رئيس الوزراء العراقي يستكمل قيادة المرحلة الانتقالية باعتماد أسلوب الصبر على استفزازات الميليشيات بغداد - يعمل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي جاهدا على استكمال الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية التي يقودها والوصول بالبلاد إلى موعد الانتخابات المبكرة بأخفّ الأضرار وضمان أقصى قدر ممكن من الاستقرار الأمني والتهدئة السياسية وتجنّب إثارة الشارع المتحفّز للاحتجاج على سوء الأوضاع الاجتماعية وتردّي الخدمات وتفشّي الفساد داخل مؤسسات الدولة. وتعاطى الكاظمي بأقصى قدر من الهدوء مع التصعيد السياسي والإعلامي وحتى الأمني الذي مارسته ضدّه ميليشيات مسلّحة وقوى سياسية شيعية ذات ارتباطات واسعة بإيران، وحاول الانصراف عن فتح مواجهة مفتوحة معها نحو حلحلة عدد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية ولو جزئيا، بالتوازي مع الحدّ من ظاهرة الفساد ومحاسبة من يمكن الوصول إليهم من المتورّطين فيه. وتقول مصادر في مكتب الكاظمي إنّ الأخير يحاول تهدئة الانفعالات السياسية في بغداد أملا في تمكين الحكومة من التفاعل مع أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة. وتوضح المصادر أنّ سلسلة الاجتماعات التي عقدها الكاظمي مع زعماء الكتل والأحزاب السياسية البارزة في بغداد تهدف إلى إخراج الحكومة من دائرة التجاذبات التي يتوقع ازديادها مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقررة لشهر أكتوبر القادم. وتؤكد المصادر أن رئيس الوزراء طمأن قادة الكتل والأحزاب بشأن التزام الحكومة بتوفير جميع متطلبات إنجاح العملية الانتخابية، بالرغم من عدم مشاركته هو شخصيا أو أي قائمة تمثله فيها. ويريد الكاظمي تكريس الأشهر المتبقية من عمر ولايته لمواجهة أزمات عديدة مستفحلة، مثل أزمتَيْ الكهرباء والسكن. وتعاني بغداد نقصا كبيرا في الوحدات السكنية ما وضعها على رأس قائمة أغلى مدن العالم في أسعار العقارات. وتقول مصادر عراقية إن الحكومة تعاقدت مع شركات خليجية معروفة في القطاع السكني لمباشرة عدد من المشاريع. وقبل يومين زار الكاظمي مجمع بسماية، وهو أحدث مجمعات بغداد السكنية وأكبرها عددا حيث تعمل شركة كورية جنوبية على توسعته. وقال الكاظمي خلال هذه الزيارة إن حكومته وفرت خلال العام الماضي المبالغ المطلوبة للشركة المنفذة للمشروع من أجل تكثيف العمل، بعدما كان عملُ الشركة متوقفا منذ عام 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية والقوانين غير المجدية والإدارة غير السليمة. وأضاف “خفضنا نسبة الحد الأدنى من الدفعة المالية الأولى المقدمة من الراغبين في الحصول على سكن خمسة وعشرين في المئة إلى عشرة في المئة لتسهيل الأمر على المواطنين الراغبين في شراء شقق في مجمع بسماية، وخفضنا أيضا سعر الفائدة السنوية من نسبة أربع في المئة الى اثنين في المئة دعما للمواطنين في ظل ظروف التحديات الاقتصادية الحالية”. وتابع “كان هناك تلكؤ كبير في المشروع بسبب عدد من القرارات والتعليمات الخاطئة والإدارة غير الصحيحة، وقد صححنا المسار بعدة إجراءات، وبالفعل تَشَجع المواطنون وقاموا بشراء كل الشقق المتوفرة في المدينة”. وأضاف “نعمل حاليا على تطوير المشروع للوصول