«الحسابات الخاطئة» يتقصى تجربة «الإخوان المسلمين»

  • 6/18/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أصدر معالي الدكتور جمال سند السويدي نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية كتابا يقدِّم دراسة مُعَمَّقَة لتجربة «جماعة الإخوان المسلمين» في دولة الإمارات، ويغطّي فراغًا بحثيًّا كبيرًا بشأن هذا الموضوع، فضلًا عن الحديث الشفهيّ الذي دار، ولا يزال، حول «جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي»، التي استغلَّت البيئة السياسية والاجتماعية على مدار ثلاثة عقود في التمدُّد، حتى ظنت أن ساعدها قد اشتدَّ، وانتظرت أيَّ أزمة كي تعلن نيَّاتها الحقيقية، لكنَّ هذا لم يتحقق لها. ويركّز كتاب «الحسابات الخاطئة» على نشأة جماعة الإخوان المسلمين وتاريخها في دولة الإمارات، مستهدفًا دراسة ممارساتها، وتشريح سلوكاَّتها ورؤاها الفكرية والسياسية، منطلقًا من أن أفكار جماعة الإخوان المسلمين لا تعبّر عن الإسلام. ويهدف الكتاب إلى إثبات أن أحد أهم أسباب تدهور جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي هو حساباتهم الخاطئة، وعدم امتلاكهم رُّؤى سياسية واقعية للتعامل مع متطلَّبات القيادة والحكم. النشأة والتأسيس ويستعرض السويدي، في الفصل الأول من الكتاب، تاريخ جماعة الإخوان المسلمين من حيث النشأة والتأسيس والانتشار، كما يناقش أهداف الجماعة، ووسائلها لتحقيق هذه الأهداف، وفكرها، ومنهجها، ورؤيتها لنظام الحكم بشكل عام، وموقفها تجاه الأحزاب والشورى والديمقراطية، وصولًا إلى مشاركة الإخوان المسلمين في السياسة، وانخراطهم في مؤسسات سياسيَّة مثل المجالس النيابية والتشريعية والتنفيذية. كما يستعرض الفصل التجربة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في دول عربية وإسلامية عدَّة، ليختبر صحة الافتراض القائل إن «جماعة الإخوان المسلمين قد أثبتت فشلها في الحكم». جمال سند السويدي جمال سند السويدي ويخلُص الفصل إلى أن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين يتضمَّن بونًا شاسعًا بين المبادئ والتطبيق، وبين المثاليَّة الخطابيَّة والانتهازيَّة التنفيذيَّة، فالجماعة لم تتوانَ عن استغلال معطيات الواقع للسعي وراء أهدافها من دون أيّ قراءة حصيفة للمتغيرات المحيطة بها، وتُراهِن على المهارات الخطابية لرموزها وقياداتها في اللعب على المشاعر من دون عمل جادّ واقعي. أما فيما يتعلَّق بالتجارب السياسيَّة للجماعة، فيخلص الفصل إلى وجود تباينات في أدائها السياسي بحسب ظروف كل دولة، ومتغيرات البيئتين الداخلية والخارجية. ولكنَّ حكمَ جماعة الإخوان المسلمين في مصر انطوى على فشل جليّ، وهو التجربة السياسيَّة الوحيدة للجماعة التي أُسدِل الستار عليها نهائيًّا عقب ثورة الشعب المصري عليها في الثلاثين من يونيو 2013، وإطاحة حكم محمد مرسي. وستفرز تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر تحديدًا، وما آلت إليه الأمور، نتائج بعيدة المدى بالنسبة إلى مسيرة الجماعة، كونها حدثت في الدولة التي شهدت تأسيس الجماعة الأم وتمدُّدها، فضلًا عن كونها تجربة ذات بعد استثنائي قياسًا على أنها جرت في أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان. وقد انطوت التجربة السياسيَّة المصريَّة لجماعة الإخوان المسلمين على براهين واضحة تعكس تدنّي قدرات الجماعة، ليس على مستوى القيادة والتخطيط وإدارة شؤون الدول فقط، بل افتقارها إلى الكفاءات التي يمكن إسناد المناصب إليها من دون قلق على مصائر الدول. الإرهاصات