بعد 15 عاماً كمدير فني للمنتخب الألماني، ستكون نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020 هي البطولة الكبرى السابعة والأخيرة ليواخيم لوف. ولا توجد هناك حاجة الآن لكي ينظر لوف إلى الخطط المستقبلية للمنتخب الألماني، ويتلخص هدفه الوحيد الآن في تحقيق أفضل نتيجة ممكنة في الوقت الحاضر وإنقاذ سمعة «الماكينات الألمانية» التي تضررت بشدة في نهائيات كأس العالم الأخيرة بروسيا. لقد قاد لوف منتخب بلاده للفوز بلقب كأس العالم، وساعد في الإشراف على التحول الهائل الذي طرأ على طريقة لعب المنتخب الألماني، وبالتالي فهو يستحق تقديراً هائلاً وإشادة كبيرة. لكنه قاد ألمانيا أيضاً لتحقيق أسوأ نتائج لها في كأس العالم منذ أكثر من ثمانية عقود، وبالنظر إلى القدرات والإمكانيات الهائلة للاعبين المتاحين، من الصعب تجنب الشعور بأنه لم يقم بعمله على أكمل وجه خلال السنوات الأخيرة. وسوف تساعد النتائج التي سيحققها منتخب ألمانيا في كأس الأمم الأوروبية 2020 في تحديد طبيعة الإرث الفوري الذي سيتركه لوف قبل رحيله، لكن من الواضح أنه يحتل مكاناً غامضاً بشكل غريب في تاريخ كرة القدم. لقد كانت كأس العالم 2006 محورية بالنسبة لألمانيا، التي تخلت عن كرة القدم القديمة والمعارك الفردية ولعبت بطريقة جديدة تعتمد على دفاع المنطقة والضغط العالي على حامل الكرة والاعتماد على أربعة لاعبين في الخط الخلفي، وبالتالي أصبح المنتخب الألماني يقدم كرة قدم أكثر متعة وإثارة. ويمكننا أن نقول إن هذه كانت «ألمانيا جديدة» رغم خروجها من الدور نصف النهائي، وكان يورغن كلينسمان هو الذي يتولى الإدارة الفنية، لكن مساعده، يواخيم لوف، كان هو العقل المدبر لكل شيء. وفي عام 2010 أصبح المنتخب الألماني خطيرا للغاية في الهجمات المرتدة السريعة، وكان يتحول إلى وحش شرس يلتهم الفرق المنافسة إذا بادر هو بتسجيل الأهداف، كما حدث أمام إنجلترا والأرجنتين عندما فاز على كل منهما برباعية، لكنه يكون أقل في المستوى إذا تأخر في النتيجة، كما حدث أمام صربيا. لكن من سوء حظه أنه واجه منتخب إسبانيا القوي في الدور نصف النهائي ليخسر أمامه بنتيجة هدف مقابل لا شيء، وكان قد خسر أيضا أمام إسبانيا في نهائي كأس الأمم الأوروبية 2008. ومع ذلك، كان من المفهوم والطبيعي أن تخسر ألمانيا أمام المنتخب الإسباني، الذي يعد أفضل منتخب في كرة القدم في العصر الحديث، لكن لوف شعر أن كرة القدم تتغير. وبحلول نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2012، حاول لوف الاعتماد على نهج أكثر تقدماً، وبذلك تخلى عن القاعدة الدفاعية التي عززت تقدم ألمانيا في كأس العالم 2010، وهو الأمر الذي استغله مهاجم المنتخب الإيطالي ماريو بالوتيلي في مباراة الدور نصف النهائي. إن هذا التوتر الناجم عن الرغبة في التطوير وبين الرغبة في الاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة في عام 2010 هو الذي حدد هوية المنتخب الألماني منذ ذلك الحين. وفي كأس العالم 2014 بالبرازيل، عانت ألمانيا أمام كل من غانا والجزائر، ثم قرر لوف تغيير طريقة اللعب والتفاعل بشكل أكبر مع المباريات. وكانت النتيجة الفوز بلقب المونديال، بعد الفوز مرتين بهدف دون رد في المباريات الإقصائية، ثم الفوز على البرازيل بسبعة أهداف مقابل هدف وحيد في الدور نصف النهائي، بعد أداء دفاعي كارثي من المنتخب البرازيلي، خاصة في الشوط الأول. وبحلول نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2016 كان المنتخب الألماني قد عاد مرة أخرى للاعتماد على الضغط العالي، وبدأ يعاني مرة أخرى من العديد من النقاط السلبية في النواحي الدفاعية. ثم جاء النجاح الذي عقد الأمور تماما، عندما قاد لوف فريقاً شاباً للغاية للفوز ببطولة كأس القارات عام 2017 في روسيا بعد تقديم كرة قدم ممتعة ومثيرة للغاية. لقد كانت