تضمن التقرير السنوي لحلف شمال الأطلسي «الناتو» لعام 2020م أن مركز حلف الناتو ومبادرة استانبول والذي تم تأسيسه في دولة الكويت عام 2017م استضاف حوالي 1000 مشارك من دول الخليج العربي وأكثر من 200 خبير من دول حلف الناتو خلال دورات تدريبية متنوعة، والتي اشتملت على مجالات الأمن الإلكتروني وأمن الطاقة وإدارة الأزمات والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية-خلال المرحلة الأولى من عمل ذلك المركز-، ووفقاً للتقرير ذاته لدى الناتو 33 مركز تدريب تقع في 26 من دول الحلف والدول الشريكة وخلال تلك المراكز نفذ الناتو 700 برنامج تدريبي في عام 2020 استفاد منها 50000 شخص، ومع أهمية محتويات التقرير ككل فقد استرعى انتباهي أمران الأول: تطور استراتيجيات الحلف ذاته من كونه منظمة دفاعية بالأساس إلى التحول ليكون بمثابة مؤسسة تعليمية تقدم ما يعرف «بالأمن الناعم» المتمثل في التعليم العسكري والتدريب والاستشارات، والثاني: أن ذلك النشاط قد شهد تطوراً ملحوظاً ضمن شراكة الحلف بدول الخليج العربي أعضاء مبادرة استانبول التي أطلقها الحلف عام 2004 والعمل على تطويرها من خلال مركز الحلف في الكويت. وعلى الرغم من أن ذلك النشاط يعد تطوراً مهماً ضمن علاقة الحلف بالشركاء عموماً فإنه ليس بالأمر الجديد بالنسبة للحلف فهو جزء لا يتجزأ من هيكلية مؤسساته ذاته ومنها كلية الدفاع التابعة للحلف بروما والتي تقدم دورات تدريبية متنوعة لأفراد من جيوش دول الحلف والشركاء على حد سواء، تتنوع موضوعاتها ومددها الزمنية بهدف التوصل لفهم أفضل للتحديات الأمنية المشتركة بين الجانبين ليس أقلها إدارة الأزمات وذلك من منظور استراتيجي، بالإضافة إلى كلية الناتو للتعليم والتدريب بألمانيا. وبغض النظر عن مضامين تلك البرامج التعليمية - وهي عديدة - بعضها دائم والبعض الآخر يتم استحداثه، فإنها تثير خمس ملاحظات الأولى: أنها ترتبط بشكل وثيق بسياسات الحلف، لأن الدول الشريكة هي جزء من البيئة الأمنية العالمية للحلف وبالتالي يرى صانعو القرار في الحلف أنه قبيل إقرار سياساته فإنها يجب أن تتسم بالواقعية وأخذ مصالح الشركاء بعين الاعتبار وهو ما وجد سبيله نحو التطبيق الفعلي خلال صياغة المفهوم الاستراتيجي للحلف كل عشر سنوات، والثانية: أنها تضم العنصرين المدني والعسكري معاً سواء بالنسبة للدارسين أو حتى الموجهين الأكاديميين بما يعني تكامل الخبرات بين أعضاء الناتو والشركاء، والثالثة: أنها لا تهتم بجوانب معرفية نظرية وإنما تقديم خبرات للحلف ومناقشتها بهدف التعرف على أوجه القصور والنجاح لإمكانية الاستفادة منها مستقبلاً، والرابعة: تطور تلك الدورات بشكل مستمر من خلال التعرف على مردودها من خلال المشاركين الذين يكون لهم حق تقييمها من خلال آلية محددة لذلك وعما إذا كانت تلبي تطلعاتهم، والخامسة: إيلاء التمرينات الافتراضية أهمية بالغة وخاصة تلك التي ترتبط بأزمات متوقعة وقد يكون الحلف طرفاً فيها، ومن خلال تلك التمرينات التي تتضمن دراسة الأزمات بشكل منهجي يمكن تحديد الأدوار والموارد وكذلك التحديات وجميعها عناصر مهمة لإدارة الأزمات. لقد كان التعليم العسكري جزءا أساسياً في شراكة الناتو ضمن مبادرتي الحوار المتوسطي 1994 (بين الحلف و7 دول متوسطية) واستانبول 2004 (التي أنضمت إليها أربع دول خليجية من بينها مملكة البحرين)، ووفقاً لإحدى الدراسات التي أعدها باحث عمل لدى منظمة الناتو عدة سنوات فقد التحق بالدورات