الأولى وفي الفصل الثاني من الكتاب يعود السويدي إلى فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ليتتبَّع الإرهاصات الأولى لنشأة جماعة الإخوان المسلمين في دولة الإمارات، وشَهْرِها رسميًّا في عام 1974 باسم جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في إمارة دبي، وإنشاء فروع لها في إمارَتَي رأس الخيمة وعجمان تحت شعار العمل الخيري الاجتماعي، في حين لم يُسمَح لها بإنشاء فروع في إمارتي الشارقة وأبوظبي. ويورِد المؤلف أسماء أهم مَن أسهموا في نشأة الجماعة وتعزيز حضورها في دولة الإمارات، والذين كانوا في معظمهم من خارج الدولة. أمَّا الدعم المالي لجماعة الإخوان المسلمين، فجاء في البداية من الحكومة، ومن رجال الأعمال، ووجهاء المجتمع، ومن شيوخ الدين، وقدَّمت جمعية الإصلاح الكويتية الدعمين المادي والمعنوي. وفي الفصل الثالث يبيّن معاليه كيف حاولت جماعة الإخوان المسلمين إطاحة حكومة دولة الإمارات، مستغلَّة أحداث الربيع العربي، وعريضة مارس 2011، حيث اعتقدت الجماعة أنه حان الوقت لإطاحة حكومة دولة الإمارات، والاستيلاء على السلطة والحكم، مقتديةً بجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس، وهو ما اتضح لاحقًا أنه اعتقاد واهِمٌ، فقد راهن الإخوان المسلمون على الضغط على أبناء الشعوب العربية والإسلامية من خلال حاجاتهم الأساسية ومشكلاتهم المتمثلة في الغذاء والفقر والمرض والجهل، وقد نجح ذلك في دول نامية، ولكنه لم ينجح في مجتمعات دول الخليج العربية، التي تتميز بالوفرة المالية، ونظام الرعاية الاجتماعية. وفي الفصل الرابع يستعرض السويدي كيف سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على المفاصل الحيوية للعملية التعليمية في دولة الإمارات من خلال السيطرة على وزارة التربية والتعليم والمناهج الدراسية، والسيطرة على جامعة الإمارات العربية المتحدة، واحتكار نظام البعثات التعليمية في الدولة، بهدف السيطرة على المجتمع وقِيَمه. أوهام خالصة ويخلص معاليه إلى أن حسابات جماعة الإخوان المسلمين في دولة الإمارات خاطئة جدًّا، حيث اعتقدت أن نجاح جماعة الإخوان المسلمين المصريَّة فيما يُسمَّى الربيع العربي، ووصولها إلى الحكم عام 2012، هما البداية لتولّي الجماعة السلطة والحكم في جميع الدول، ومنها دولة الإمارات، وقد كان الإخوان المسلمون في دولة الإمارات يقولون كذبًا إن للجماعة شعبيةً كبيرةً بين الشعوب العربية، وإنها البديل الشرعي لأنظمة الحكم السياسية في العالم العربي. وليس هناك من دليل على إخفاق جماعة الإخوان المسلمين أوضح من تراجع معدلات شعبيتها، بل انهيارها في السنوات الأخيرة في العالمَين العربي والإسلامي. كما أن جماعة الإخوان المسلمين لا تملك حلولًا حقيقيةً واقعيةً للمشكلات التي تواجه مجتمعاتها، فعلى الرغم من الشعارات الرنَّانة التي تلعب على وتر التديُّن الظاهر في المجتمعات العربية والإسلامية، مثل الشعار المشهور «الإسلام هو الحل»، ومحاولة تصويرها كأن لديها مشروعات وخططًا واستراتيجيات لتحقيق التقدم والتنمية الاقتصادية، مثل «مشروع النهضة» الخاص بجماعة الإخوان المسلمين المصرية، فقد أثبت الواقع أنها ليس لديها أكثر من الشعارات الصوتية، وأن هذه الخطط والمشروعات لا تخرج عن كونها ملامح عامَّة وشعارات خطابيَّة لا تصلح إلا أن تكون عناوين للصحف والمجلات. ويؤكد معاليه، في الكتاب، أن ما قامت به حكومة دولة الإمارات في التعامل مع خطر جماعة الإخوان المسلمين بين عامي 2011 و2013، جاء في الوقت المناسب.

مشاركة :