الطريقة التي قامت بها القوى الأوروبية الغربية الكبرى - ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، وحتى إنجلترا - بإنتاج عدد كبير من الشباب الموهوبين سمة من سمات العقدين الماضيين، وبدا هذا دليلاً على القوة الكبيرة التي تمتلكها هذه المنتخبات وعلى البدائل الهائلة التي تملكها في كل مركز داخل الملعب. لكن بحلول كأس العالم 2018، عاد لوف للاعتماد على الحرس القديم وطريقة اللعب القديمة، ولم ينجح في إيجاد حلول للمشاكل الدفاعية، وعانى كثيرا في الهجمات المرتدة أمام المكسيك وكوريا الجنوبية لكي يودع المونديال من دور المجموعات لأول مرة. وكانت هناك تقارير تشير إلى وجود انقسامات في المعسكر الألماني بين لاعبي بايرن ميونيخ من جهة وباقي اللاعبين من جهة أخرى، كما كان هناك شعور عام بعدم الرضا من أنه لم يتم دمج اللاعبين الشباب كما ينبغي. وكان رد الفعل من جانب لوف يتمثل في الإعلان عن أنه لن يضم جيروم بواتينغ أو توماس مولر أو ماتس هوملز مرة أخرى، لكن ذلك لم يساعد في حل المشكلات الأساسية التي يعاني منها الفريق. وعانى المنتخب الألماني في بطولة دوري الأمم الأوروبية وكان يواجه خطورة كبيرة في الهجمات المرتدة بسبب اعتماده على الضغط العالي ووجود مساحات واسعة خلف خط الدفاع، وبالتالي هبط من المستوى الأول. وخسر منتخب ألمانيا أمام نظيره الإسباني بستة أهداف نظيفة في النسخة الثانية من المسابقة. وبعد ذلك، تعادلت ألمانيا بنتيجة ثلاثة أهداف لكل فريق أمام كل من تركيا وسويسرا، ثم خسرت على ملعبها أمام مقدونيا الشمالية في تصفيات كأس العالم بنتيجة هدفين مقابل هدف وحيد في مارس (آذار)، رغم وجود جيل موهوب للغاية من اللاعبين. وبالتالي، تدخل ألمانيا نهائيات كأس الأمم الأوروبية ولديها شعور هائل بعدم اليقين. ربما أدت معرفة لوف بأنه سيترك منصبه هذا الصيف إلى مزيد من الوضوح بالنسبة له، حيث لم يعد بحاجة للتفكير في كأس العالم في قطر العام المقبل. لقد أعاد ضم كل من مولر وهوملز، وهو ما يعد بمثابة اعتراف بالخطأ الذي ارتكبه قبل ثلاث سنوات - ليس بالضرورة في استبعادهم، ولكن في التصريح على الملأ بأنه لن يستدعيهما مرة أخرى. لكن مولر وهوملز لم يكونا الاختيارين الوحيدين اللافتين للنظر. وتواجه ألمانيا مشكلة في مركز الظهير منذ اعتزال فيليب لام (حتى في 2014 انتهى به الأمر بالاعتماد على بينيديكت هوفيديس في مركز الظهير الأيسر، رغم أن مركزه الأصلي هو محور الارتكاز). ونظرا لأن روبن غوسينز ومارسيل هالستنبرغ لا يقدمان مستويات مقنعة - رغم وجود كليهما في قائمة الفريق - فقد استدعى لوف الظهير الأيسر لنادي فرايبورغ، كريستيان غونتر، البالغ من العمر 28 عاماً، والذي لم يلعب سوى مباراة دولية واحدة، عندما شارك كبديل في المباراة الودية أمام بولندا قبل سبع سنوات، وهو ما يؤكد على أن لوف قد اختار هذه القائمة وفقا للتفكير في الوقت الحالي، وليس للمستقبل، نظرا لأنه سيرحل عن الفريق بعد البطولة. وكانت المفاجأة الأخرى تتمثل في اختيار المهاجم كيفن فولاند، الذي لم يلعب أي مباراة دولية مع منتخب ألمانيا منذ ست سنوات. ربما يعكس ضمه الحاجة الملحة لوجود مهاجم صريح تقليدي، خاصة في ظل تراجع مستوى تيمو فيرنر وإهداره الكثير من الكرات السهلة أمام المرمى. إن ضم لوف لأربعة لاعبين لم يلعب أي منهم دقيقة واحدة تحت قيادته على مدار آخر ثلاث سنوات يعكس مدى سوء تخطيطه. إن أي مدير فني يفوز بكأس العالم يكون محصنا إلى حد كبير من الانتقادات، لكن الشعور بأن لوف ظل في منصبه لفترة أطول من اللازم يمكن أن يؤدي بسهولة إلى شيء سلبي. قد يواجه المنتخب الألماني مشكلة في مركز أو مركزين، لكنه في حقيقة الأمر يضم كوكبة من اللاعبين الموهوبين للغاية، وبالتالي لا يتعين على لوف إلا أن يفكر مليا في كيفية استغلال قدرات وإمكانيات هؤلاء اللاعبين!
مشاركة :