الأردن: أزمة تواجه الصحافة التقليدية في مواجهة الإعلام البديل

  • 6/7/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انعكس تراجع الأردن على مؤشر الحريات والديمقراطية من مرتبة «الحرية جزئياً» إلى مرتبة التصنيف «غير حر»، على واقع الإعلام المحلي. وحكمت مثل هذه التصنيفات على واقع الصحافة التقليدية اليوم بتراجع الثقة عند المتابعين، وبحث جمهور المتابعين عن البديل، في حين أن وسائل الإعلام التقليدية -وتحديداً الصحافة الورقية- تعيش أزمة مركّبة غير مسبوقة، تهدد العاملين في مؤسساتها بفقدان وظائفهم. بل أضحى مستقبل الإعلام التقليدي ضبابياً، لجملة من الأسباب أبرزها: أولاً تراجع الثقة، وثانياً تراجع نسبة المتابعة لوسائل الإعلام التقليدي التي تضم سلة الصحف الورقية والتلفزيونات المحلية والإذاعات، وثالثاً ارتفاع نسب المتابعة والإقبال على الصحف الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي المتخمة بآراء وتحليلات بسقف مرتفع. وتدعم الأخيرة ظاهرة «المواطن الصحافي»، ومنافسة محتوى الصحف الإلكترونية، وما ينشره الناشطون بحرية وجرأة على منصات التواصل الاجتماعي. ثم إن الصحافيين الأردنيين يعيشون أزمة مع إدارات وسائل الإعلام التقليدي التي يتوزّع ولاؤها بين سوق الإعلان، الرافد الوحيد لمداخيل الصحف الورقية والتلفزيونات والإذاعات -على سبيل المثال- وبين الامتثال لمراكز صناعة القرار، التي تفرض شكلاً من أشكال الرقابة المسبقة، وتتدخل في سياسة التحرير وشكل ومضامين التغطيات لأخبار محددة. وحقاً، تتعمّق أزمة الإعلام التقليدي، تحت وطأة التنافس المجحف مع مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت منابر إعلامية تمثل أفراداً لا مؤسسات... ويمارس أصحابها «النقد الحر» بسقوف مرتفعة، لا تتجاوز القانون وحسب، بل تتجاوز الأعراف والتقاليد المهنية التي لطالما تمسّكت بها المؤسسات حرصاً على عدم الملاحقة القانونية. وبالفعل، يشكل التواصل الاجتماعي الآن، في حد ذاته، إعلاماً بديلاً يحظى بمتابعة الملايين في الأردن. ووسط غياب قانون ينظّم عمل منصاته، وجد سوق الإعلان في تلك المنصات جدوى اقتصادية بـانخفاض تكاليف الإعلان فيها، وسهولة الوصول إلى المتابعين عبرها. ولكن، جاء هذا الأمر على حساب حصة الصحف الورقية والتلفزيونات والإذاعات المحلية -وحتى الصحف الإلكترونية- من سوق الإعلان. تراجع ملحوظ للحريات تقول هديل غبون، عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، إن «الإعلام الأردني اليوم في المجمل يشهد حالة من التراجع الملحوظ على مستوى مؤشرات الحريات. وهو منذ نحو سنتين عالق بأزمة جائحة (كوفيد – 19) ووفق عدة مؤشرات دولية سجل الأردن تراجعاً بدرجتين، حسب تقرير (مراسلون بلا حدود) لعام 2021، وأيضاً انتقل الأردن من (دولة حرة جزئياً) إلى (دولة غير حرة) حسب تقرير منظمة (فريدوم هاوس) الأحدث». وحول ما يتعلق بالمحتوى والشكل والتأثير لوسائل الإعلام، تؤكد غبون –وهي صحافية في جريدة «الغد» اليومية