غادرنا مطلع هذا الأسبوع جاري الأكاديمي وجار الكلمة والحرف على صفحات هذه الجريدة الدكتور محمد الأحمد الرشيد. ذُكرت محاسن الميت بعد ان اُكل لحمه حياً في مشهد متكرر. فهل ثقافة الوفاء عزيزة عندنا؟ أم أن الأخطر هو إخفاء مواقف الإنصاف حتى يجيب أحد الأطراف داعي الموت؟ إنها ثقافة ترسخت ليس عن قصد ولكن بسبب إهمال مؤسسي يجعلنا نفقد الكثير من العمالقة الذين ينصفهم الإعلام المحلي على استحياء. فخلال أسابيع بسيطة لو راجعنا من فقدنا وكيف كانت وقفتنا قبل الوفاة وبعدها لأدركنا أهمية التكريم وتبني الأفكار الوطنية. فقدنا من جامعة الملك سعود فقط ثلاثة عمالقة هم الدكتور عوض القوزي والدكتور أسامة عبدالرحمن والآن الدكتور محمد الأحمد الرشيد. فعليهم رحمة الله. كل واحد من هؤلاء مدرسة في مجال تخصصه بل وفي الشأن الوطني وبرامج التنمية. تعددت الأسباب والموت واحد. ولكن يبقى عمل ابن آدم في علم ينتفع به. فما عسانا أن ننتفع بعلم حاول كل واحد منهم أن يستزرعه لحين ذات حصاد. فهيهات في ظل التحديات التي تجعل كل مبدع يتوارى عن العطاء في ظل ثقافة إحباط وسد باب ذرائع أو كما يقول الناس "تكسير مجاديف". فلو أخذنا أحد مجاديف الدكتور الرشيد المكسورة منذ زمن وحاولنا التجديف بها في بحرنا المتلاطم حالياً بكل أفكار التهويل والتخوين لوجدنا أنها أفضل بكثير من مجاديف ترمى في قواربنا ولا تنفع لشيء سوى خبط الجماجم لتحجم عن التفكير. ولعل الأفكار التي طرحها إبان عمله في التربية تستحق مراجعة متأنية من المنصفين في الميدان التربوي لمعرفة أسباب إطلاقها ومسببات فشلها أو فشلنا في تحقيقها. وإذا كنا نلوم كل قادم إلى التربية فلماذا لا نقدم لهم رؤية متزنة تحقق أهدافنا الوطنية. أذكر جيداً عندما خرج يرحمه الله من اجتماع الرئاسة العامة لتعليم البنات عندما كان مستشاراً لرئيسها في قطاع الكليات وطرح فكرة الرياضة النسائية قامت الدنيا على رأس الرجل بدون وقفة تأمل. والنتيجة أن الفكرة لم تدرس وإنما كان الهدف هو اغتيال تلك الشخصية اعتبارياً كرمز لاغتيال تيار تم وصمه بالتغريبي. وكأن الدعوة لتطوير التعليم تغريب. والأمر لم يقتصر على تلك المرحلة وزوابعها وإنما تتالت عليه الزوابع عندما كان وزيراً للتربية والتعليم وقاد بداية حقيقية لدراسة أوضاع المناهج التي كانت تستتر من وراء إعدادها لجان مختلفة التوجهات ولكنها كانت محمية من عصف الوصم المجتمعي آنذاك. الأفكار كثيرة والمواقف متعددة للدكتور محمد يرحمه الله ولكن المهم أن نستفيد من أبرز دروس التجربة التي وضع بعض منها على استحياء على صفحات هذه الجريدة. وهنا أشيد بموقف الأستاذ تركي السديري رئيس التحرير الذي استقطب الدكتور محمد مبكراً وقدم له ساحة واسعة في فضائنا الإعلامي ليبوح بتلك الأفكار التنموية. بل ويلمس المتابع جرعة القيم الدينية والتربوية في معظم مقالاته. أتمنى على الزملاء في جمعية العلوم التربوية "جستن" أن تخصص حلقة نقاش أو ورشة عمل يتم فيها جمع واستعراض تلك الأفكار التي لم تكن وليدة تجربة شخصية وإنما هي نتاج جمع عمل شاركه فيها العديد من زملاء التخصص في كلية التربية ومكتب التربية العربي وغيره من المؤسسات ذات الصلة به. أرجو أن لا يعتبر البعض أن هذا من مقالات جلد الذات الذي حل محل ثقافة الوفاء وإنما هو من وقفات التذكر المبكر للكثير من العمالقة في مؤسساتنا ونفقدهم يوماً بعد يوم والنتيجة ذكر محاسن ميت. ولكن أتمنى أن تتجاوز ذلك إلى فعل مؤسسي لامتداد محاسن ميت في عمل وعلم نافعين لا ينقطعان بموته. يقول الشاعر الباهلي: لأشكرنك معروفاً هممت به إن اهتمامك بالمعروف معروف ولا ألومك إن لم يمضه قدر فالأمر بالقدر المجلوب معروف تغمد الله موتانا جميعاً وغفر لهم الزلل وتقبل منهم العمل.
مشاركة :