شَرُّ السِّلاحِ ثلاثةٌ يُخْشى على ... أصحابِها وعلى سِواهم فاتَّقِ مُوسَى بكفِّ الطفلِ أو قلمٌ بكفِّ ... النَّذلِ أو مالٌ بكفِّ الأحْمقِ القروي في أوقات العنف السياسي المكثف، وفي وقت تشديد الرقابة والقمع من قبل الدولة كما يحدث في الكيان الصهيوني، فإن الناس تلجأ للتعبير عن همومها من خلال الكتابة والرسم على الجدران. ولكن في معظم الأحيان، فإن الكتابة على الجدران هي تنفيس عن كوامن وخواطر ورغائب متدنية، لا يربطها بالفن أو المقاومة رابط. فأنت تجد الشتيمة لأشخاص وجماعات. وتجد التهديد بالويل والثبور. وتجد كلمات نابية أو جنسية لا تتفق والأخلاق أو الذوق العام. وما يشجع الناس على الكتابة على الجدران هو الاختفاء بعد الكتابة وبقاء شخصياتهم مجهولة في معظم الأحيان. فقد ثبت من خلال البحوث، أن الناس تكون أكثر جرأة في طرح أفكارها وأشد حدة في نقد أفكار الآخرين، وأكثر استخداما للألفاظ النابية، عندما تكون غير معروفة الهوية. أما عندما تتقابل وجها لوجه، فإن الناس تكون أكثر تأدبا ودبلوماسية في طرح أفكارها، وتكون أكثر بعدا عن النقد الحاد أو استخدام الكلمات النابية. واليوم انفتحت للناس جدران إلكترونية متنوعة وممتدة امتداد الأفق. هذه الجدران موجودة على شبكة الإنترنت، وعلى الأخص في قنوات التواصل الاجتماعي، كـ «فيسبوك ويوتيوب وواتس أب، وتويتر». وهذه القنوات بلا شك، تمثل قفزة تكنولوجية، قدمت للبشرية فوائد كثيرة للتواصل والتعلم. ولا أحد يشك في فوائد الإنترنت المتعددة كمصدر ثري للمعلومات والمعرفة، وكوسيلة تربطك بالعالم وأحداثه على مدار الساعة. ولكن هناك بعض السلبيات تنشأ معظمها من إساءة استخدام هذه التقنية. فبعضنا يختفي خلف شاشات حاسباته وهواتفه النقالة ويتقيأ كل ما في أحشائه من فضلات على تلك الجدران التي يمر بها الناس. فقد تصبح الإنترنت أداة للتخلف بدلا من أن تكون أداة للمعرفة. فحيثما التفتّ يمنة أو يسرة، تجد مضارب لقبائلنا على الإنترنت. فهذه مضارب بني عبس. وتلك مضارب الأزد، وهنا مضارب الأوس، وهناك مضارب بني عبد القيس. أنا لست ضد إنشاء مواقع للقبائل للتعارف والتحاور والتواصل. ولكني على ثقة أن الأوطان لا تبنى على أساس قبلي أو مذهبى. وأن الأفضل منها أن نرى مواقع لاهتمامات تجمع كل المهتمين من أبناء الوطن. فهناك مواقع للمهندسين والأدباء والحرفيين والرسامين والفنانين والمحامين تتهافت إليها الناس من كل المشارب والمذاهب. والمفارقة هنا هي أننا نبني حصونا جديدة وقلاعا داخل تلك الحصون للتقوقع والتمترس داخلها، باستخدام أدوات وتقنيات وضعت في الأساس للتواصل المفتوح بين كل البشر. فهناك خلل خطير، حيث إن أغلب المحتوى الرقمي باللغة العربية على الإنترنت يتصف بالتزمت والانغلاق، ويتصف بعضه بالانفلات. فقد أصبحت التكنولوجيا المتقدمة جزءا من آلية لتكريس التخلف، لا البناء المعرفي. تفاجئك كل يوم رسائل تأتيك من خلال قنوات التواصل الاجتماعي. ضحلة الفكر ومكتوبة بلغة ركيكة ملؤها الأخطاء في الشكل والمحتوى، ومعدومة المصدر. وفي نهاية الرسالة يطلب منك المرسل أو منشئ الرسالة أن ترسلها لأكبر عدد عندك، بطريقة تشبه التهديد أو الترغيب، مثل: لا تجعلها تقف عندك، أو لا يفوتك أجر إرسالها. طبعا، خير تعامل مع هكذا رسائل هو أن تلقي بها في سلة المهملات، مهما دغدغت تلك الرسالة عواطفك. لكن قليلا منا يفعل ذلك. فالإنسان ربما يتشكك لو وجد مادة غير مقبولة على الإنترنت، ولكنه قد لا يفعل ذلك في قنوات التواصل الاجتماعي ذات الرسائل الفورية، لأن لها مصداقية أكبر، كونها تأتي من الأصدقاء الذين نثق بهم. جميل جدا أن نفكر قبل وضع الرابط أو المادة التي نريد أن نرسلها في فضاء الإنترنت، لئلا نقع في فخ تصديق الشيء فقط لأنه يناسب توجهاتنا أو رغباتنا، أو لأن شخصا قريبا منا يعتقد ذلك. فَلَو تحقق كل منا من صحة ما يضعه للناس ليقرؤوه. فلن يصبح فقط أكثر ثقافة وحكمة، ولكنه سيتجنب الحرج الذي قد يقع فيه نتيجة اكتشاف الناس بأن ما نشره ليس صحيحا. وتقدّر نسبة ما يقضيه الناس من وقت في قنوات التواصل الاجتماعي بأكثر من 54% من كامل الوقت على الإنترنيت. ولكم أن تتخيلوا إذا علمتم أن معدل الوقت الذي يقضيه مستخدم الإنترنت هو 4 ساعات و25 دقيقة في اليوم، مقدار الضرر الذي يحدث إذا كان بعض هذا الوقت يُقضى في تلويث الجدران أو قراءة ما كتب عليها من غث وهزيل، والرد بالتأييد أو السب فيما لا يفيد. إن هناك الآن نحو 20 مليون مستخدم للإنترنت في المملكة، جلهم من الشباب والأطفال. وتتصاعد أعدادهم بنِسَب مطردة سنويا. وفي غضون سنوات قليلة، سيُصبِح مجتمعنا رقميا بامتياز. ومن أجل حماية أبنائنا من العبث بصفحات الإنترنت، لا بد من الاهتمام ببناء عقولهم بما يفيد في التنمية، وبناء اقتصادنا المعرفي، والانفتاح على العالم. عندها فقط، سنكتب ما يستحق أن يقرأ.
مشاركة :