السياسية المستقلة- أن «الصحف الورقية تمرّ بأزمة مركّبة بسبب تعثرها المالي، ما انعكس على جودة المحتوى من جهة، وعلى الشكل من جهة أخرى. إذ يسيطر الخبر الرسمي والرواية الرسمية على المحتوى بسبب الرقابة والضغوط، بالإضافة إلى اعتماد الصحف الورقية على الإعلان الحكومي والرسمي كإيرادات أساسية». في الوقت عينه تشير غبون إلى أن بعض صحف القطاع الخاص «استطاعت أن تقدم نموذجاً لإعلام تقليدي وراقٍ مع شكل حداثي ومواكب لثورة (السوشال ميديا). وفي كل الأحوال فإن جميع الوسائل التقليدية اليوم تخصص منصات رقمية موازية لمواكبة التطور. وبالنتيجة، فإن الأداء متفاوت، وثمة مَن يقدّم محتوى أصيلاً ومعمّقاً. أما عن التلفزيونات فلا توجد اليوم نقلة كبيرة في المحتوى. قد يكون هناك نقلة على مستوى الشكل لكن لا توجد صناعة خبر بل متابعة له. وفي المقابل، نجد أن المواقع الإلكترونية أخذت حيزاً من الخبر اليومي وهي تحاول أن تقدم محتوى أصيلاً». وبالتالي، فالمشكلة الأساسية من وجهة نظر غبون، حالياً، تبقى «الرقابة على الإعلام بعدة أشكال، وحجب المعلومة ومنع تدفقها والتدخلات غير المباشرة، وامتلاك الدولة أذرعاً إعلامية عديدة وحديثة من شأنها أن تسيطر عبرها أيضاً على الإعلام». أزمة مهنة ومهنيين من جهته، يرى محمد الطراونة، مدير تحرير صحيفة «خبرني» الإلكترونية المحلية، أن الأردن «ليست أفضل حالاً من دول المنطقة بشكل عام بخصوص الحريات الصحافية والقيود المفروضة عليها، سواءً كانت سياسية أو تجارية، وذلك بسبب القيود التي تفرضها الشركات المعلنة على المواقع». ثم يستدرك فيقول: «لكن هناك مساحة يستطيع الصحافي الأردني المراوغة بها والاشتباك معها بحدود، وسط غياب رمزية الصحافة التي كانت تُعرف قديماً بـ(حرية سقفها السماء)...». وحسب الطراونة، الذي يدير محتوى صحيفة إلكترونية تحظى بانتشار واسع محلياً، فإن «أهم تحدٍّ يواجه الإعلام المستقل بشكل عام، والصحف الإلكترونية الأردنية بشكل خاص، هي الاستمرارية وسط شحّ الإعلانات التجارية التي من شأنها تأمين مصاريف المواقع الإلكترونية... كي تتمكن من مواصلة المنافسة والحصول على الأخبار والسبق الصحافي بشكل يمنحه حقه في البقاء على الساحة، وتطوير محتواه». ويلفت الطراونة إلى منافسة التواصل الاجتماعي لوسائل الإعلام في جذب سوق الإعلان الذي وجد في تلك المنصات فرصاً لتوفير مئات الدنانير والوصول لملايين المشتركين. ويضيف أن الصحف الإلكترونية «تحاول مواكبة تطور التكنولوجيا، من خلال تعزيز صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفتح (تطبيق) إخباري مستقل خاص بالهواتف النقالة، واللجوء إلى الفيديوهات القصيرة لإيصال الخبر بشكل يتواءم مع طرق تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ولسهولة مشاهدتها أيضاً عبر تطبيق (واتساب)...». ويشير إلى أنه «لا يخفى اليوم على أحد أن الإعلام الحديث والرقمي قلّص كثيراً نفوذ وانتشار الإعلام التقليدي الرسمي وشبه الرسمي. وما عاد بالاستطاعة الآن وضع (قفل