لطالما اهتم العلماء بكيفية تغيير التمارين الرياضية للبيئة الجزيئية داخل الجسم، وكيفية تأثير هذه التغييرات على الصحة ومدى تنوع هذه التغييرات، إلا أن أبحاثا جديدة استطاعت أن تكشف دور مستويات بعض البروتينات في مجرى الدم في تحديد ما إذا كان المرء سيستجيب لأنظمة التمارين المختلفة، إضافة إلى الطريقة التي سيتفاعل بها جسمه مع التمارين. لندن – يتبع الكثيرون نفس التمارين، ومع ذلك فإن البعض فقط يصل إلى مستوى اللياقة البدنية التي يطمح إليها في حين تفشل خطة التمارين للبعض الآخر رغم أنهم يبذلون جهدا كبيرا في ممارسة التدريبات الرياضية لتحقيق هذا الهدف ما يصيبهم بالحيرة والغضب. لكنّ أبحاثا جديدة سلّطت الضوء على أسباب الاختلاف في الاستجابات، مرجّحة أنه يمكن لاختبار بسيط في الدم أن يحدد نوعية التمارين التي تتماشى مع كل شخص لكي يصبح لائقا بدنيا. وكشفت نتائج دراسة جديدة أن اختبارا للدم بإمكانه تزويد الأفراد بمعلومات أكثر دقة حول الاستجابة الجزيئية في أجسامهم لممارسة بعض التمارين الرياضية. وتقول الدراسة إن مستويات بعض البروتينات في مجرى الدم قد تتنبأ بما إذا كان المرء سيستجيب لأنظمة التمارين المختلفة، إضافة إلى الطريقة التي سيتفاعل بها جسمه مع التمارين. وبالرغم من أن الدراسة أجريت على عيّنة صغيرة تتكون من 654 امرأة ورجل وتحتاج إلى أن تكون أكثر شمولية، لكنها قدمت أدلة موثوقة عن دور اختبار الدم في تحديد أفضل أنواع التمارين لكل شخص، وإذا كان بإمكان أن يتوقع إمكانية الحصول على فائدة أكثر أو أقل من نفس التمرين وخاصة إذا تمت ممارسته بين الأزواج أو الأبناء أو الأصدقاء. وأظهرت العديد من الدراسات أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة يميلون إلى العيش لفترة أطول، وبسعادة أكبر ويواجهون خطرا أقل للإصابة بالعديد من الأمراض مقارنة بالأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة. لكن هذه الاستنتاجات تشير إلى نتائج عامة بشأن المكاسب الصحية واللياقة البدنية العالية التي تحققها فئة من الأشخاص فيما يفشل بها آخرون. الأشخاص الذين يمارسون الرياضة يميلون إلى العيش لفترة أطول، ويواجهون خطرا أقل للإصابة بالأمراض ولفتت الأبحاث إلى أنه حتى التوأم المتطابقان في الجينات يمكن أن يتفاعلا بشكل يختلف تماما عن التدريبات. ولأسباب غامضة ينتهي بالبعض أكثر لياقة وصحة من البعض الآخر. وأثارت هذه الألغاز اهتمام باحثين من جامعة هارفارد ومركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبيفي بوسطن، وبحث العلماء فيما إذا كانت هناك بعض العلامات الحيوية الأساسية في دم الأشخاص قد تكون لها علاقة بكيفية تفاعل أجسادهم مع التدريبات؟ واستند الباحثون في دراستهم على مجموعة من البيانات لفهم العلاقة بين ممارسة الرياضة وصحة الآباء وأبنائهم البالغين. ونُشرت الدراسة في مايو الماضي بمجلة “نيتشر ميتابوليزم”، وتضمنت اختبارا مخبريا دقيقا للياقة الهوائية للأشخاص، بالإضافة إلى تحاليل الدم، تلاها 20 أسبوعا من التمارين الهوائية المعتدلة والمزيد من الاختبارات. وجمع الباحثون سجلات لـ654 من الرجال والنساء الذين شاركوا في التجربة، وغطوا مجموعة مختلفة من الأعمار والأعراق. وركز الباحثون على جزيئات البروتين الكبيرة المختلفة والمعقدة التي تُصنع في الأنسجة في جميع أنحاء الجسم والتي عند إطلاقها في مجرى الدم، تتدفق إلى العمليات البيولوجية مما يؤثر على جودة عمل الجسم. Thumbnail واستخدم الباحثون أحدث الأدوات الجزيئية، لإحصاء الآلاف من البروتينات وأنواعها في مجرى دم الأشخاص المشاركين في الدراسة ثم انتقلوا إلى جدولة هذه الأرقام في بيانات حول لياقة المشاركين الهوائية قبل خمسة أشهر من ممارسة التمرين وبعدها. وأظهرت النتائج أنماطا واضحة، حيث وجد الباحثون أن مستويات 147 بروتينا كانت مرتبطة بشدة باللياقة البدنية الأساسية للأشخاص، فإذا كان بعض أعداد البروتين مرتفعا والبعض الآخر منخفضا، فإن الملامح الجزيئية الناتجة تشير إلى مدى لياقة الشخص. ويكمن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في أن مجموعة منفصلة من 102 بروتين تميل إلى التنبؤ باستجابات الأفراد الجسدية للتمارين الرياضية. وتنبّأت المستويات الأعلى والأدنى من هذه الجزيئات التي تتداخل بعضها مع البروتينات بمدى زيادة القدرة الهوائية لشخص ما، إن وجدت، عند ممارسة الرياضة. بصمات البروتين تعني استجابة أقل أو أكبر للياقة البدنية وبالمثل تدل على حياة أقصر أو أطول ونظرا إلى أن اللياقة الهوائية ترتبط ارتباطا وثيقا بطول العمر، فقد فحص العلماء مستويات البروتينات المختلفة المتعلقة باللياقة البدنية في دم الأشخاص المسجلين في دراسة صحية منفصلة تضمنت سجلات الوفيات، فوجدوا أن بصمات البروتين تعني استجابة أقل أو أكبر للياقة البدنية وبالمثل تدل على حياة أقصر أو أطول. وتشير نتائج الدراسة الجديدة إلى أن علم التشخيص الجزيئي قد يساعد في تصميم خطط التمارين، وفق ما أكّد الدكتور روبرت غيرشتن، وهو أستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد ورئيس طب القلب والأوعية الدموية في مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي، الذي أجرى الدراسة الجديدة بالتعاون مع الباحث الدكتور جيريمي روبنز، وآخرين. وأشار الباحثون إلى أن هذا المجال من البحث لا يزال في مهده الأول، وسيحتاج العلماء إلى تنظيم دراسة واسعة النطاق على عيّنة كبيرة من الأشخاص وتباينات أوسع نطاقا في صحتهم ولياقتهم البدنية وأعمارهم ونمط حياتهم، لفهم دور البروتينات الأكثر أهمية في استجابة الفرد للتمرين. وقال الدكتور غيرشتن “أتوقع المزيد من النتائج المحسّنة في غضون سنوات قليلة”. ولطالما رجّح العلماء المهتمين بكيفية تأثير التمارين الرياضية على البيئة الجزيئية داخل الجسم، أن التكوين الجيني للشخص هو الذي يحدد مستوى تحمل جسمه للتدريب أو أي نشاط بدني، وبناء على ذلك يتم تحديد المدة ومعدل التمارين التي يمكنها تحقيق نتائج إيجابية في تحسين اللياقة البدنية.
مشاركة :