وصف عددٌ من المختصين والأكاديميين الاستراتيجية التي أعلنت عنها هيئة الأدب والنشر والترجمة؛ بأنها تأطير للأبعاد التطويرية والتنظيمية لبناء قطاع الترجمة الواعد، مشيرين إلى أهمية هذا المجال لكونه يحقق المقاربة الحضارية في التجربة الإنسانية، وعنصراً متيناً يربط بين مختلف الثقافات، كما أكدوا أن العائد الذي ستجنيه الثقافة المحلية من استراتيجية الهيئة سيكون داعماً لنموها وازدهارها، وأن الترجمة تعد ضرورة لإبراز ما يحتويه الوطن العربي من مشارب معرفية تستحق الاحتفاء. ازدهار معرفي أشادت مديرة مركز الترجمة المكلف الدكتورة دانية العباسي باستراتيجية هيئة الأدب والنشر والترجمة، لما احتوت عليها من أهداف رامية إلى توسيع نشاط الترجمة وتطويره، وأكملت: “تكمن أهمية الاستراتيجية حول حرصها على زيادة نطاق الترجمة، وذلك بنقل معظم ما يصدر باللغات الحية إلى اللغة العربية؛ لتمكين شباب الأمة العربية والإسلامية من استيعاب ما يصدر من جميع أنحاء العالم، من خلال الترجمة التي تمثّل أحد أهم الروافد الحضارية، الأمر الذي سيسهم في نقل الأبحاث والدراسات والاكتشافات والاختراعات من ثقافة إلى أخرى”. وأضافت: “تشهد الترجمة اهتماماً كبيراً في المملكة في الوقت الراهن، ويظهر ذلك باستحداث أقسام خاصة بالترجمة، وتخصيص كليات ومراكز متكاملة للغات والترجمة، وفي الآونة الأخيرة أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة عدة فعاليات وبرامج تخص قطاع الترجمة لتنظيمه والعمل على ازدهاره؛ في ظل إدراك المملكة أن الترجمة تعد أداة رئيسة في تفعيل الاتصال ونقل المعرفة وإثراء التبادل الفكري”. وشددت العباسي على موجب تسليط الضوء على إبداعات الكتّاب السعوديين، والتعريف بالمشهد الثقافي والعلمي السعودي عن طريق ترجمة الأعمال الجيدة وتقديمها بلغات عالمية، وقالت: “تفتح الترجمة نوافذ المعرفة أمام القارئ في كل مجالاتها وأقطارها ولغاتها، بعيداً عن هيمنة لغة واحدة أو الاقتصار عليها، وتأكيداً لمبدأ التنوع الثقافي الخلاق، ولعل هذا التلاقح الذي تحدثه الترجمة يعد ثمرة من ثمرات الإنجازات المعرفية المطلوبة بين الثقافات”. مشروع وطني من جهته، أشار عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود الأستاذ عبدالله الأسمري إلى أن الفنون والآداب تُعد من أقدم الوسائل وأكثرها فعالية في نشر الإرث الثقافي والفني لمجتمع بعينه، وقال: “منّا من لم يزر بلاداً مثل روسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية، ولكننا قرأنا عنها الكثير في أدب تولستوي ودوستويفسكي، وجيمس جويس، وكافكا وغيرهم، لدينا كتّاب وأدباء وشعراء وروائيون، وكتّاب قصص يمكن ترجمة أعمالهم إلى لغات العالم الحية والمؤثّرة، وتوزيع تلك الأعمال على منصات ثقافية مثل المكتبات العامة، والتجارية ودور الفنون والجامعات؛ ليطلع عليها القراء هناك ويقفوا على الثراء الفني والأدبي لدينا”. وأشاد الأسمري بالدور الريادي الذي تصدرته المملكة لخدمة اللغة العربية من خلال الترجمة، وجهودها المبذولة في هذا الشأن، وقال: “نتطلع لتقديم المزيد من العطاء في هذا المجال بما يتناسب مع مكانة المملكة الثقافية والاقتصادية، فمراكز الترجمة بحاجة إلى معالجة سوء التوزيع والتسويق للكتب المترجمة؛ ما يدعو إلى ضرورة تدشين مشروع وطني للترجمة ليساهم في نشر الثقافة المحلية إقليمياً وعالمياً، لتصل إلى أكبر عدد من القراء المهتمين لتلقف الأعمال الإبداعية العربية المترجمة شريطة أن تُترجم بطريقة جيدة، فالمجتمع العربي بحاجة إلى تقديم صورة تعبرّ عنه إلى العالم، والطريقة المثلى لذلك هي الترجمة المحكمة التي تنتقي النصوص، وتترجمها وتوزعها وتروّج لها”. طاقات محلية في ذات السياق يرى الأكاديمي والروائي الدكتور طارق الحيدر أن المملكة تعد الحجر الأساس إقليمياً في المجال الثقافي بوجه عام، واللغة العربية وترجمتها بوجه خاص، وأبان: “لا ننسى أن في يوم الترجمة العالمي أعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة عن مبادرة “ترجم” والتي تعد خير برهان على اهتمام المملكة ممثلة بوزارة الثقافة وهيئاتها بقطاع الترجمة، لخصوصية ما تحمله من تبادلٍ معرفي وتواصلٍ ثقافي بين الشعوب”. وأشار الحيدر إلى أن الأدب السعودي غني بأسماء تعد من رموز الأدب العربي، مؤكداً بأن ترجمة الأعمال السعودية إلى لغات مختلفة سيترك أثراً إيجابياً عن المجتمع السعودي، ويعزز سبل التفاهم بين المملكة والثقافات الأخرى، واختتم حديثه:” نملك قامات ومواهب سعودية، منهم كتّاب وكاتبات حازوا على جوائز إقليمية، والآن مع الجهود المبذولة من وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة في سبيل تطوير هذا القطاع ستنهض الطاقات الكامنة لدينا بما يعود بالثراء الأدبي على الثقافة السعودية”.
مشاركة :