يعدّ الشاعر محمد مهدي الجواهري الملقب بـ «نهر العراق الثالث»، آخر عمالقة الشعر الكلاسيكي العربي، فقد تبنّى خلال مسيرته الشعرية الطويلة منظوراً واقعياً للقصيدة التي أرادها مرتبطة بالإنسان وكرامته وقضاياه وهمومه وأحلامه الهاربة، تحت مظلة شعر يتمتع بلغة شفيفة فخمة جزلة، وخاصة عمله الأدبي الرفيع «ديوان الجواهري» الذي حظي بعشرات الطبعات العربية، كانت أولاها التي صدرت قبل رحيله بعام واحد، تحت عنوان «جدل الشعر والحياة»، ثم توالت طبعاته عن دور نشر عربية متنوعة في بيروت وبغداد والقاهرة وتونس، وتضمنت أكثر من تقديم لتجربته الشعرية الممتدة لنحو سبعة عقود، توّجت مؤخراً بخطوة نوعية لوزارة الثقافة العراقية، التي حوّلت عام 2019 بيته في القادسية إلى متحف ومركز ثقافي، بإشهار طبعة جديدة ومنقحة ومزيدة من «ديوان الجواهري» في ستة أجزاء، بمناسبة فاعليات النسخة الـ 22 من «معرض بغداد الدولي للكتاب»، التي انطلقت في العاشر من يونيو الجاري، وتتواصل حتى 21 من الشهر نفسه، وأشرفت على إعداده وطبعه لجنة متخصصة تكونت من عدد من الباحثين العراقيين هم: حسن ناظم، سعيد عدنان، سعيد الزبيدي، نادية العزاوي، رهبة أسودي.احتل غلاف الديوان الأول صورة للجواهري بهيئته المعهودة، فيما ضم الغلاف الخلفي أبياتاً من قصيدته الشهيرة «سلام على هضبات العراق» وكتبها عام 1974. كتب الباحث والناقد حسن ناظم في تقديمه للديوان، الذي بيع منه أكثر من 10 آلاف نسخة خلال الأيام الأولى من معرض بغداد الدولي للكتاب: «يعد شعر الجواهري بصدوره وأعجازه جناحيه على القرن الشعري كله، فتاريخ الدولة العراقية الحديث مبثوث في ديوانه، في هذه الأجزاء السّتة، كما حضر تاريخ العرب بعامة، وتاريخ العراق بخاصة، وجاء كل ذلك ضمن الأغراض المعروفة للشعر العربي مدحاً ورثاء، إنه «برزخ» الجواهري مجمع الروح القلقة، والنفس اللائبة، تلك التي أسكنها الجواهري في أبيات قصائده، ووطنها في لغته الفخمة الجزلة التي لم يجاره فيها أحد». واللافت في هذا الديوان تضمينه لقصائد لم تنشر من قبل، والتركيز على قصيدته الشهيرة «لم يبق عندي ما يبتزه الألم» سواء على مستوى القراءة النقدية فيها، أو على مستوى الإشادة بقوتها. وختم الجواهري في الشعر العربي ديوان العمود، وفتح ديواناً جديداً لما بعده، فرغم ما ألمّ به من أحداث جسام، ونثر قصائده على مفترق الأحداث، ظل وفياً للشعر وكتابته، حتى قبل وفاته في منفاه في دمشق بقليل، لم يكن الشعر بالنسبة إليه طرفة مجالس كما قال غير مرة، بل «صديقه ونديمه» في مواجهة عثرات الزمن.
مشاركة :