على السماء)، وانتظار الإعلام الورقي لنشر الخبر في عدد اليوم التالي لحدث آنيٍّ، أو حتى انتظار بث الخبر على نشرات التلفزيونات الرسمية، فهذه الخاصية أصبحت حصرية للإعلام الرقمي الحديث، لأن ما يهم جمهور الرأي العام لا يستطيع الانتظار لوقت محدد». ثورة الإعلام الرقمي محمد الخمايسة، المذيع في قناة «المملكة» المحلية وصانع المحتوى لبرامج تفاعلية على منصات التواصل الاجتماعي، أيضاً يؤكد تفاقم المشكلة التي تواجه الصحافة الورقية منذ سنوات في عدد من الدول، ويربط ذلك بالنتيجة الحتمية لظهور شبكة الإنترنت وثورة الاتصال والمعلومات. ويرى الخمايسة، الذي أنتج وقدم طبعة مختلفة لبرنامج «آت جو» على شاشة المملكة (قناة خدمة عامة ممولة حكومياً)، أن «المشكلة عالمية، ولها ظروفها المختلفة. وعندما نتحدث عن الظروف فإننا نقصد العوامل المحيطة بالصحافة كمهنة، من حريات وقنوات معلومات وإرادات سياسية مقتنعة تتيح المجال للإعلام كشريك رئيسي ولاعب أساسي في المشهد العام. وكل هذه العوامل تشكل مجتمعة عوامل حل لما تواجهه الصحافة من عقبات في مسيرة التحوّل الرقمي». ويضيف الخمايسة أن «النوع الجديد من الصحافة، الذي اكتسب أهمية بالغة منذ ظهوره في أوائل تسعينات القرن العشرين، هو نتاج تغير السلوك الاستهلاكي للقراء، وظهور جيل جديد يميل للتعامل مع الأجهزة الذكية والإنترنت... بعيداً عن الصحف الورقية. وهذا أمر طبيعي، فالإعلام الرقمي سريع في نقله للمعلومة وأكثر إبهاراً في طريقة عرضها. ويتيح للمتلقي متابعة الأحداث لحظة حدوثها وينقل المعلومات بالصوت والصورة بشكل آنيّ بعكس الصحيفة الورقية التي تكون فقدت السبق الصحافي». من ناحية أخرى، يقول الخمايسة: «إننا اليوم نشهد انتشاراً واسعاً لشبكات الاتصال، الذي يرافقه انخفاض في تكاليف الاستخدام والتواصل، ما يعني -بدهياً- ارتفاع أعداد المستخدمين، ولذا تسعى المؤسسات الصحافية إلى استنساخ مواقع إلكترونية لصحفها الورقية». ثم يطرح الخمايسة أسئلة عن مساحات التحول ومدى سهولته ومستوى الإتاحة؟ وما العوامل التي تحيط به؟ ويقول: «لربما هذا هو الجدل القائم اليوم؛ مَن المسؤول عن تعسّر ولادة النسخ الإلكترونية من رحم الصحف الورقية؟». ويتابع أنه من فئة عمرية شابة تفتّح وعيها من الأساس على واقع إلكتروني لا تجد صعوبة من الناحية الفنية في التعاطي معه، بعكس أجيال وأقلام لا تعوزها المهنية تدير اليوم مؤسسات عريقة. إلا أن هذه الأجيال تعاني ما تعانيه من مشكلات مادية، وتطوّقها تشريعات وقوانين صوغت من الأساس لتحاكم وتحاكي الصحافة الورقية. وتتفاقم الأزمات في التحول الإعلامي من التقليدي إلى الرقمي -حسب الخمايسة- مع بروز ظاهرة «المواطن الصحافي»، وهي ظاهرة دفعت المؤسسات للسؤال عن حجم الموارد المطلوبة لمجاراة جميع الأحداث المحلية، حيث صار شاهد العيان ينافس أعرق المؤسسات الإعلامية التي تمتلك أعظم الموارد... متسلحاً فقط بكاميرا هاتفه ومنبره على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

مشاركة :