أخيرًا، وبعد سنوات طويلة، لم يعد نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل. ومرة أخرى، أثار تغيير الحكومة في إسرائيل آمالا في بعض الأوساط إزاء احتمال أن يؤدي ذلك إلى تحرك ما على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية.ويقول الدكتور محمد أيوب، الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية بجامعة ولاية ميشجان، في تحليل نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأمريكية، إن هذه الآمال ليست فقط في غير محلها، بل هي أيضا غير واقعية تماما، فحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، ناتالي بينيت، أكثر تشددا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من نتنياهو الذي احتفظ على الأقل بوهم حل الدولتين عندما كان يتحدث مع الغرب.وفي حقيقة الأمر، يعارض بينيت تماما فكرة إقامة دولة فلسطينية، وأكد ذلك مرات لا تحصى.وفي عام 2012، قال بينيت بوضوح: «سوف أبذل كل ما في وسعي للتأكد من عدم حصولهم (الفلسطينيين) على دولة مطلقا». وتوقع قيام حكومة يرأسها بينيت بالتفاوض بجدية بشأن حل الدولتين، هو في أفضل الأحوال، حلم بعيد المنال.حل الدولتينوبالإضافة إلى ذلك، فإن أحداث الشهر الماضي -المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية في القدس، بالتزامن مع «الحرب» بين حماس وإسرائيل، والانتفاضة الأولية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل- أظهرت بوضوح أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دخل مرحلة جديدة لا رجعة فيها، تستبعد حل الدولتين. ومع ذلك، فإن رد الفعل إزاء هذه الأحداث من جانب واشنطن ومعظم العواصم الغربية اتخذ شكل المزيد من التصريحات المكررة عن إيجاد حل الدولتين للصراع.وزار وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن القدس، حيث أكد الدعم الأمريكي المستمر لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع عرض تقديم مساعدات إنسانية من أجل إعادة الإعمار في غزة -بعد الدمار الذي نجم عن الهجمات الجوية الإسرائيلية- إذا تخلص القطاع من «الإرهابيين» الذين يحكمونه، على حد قوله. كما زار بلينكن رام الله في محاولة للحفاظ على وهْم أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس هي المحاور الشرعي الفلسطيني في الصراع.وأضاف أيوب، وهو أحد كبار زملاء مركز السياسة العالمية الأمريكي، إن هذا يماثل إخفاء الرأس في الرمال. لقد أصبح من الواضح الآن لأي محلل جاد للمشهد أن حل الدولتين قد انتهى، وأن السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع المعقد هو حل الدولة الواحدة. ولا بد أن أحداث الشهر الماضي أوضحت هذه النقطة بقوة وبقدر كبير من الوضوح يزيل أي شكوك في عقل حتى أكثر المراقبين تشككا.الخط الأخضرومن الواضح أن الخط الأخضر هو الآن جزء من الرواية الوهمية، التي تستخدم للحفاظ على بقاء أسطورة حل الدولتين. وتم محو الخط الأخضر منذ وقت طويل من خلال البناء المستمر للمستوطنات على نطاق واسع في الضفة الغربية، وضم إسرائيل للقدس الشرقية، وتشريح الضفة الغربية من خلال بناء المستوطنات اليهودية والطرق الخاصة بالإسرائيليين فقط.إن التحديد الواضح المتزايد من جانب الحكومات الإسرائيلية عبر السنين لهدفها النهائي، وهو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بما في ذلك وادي الأردن، إلى إسرائيل وتحويل باقي الأراضي المحتلة إلى عدة بانتوستانات غير متصلة كشف أن كامل الحديث عن حل الدولتين مجرد خدعة. ورغم هذه الدلائل الواضحة، أبقت الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى على وهم حل الدولتين، وبذلك أعطت إسرائيل المزيد من الوقت لتنفيذ مخططها الكبير، وهو تجريد الفلسطينيين من أراضيهم ومن هويتهم في حقيقة الأمر.وقال أيوب إن حلم «عملية السلام»، الذي يؤدي إلى حل الدولتين لم يأخذ أيضا في الاعتبار التحول الواضح في الواقع الفلسطيني على الأرض طوال العقود الثلاثة الماضية في أعقاب فشل ما عُرف باسم عملية أوسلو للسلام، التي أضعفت الثقة في خطاب ياسر عرفات، عن تحقيق «سلام الشجعان».إن فكرة تحقيق هوية فلسطينية موحدة وفي الحقيقة أرض موحدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، هيمنت بصورة متزايدة على خيال الفلسطينيين في الوقت الذي تراجعت فيه فكرة تحقيق سلام عادل على أساس حل الدولتين.ويعتبر الكثيرون الاحتلال المستمر للضفة الغربية، وقمع سكانها، وحصار وقصف غزة، مجموعة متصلة في السياسة الإسرائيلية، وليس مجرد ظاهرة منفصلة. وأدرك المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل أن السياسة التمييزية تجاههم هي جزء من نهج الحكومة الإسرائيلية تجاه جميع الفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي المحتلة، ومن ثم جزء من نفس المخطط.سياسات التوسعومن الواضح أن سياسات التوسع والتجريد الإسرائيلية أدت إلى إحياء ذكريات النكبة التاريخية عام 1948، التي حاول التقسيم المصطنع لفلسطين من خلال خطوط الهدنة في عام 1949 طمسها. لأنه، حسبما أوضح البروفيسور اليهودي الأمريكي بوعي شديد، «عندما تطلب من شعب أن ينسى ماضيه، فإنك لا تقترح سلاما، إنما تقترح إبادة».وأشار أيوب إلى مجموعة من العوامل المختلفة -الذكريات التاريخية، والتوسع الإسرائيلي، واللامبالاة الأمريكية تجاه مأساة الفلسطينيين ومطالبهم العادلة-، التي أدت إلى حالة يكون فيها الحل الوحيد الذي يمكن أن يوفر العدل والسلام على المدى الطويل، هو إقامة دولة واحدة في كل فلسطين الانتدابية.وهناك سؤالان يحتاجان إلى إجابة جميع الأطراف عليهما في الوقت الذي تسير فيه المنطقة بصورة حتمية نحو هذه النهاية. أولهما هو ما إذا كان من الممكن تحقيق الهدف دون سفك دماء، أو بعد قدر كبير من سفك الدماء؟ والسؤال الثاني هو شكل منتج الدولة الواحدة النهائي: ما إذا كانت ستظهر كدولة يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق مدنية وسياسية متساوية أو ستكون دولة فصل عنصري؟واختتم أيوب تحليله بالقول إن الإجابة عن هذين السؤالين يجب أن تشغل بال المسؤولين السياسيين والمحللين في الشرق الأوسط وفي الغرب، المهتمين بحسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدلًا من البحث العقيم عن خرافة اسمها حل الدولتين أو عن إجراءات تخفيف قد تؤجل مؤقتًا النهاية الحتمية.
مشاركة :