غزة - عكس الردّ الإسرائيلي السريع على إطلاق بالونات حارقة من قطاع غزة، توجّه الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة اليميني نفتالي بينيت نحو تبني سياسة أكثر تشددا في التعاطي مع الجيب الفلسطيني المحاصر، واستعادة “الردع”، الذي تقول دوائر وأوساط إسرائيلية إنها فقدته خلال السنوات الأخيرة من حكم رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. وقصف سلاح الجوّ الإسرائيلي فجر الأربعاء عدة مواقع لحركة حماس في القطاع، في أول مواجهة خطرة بين الطرفين منذ انتهاء الحرب الخاطفة بينهما في مايو الماضي. وجاء القصف بعد ساعات قليلة من تنصيب الحكومة الجديدة برئاسة وزير الدفاع السابق بينيت، والذي لطالما شدّد على وجوب تغيير المقاربة في التعاطي مع حماس التي تسيطر على القطاع منذ العام 2007. وقالت مصادر أمنية فلسطينية إنّ طائرات حربية إسرائيلية قصفت موقعا واحدا على الأقل في شرق مدينة خان يونس في جنوب القطاع الفقير والمحاصر والذي دمرت فيه نحو ألف من الشقق والمكاتب والمحال التجارية خلال الحرب الأخيرة والرابعة مع إسرائيل منذ 2008. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أنّ مقاتلاته “أغارت على مجمّعات عسكرية تابعة لحماس استخدمت كمعسكرات ومواقع لالتقاء نشطاء إرهابيين في لواء خان يونس ولواء غزّة”، موضحا أن الغارات جاءت “ردّا على إطلاق بالونات حارقة من قطاع غزة نحو الأراضي الإسرائيلية”. وحمل حركة حماس “مسؤولية ما يجري داخل القطاع”، محذرا من أنّه “مستعدّ لكافة السيناريوهات بما فيها تجدّد القتال في مواجهة استمرار الأعمال الإرهابية”. وهذه الضربات والبالونات الحارقة هي أول مواجهة كبيرة بين إسرائيل وغزة منذ وقف إطلاق النار في 21 مايو الذي أنهى أحد عشر يوما من حرب خاطفة قتل فيها 260 فلسطينيا بينهم أطفال وفتية ومقاتلون، بينما سقط 13 قتيلا في إسرائيل بينهم طفل وفتاة وجندي. وجاءت الغارات على غزة بعد انتهاء مسيرة لليمين المتطرف شارك فيها الثلاثاء أكثر من ألف شخص في القدس الشرقية وسط انتشار أمني كثيف. ولم تتخلل التظاهرة صدامات كان يُخشى أن تؤدي إلى تجدد المواجهات بين الفصائل وإسرائيل. وكانت حماس التي جعلت من “الدفاع” عن القدس معركتها في الأسابيع الأخيرة، هدّدت إسرائيل بالانتقام إذا دخلت هذه المسيرة الأحياء الإسلامية في البلدة القديمة. ويحيي الإسرائيليون في “مسيرة الأعلام” ذكرى “يوم القدس”، ويرمز إلى احتلال إسرائيل للجزء الشرقي من المدينة المقدسة وضمه في 1967 في خطوة غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي. الرد السريع على إطلاق بالونات حارقة من غزة، يعكس تبني حكومة نفتالي بينيت سياسة أكثر تشدّدا حيال الجيب المحاصر وفي نهاية المسيرة، توجه المتظاهرون بمن فيهم إيتمار بن غفير وبيتسالئيل سموتريتش وهم من ممثلي اليمين المتطرف، إلى الساحة الواقعة أمام باب العمود والمطلة على الحي الإسلامي في البلدة القديمة حيث تقع باحة الأقصى. وردّد المتظاهرون الذين رفعوا أعلاما إسرائيلية “الشعب الخالد لا يخشى طريقا طويلا”، كما ردّدوا هتافات من قبيل “الموت للعرب”. ودعت الولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى “ضبط النفس” قبل المسيرة المثيرة للجدل التي سمحت بها الحكومة الإسرائيلية الجديدة وحدّدت مسارها لتجنب مواجهات مع الفلسطينيين. وبدأت الجولة الأخيرة من المواجهات بين إسرائيل وحماس في 10 مايو وهو اليوم الذي كان من المقرر أن تنظم فيه هذه المسيرة التي جرى تأجيلها بعد اشتباكات عنيفة في ساحة المسجد الأقصى بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية. وأعلنت حماس “تضامنها” مع المئات من الجرحى الفلسطينيين في الصدامات وأطلقت وابلا من الصواريخ باتجاه البلدات الكبيرة في إسرائيل التي ردت بضربات عنيفة في بداية هذه الحرب التي استمرت أحد عشر يوما وانتهت بوقف إطلاق نار تم التوصل إليه بوساطة مصرية. وبعد الحرب بين حماس وإسرائيل، خاض اليمين المتطرف الإسرائيلي حملة تعبئة من أجل تنظيم المسيرة مجددا على الرغم من دعوات إلى إلغائها أطلقها نواب من عرب إسرائيل وحتى من رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الذي حذر من “تداعيات خطيرة” لها. ويرى مراقبون أن موافقة الحكومة الجديدة على تلك المسيرة، وما أعقبها من استهداف لمواقع في غزة ردا على البالونات، يشكلان رسالة لحماس من مغبة المخاطرة في الإقدام على أي تصعيد، حيث أنها لن تجد في الضفة المقابلة ما كان يتوفر لها خلال حكم نتنياهو. ولطالما أثار تعاطي نتنياهو مع حماس، استياء القوى اليمينية وحتى تلك التي توصف بالوسطية في إسرائيل، وشكل سماح نتنياهو لقطر بدعم الحركة ماليا لضمان التهدئة إحدى نقاط التحفظ والتي اعترفت الحكومة السابقة بأنها كانت على خطأ كبير بشأنها. ويشير المراقبون إلى أن عدم توجيه حماس أي رد على القصف الأخير، واقتصارها على بالونات حارقة في ردها على المسيرة، كان محاولة منها لجس نبض حكومة بينيت، لكن يبدو أن الرسالة وصلت سريعا إلى الحركة.
مشاركة :