى غير ما يظهر

  • 6/3/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كنت أتأمل في رجل أعرفه أكبر مما يظن وأعمق مما يعتقد ، وتذكرت أنه أراد يوماً ما أن يوهمني بأنه يستطيع أن يخترق الأرض إن أراد، وأنه مسنود وله ظهر وأن مواقع عليا كثيرة تنتظره، وهو في الحقيقة أضعف من جرادة عمياء وأصغر من موقعه حينذاك، يسوقه غروره وتسحبه حماقاته. ظاهرياً وبدون تدقيق هو يرتدي عادة ثوباً نظيفاً، ويحمل قلباً يعلم الله عن نظافته ولونه. ويدّعي المثالية التي تكذبها تصرفاته. كان لقائي الأول به قبل أكثر من أربعين عاماً، ورأيت فيه حينها أنه شخصية مهزوزة يتلفع بالصمت ليستر جهله، ويستعير من الطاووس مشيته ولايثق بنفسه ولا بالآخرين كان في الكرسي ضئيلاً جداً والكرسي أكبر من حجمه بكثير ، لكنه أحاط نفسه بالكثير من الأقزام والمرتزقة والمنافقين ليبدو بينهم أكبر وأطول وحتى أنصفه فقد كان يجهد نفسه ويفكر حتى يقول جملة نفاق لمن هم أكبر منه وقد كان فعلاً مبدعاً وبارعاً في هذا المجال وفي صناعة المكائد أيضاً ولا إنجاز له ولا نجاح . مَرّ بعمال سعوديين وهم يعملون تحت الشمس وفي ظروف صعبة ووقف عندهم بتعالٍ وغطرسة وهو متجهم، وبعد أن ذهب قال لي أحد العمال : لماذا لا يصافحنا صاحبك، فقلت لهم ضاحكاً ربما نسي أنكم تتوضأون خمس مرات في اليوم. والحقيقة أنني كنت محرجاً وأنا أشاهد تصرفه الذي أغاظ العمال وكان أشبه بالمهووس ، وهم في نظره مجرد أدوات ولا يشعر بأي أحاسيس إنسانية تجاههم ولا تعرف العواطف إليه طريقاً إلا إن كان العامل من قريته، وعنده مشاعر عدائية جداً لا يخفيها تجاه فئة معينة وكبيرة من المجتمع يقول أنهم سرقوا حمار جده وهو ورث هذه القصة ببلادة وأخذ موقفاً إنتقامياً بناء على قناعة لم يراجعها أخلاقياً أو دينياً أو وطنياً والعنصرية عموماً مكون رئيس في شخصيته. قال لي أحد العمال : هل تعلم أننا نشأنا في نفس الحي وأن كل الرقاة في الحي قرأوا عليه القرآن لمشاكل نفسية كان يعاني منها، وأنا أظن أنه لايزال يعاني شفاه الله. وقال عامل آخر: زوجة العامل فلان تعاني من مرض السرطان ، وطلب منه أن يأذن له في الذهاب مع زوجته مرتين في الأسبوع لتلقي العلاج الكيماوي ولم يعد عند هذا العامل رصيد إجازات فقال له: قدم إجازة أو أسجلك غائباً ومن اسم العامل عرفت أن هذا العامل من الفئة التي سرقت حمار جده كما يدّعي ، واستغربت جداً من أحاديث العمال وكيفية تناقل المعلومات بينهم وأصبت بالغثيان ولم أرد أن أسمع المزيد وغادرت الموقع فأنا أكره من يتسلط على الضعفاء أو يتعالى عليهم، وكنت متعباً وذهبت لمنزلي وأستسلمت للنوم ورأيت فيما يرى النائم أنني فصلت رأس هذا الرجل وقلبه وصدره عن جسده وبدأت في البحث داخل صدره ووجدته متسخاً وبه شيء من نذالة وبعض من الخسة التي لا تغسلها مياه الأمطار ولا حتى مياه النار الحامضية، وعندما فتحت قلبه وجدت حمار جده بأذانه الطويلة و حوافره واقفاً وينهق ربما إحتجاجاً على إختناق الحمار داخل قلبه من كمية الضغائن والأحقاد. وعندما بحثت في رأسه لم أجد شيئاً وإذا برجل سمح المحيا يناديني ويقول عن ماذا تبحث؟ فأجبته بأنني أبحث عن ضميره فقال لي بابتسامة: لن تجده ومدّ يده وسحبني تجاه هالة من نور.

مشاركة :