في ظلال الدستور: الكويت وطن يعيش فينا وليست وطناً نعيش فيه

  • 6/6/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كلمات من نور، قيلت في سياق آخر، معدلة على مقتضى الحال، لم أجد خيراً منها في التعبير عن شكري وامتناني لهؤلاء الذين غمروني بتقديرهم في الرسائل التي تلقيتها من قامات رفيعة وقيادات سياسية، تجسد عظمة هذا الشعب الطيب، ومن زملائي المستشارين، من الذين يعملون في الكويت والذين غادروها يشاركونني في أن الكويت في قلوبهم جميعا، حتى لو غادروها بأجسادهم، كانت هذه الرسائل التي تلقيتها على فراش المرض، بعد العملية التي أجريتها في القلب، هي باقات من الزهور والورود تفوح منها رائحة الحب والمودة، والتقدير الذي يفوق كل ما كنت أتوقعه، والتكريم الذي يفوق كل ما أستحقه فقد أديت واجبي فحسب، يقول المولى عز وجل: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". تلقيت هذه الرسائل فور نشر مقالي الأسبوعي الأحد الماضي تحت عنوان "غادرت الكويت.. وقلبي.. ينبض بحبها"، رداً على تغريدات، استنكرت أن أكتب عن الدستور الكويتي، بعد أن أنهيت عملي في الكويت وغادرتها، وطالبتني بعض الرسائل بالاستمرار في الكتابة. رسالة حب إلى الكويت وفي سياق آخر كتبت رسالة حب إلى الكويت، وهو عنوان مقالي المنشور على صفحات "الجريدة" في عددها الصادر في 9 نوفمبر سنة 2009، وأجتزئ من هذا المقال ما يلي: "في كل اتصال تلفوني بمصر يطالبني أولادي وأحفادي بالعودة بعد طول غياب، وقد بلغ الشيب مني مبلغه، أتمثل قول ياسر بن عامر لأخويه مالك والحارث: (في الوعد الحق لطه حسين) «عودا إن شئتما أو اضربا إن شئتما في الأرض العريضة، فأما أنا فمقيم، قد أعجبتني هذه الأرض فلست أعدل بها أرضاً أخرى، ورضيت بهذه الدار فلست أبغي بها بديلاً»، ولعله كانت له أسبابه في حبه للأرض التي اختارها إلى جوار البيت العتيق، وكانت لي أسبابي أيضا أجتزئ منها ما يلي: التجربة الديمقراطية في الكويت وكنت أقول لهما قول ياسر بن عامر ذاته وأضيف: ولمَ رحيلي عن أرض عربية غمرتني بفضلها طيلة ما يزيد على ربع قرن عملت فيها مستشاراً وخبيراً دستورياً أشاهد وأعايش تجربة ديمقراطية هي الأولى من نوعها في منطقتنا، أكتب عنها، ما لها وما عليها، وأحلل فيها ما يجري على الساحة السياسية من جدل ساخن حول تطبيق الدستور وتفسير نصوصه، وأختلف في هذا التحليل والتفسير مع خبرائها الدستوريين ومع إعلامها وقادتها السياسيين، والذين كانوا يتقبلون الرأي الآخر بصدر رحب. ولمَ رحيلي عن أرض عربية وجد قلمي فيها متنفسه الذي يكتب بكل حرية وبكل صدق وأمانة ويعبر عن كل خلجات النفس وهموم القلب، وهموم أمتنا العربية، حتى ضاق القلب بما يحمله من هذه الهموم فتوقف عن النبض في الحادي عشر من أغسطس، تاركاً هذه الهموم ليحملها وينوء بحملها من حملها معي حتى الآن من أبناء هذه الأمة ولتحملها كذلك أجيالها القادمة؟ ولكن كان في العمر بقية، يقول المولى عز وجل: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً». صدق الله العظيم. التراث الأخلاقي والإنساني وكنت على موعد مع الموت بعد ذلك أكثر من مرة، وفي كل منها تمنيت الحياة، ولو لأكتب رسالة حب الى الكويت قبل موتي، اعترافاً بفضل الكويت وأهلها الذين أحاطوني بكل الحب والتعاطف من شخصيات عامة بارزة، أثناء مرضي وكان بعضهم يزورني مرتين في كل يوم، وكنت في كل زيارة أضن بوقتهم ومسؤولياتهم الكبيرة التي أعرفها حق المعرفة، وكان ردهم دائماً «لا تحرمنا هذا الثواب»، إنها ثقافة زيارة المريض، تلك الثقافة النابعة من قيم دينية وأخلاقية وتقاليد موروثة لدى العرب، تغيب الآن عن كثير من شعوب أمتنا العربية، ولكنها لا تزال جزءا من التراث الإسلامي والعربي والإنساني الذي يحافظ عليه الكويتيون. وفي حديث قدسي يقول المولى عز وجل «يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده...». ولن أنسى اتصال أحد القيادات البارزة بي من سويسرا ليخبرني بأنه سيرسل لي طائرة خاصة مجهزة ومعدة إعداداً طبياً لنقلي من الكويت إلى كليفلاند لإجراء العملية الجراحية (القلب المفتوح) على نفقته، ومن طلب مني أن ترسل له فواتير مستشفى دار الفؤاد بمصر ليسددها، واعتذرت للاثنين، وكان ردي عليهما يكفيني ما غمراني به من حب وتعاطف. كانت هذه الرسالة هي رسالة الحب التي كتبتها في نوفمبر سنة 2009، بعد أن منّ الله عليَّ بالشفاء، عقب عملية القلب المفتوح التي أجريتها في مصر، خلال هذه الفترة. وإذا كانت بعض الرسائل التي تلقيتها من هذه القامات الرفيعة، ومن الإخوة المستشارين المصريين، ومن قرائي قد طالبتني بالاستمرار في الكتابة، وهو ما فهمته ضمنا من كافة الرسائل الأخرى، فإنني أعاهد الجميع، بأنني لن أتوقف عن الكتابة عن هذه التجربة الديمقراطية التي عايشتها لمدة تقرب من أربعة عقود، أكتب عنها ما لها وما عليها في ظل دستور يعتبر وثيقة تقدمية لحقوق الإنسان، في أي زمان ومكان. وسوف يكون المقال القادم بإذن الله- إن كان في العمر بقية- حول "تصحيح مسار الاستجوابات".

مشاركة :