التدريبية بكلية الدفاع حوالي 600 من ضباط دول الخليج والشرق الأوسط وكذلك من دول حلف الناتو حتى مايو 2020م، وقد تضمن البيان الختامي لقمة الحلف في بروكسيل 14 يونيو 2021 أن الناتو يولي اهتماماً كبيراً لمركز الحلف في الكويت، وأن الحلف لديه استعداد لفتح مراكز تدريب جديدة على غرار ذلك المركز في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي لديها اهتمام بخبرات الناتو في هذا المجال. لم يقتصر اهتمام حلف الناتو على مسألة التعليم بل كان للتدريب العسكري نصيب من استراتيجيات الحلف ابتداءً بتدريب الناتو لقوات الأمن في أفغانستان ومروراً ببناء قدرات الاتحاد الإفريقي في السودان وانتهاءً بتدريب قوات الأمن العراقية، ويلاحظ أن تلك البرامج التدريبية تضمنت مراحل تمت خلالها زيادة المستهدفين بناءً على ما تحقق خلال كل مرحلة، ولقد استهدف الحلف من تلك البرامج تأسيس مفاهيم عملياتية مشتركة يمكن من خلالها التعاون بين جيوشه وجيوش الدول الشريكة، وذلك ضمن مبادرة خاصة بشأن التدريب أعلنها الحلف خلال قمة ريجا عام 2006م والتي استهدفت تدريب أفراد الجيوش على العمل خلال الأزمات وكذلك التعامل خلال عمليات الإغاثة الإنسانية. وعلى الرغم من أن مسألة التدريب تعد أحد المجالات التي تضمنتها مبادرة للتعاون بين حلف الناتو ودول الخليج العربي، فإن تلك الدول قد استفادت من استراتيجيات الناتو بشأن التعليم العسكري على ثلاثة صعد، الأول: قرار الدول الخليجية تأسيس كليات للدفاع الوطني على غرار مثيلتها التابعة للناتو تعد خطوة مهمة على صعيد تقديم مناهج عسكرية تتخذ من أساليب تلك المنظمات مثالاً ولكن من منظور وطني، وقد لوحظ أن هناك سلسلة من المحاضرات تتزامن مع العديد من المناورات التي تجريها دول الخليج العربي بما يعكس أهمية التعليم العسكري ضمن العمليات الميدانية، والثاني: إن تغير مفهوم التهديدات الأمنية وتسارع وتيرتها قد تطلب من دول الخليج العربي- كغيرها من دول العالم - إيلاء المزيد من الاهتمام بتخصيص مناهج دراسية لقضايا مثل الأمن البحري وإدارة الأزمات وهي أكثر شمولاً من العلوم العسكرية لتطال أيضاً قضايا القانون الدولي بكافة فروعه وجميعها مجالات مهمة للغاية لعمل الجيوش وربما يتم تضمين تلك القضايا ضمن المرحلة التالية لعمل المركز الإقليمي للحلف ومبادرة استانبول بدولة الكويت، والثالث: الاستفادة ليس فقط من طبيعة الموضوعات بل التعرف على كيفية عمل قوات الحلف بشكل جماعي. وفي تقديري أن التدريب والتعليم العسكري الذي يقدمه حلف الناتو ويشهد تطوراً مستمراً تتجاوز أهميته دعم قدرات الشركاء سواء من أفراد القوات المسلحة أو المدنيين بل أنه سوف يسهم في المزيد من التعرف على توجهات منظمة حلف الناتو التي أضحى لديها شراكات مع ما يقرب من ربع دول العالم وفق صيغ مختلفة. ويعني ما سبق أنه يمكن لدول الخليج العربي العمل على مسارين متوازيين الأول: الاستفادة من برامج الحلف التدريبية وخاصة تلك التي تتناول تحديات أمنية راهنة على غرار الأمن البحري والسيبراني وإدارة الكوارث البحرية و للحلف خبرات ممتدة في هذا الشأن، والثاني: أن يكون لدى المؤسسات الأمنية والدفاعية بدول الخليج دوراتها وبرامجها الخاصة بالاستفادة من آلية عمل مؤسسات الناتو ولكن من منظور الاحتياجات الأمنية لكل دولة، وأتصور أن مركز الناتو بالكويت يعد الآلية التي يلتقي عندها المساران. } مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
مشاركة :