إلى هدفه وهو مئة ألف وحدة سكنية والتي تم إنجاز خمسة وثلاثين ألفا منها فقط لغاية الآن”، مؤكدا استمرار العمل “على دعم مجمع بسماية بتأسيس البنى التحتية المطلوبة، ومنها إنشاء طريق سريع بين بسماية وبغداد، وقد خصصنا المبالغ الكافية له في موازنة هذا العام”. وتستهدف حكومة الكاظمي إنشاء مليون وحدة سكنية في المحافظات المختلفة. وقال رئيس الوزراء عن هذا الأمر “صوتنا أخيرا على إنشاء مدينة الرفيل بعد رفع جميع المعوقات القانونية وغيرها وهو جاهز للانطلاق، والعمل جار على إطلاق أكثر من عشرة مشاريع مماثلة في بغداد وسائر المحافظات الأخرى لبناء مدن ومجمعات سكنية جديدة”. وفي سياق محاولته معالجة ملف الكهرباء الذي كثيرا ما مثّل نموذجا لتردي الخدمات في العراق ومظهرا من مظاهر سوء التصرّف في موارد الدولة العراقية وثروتها الضخمة وسببا مباشرا في تفجير احتجاجات عارمة بالبلاد، دشّن الكاظمي الأسبوع الماضي محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية في محافظة صلاح الدين شمالي العاصمة بغداد بطاقة ألف ومئتين وستين ميغاوات. وقال في بيان صادر عن مكتبه عقب التدشين “نفتتح محطة كهرباء سامراء البخارية بعد اكتمال المرحلة الأولى منها، رغم كل التحديات الحاضرة، لاسيما الأزمة الاقتصادية وتأثيرات جائحة كورونا”، موضّحا أن المرحلة الثانية ستكتمل خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي. وجاء افتتاح المحطّة الجديدة غداة افتتاح محطة مماثلة في محافظة ذي قار جنوبي العراق بطاقة خمس مئة ميغاوات. الكاظمي يريد تكريس الأشهر المتبقية من عمر ولايته لمواجهة أزمات عديدة مستفحلة، مثل أزمتَيْ الكهرباء والسكن وانتهز الكاظمي وجوده في سامرّاء، ذات الرمزية الدينية والحضارية للطائفتين الشيعية والسنّية على حدّ سواء، لنزع فتيل فتنة طائفية سعت إليها جهات تريد تفجير الأوضاع قبل الانتخابات عبر إطلاقها حملة تحريض لهدم مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان ونُصب الخليفة العباسي في بغداد. وأثناء زيارة له إلى مرقد الإمامين العسكريين في سامراء دعا شيوخ العشائر إلى إسناد الدولة في الحفاظ على وحدة العراق وتعزيز السلم الأهلي في المجتمع. وعن الانتخابات القادمة قال الكاظمي إنّ هناك من يخشاها ويحاول إشاعة اليأس في نفوس المواطنين لأجل دفعهم إلى عدم المشاركة. وفي ما يشبه الإعلان عن اعتماده أسلوب الصبر الاستراتيجي على استفزاز الميليشيات والقوى السياسية ذات الصلة بها قال رئيس الوزراء العراقي “بالصبر والحكمة والهدوء سنرد على الأصوات السلبية الصفراء التي لا تريد الخير للبلد وترغب في صناعة اليأس وتحاول أن تشكك وتعرقل أي منجز تحققه الحكومة”. ويشارك الرئيس العراقي برهم صالح رئيس الوزراء شعوره بصعوبة الفترة المتبقية التي تفصل عن موعد الانتخابات وما تنطوي عليه من مخاطر. وقال الأحد في كلمة له خلال ملتقى بحر العلوم للحوار الذي عقد في بغداد إنّ العراق “يعاني من اختناقات سياسية خطرة بحاجة إلى حلول خارج المألوف”، معتبرا “أنّ الانتخابات المقبلة جاءت تجاوبا مع مطالب الناس الذين لمسوا في الوضع السياسي الحالي أنه غير قادر على خدمتهم، وردَّ فعلٍ على ما اعتبروه تزويرا وتلاعبا بأصواتهم في الانتخابات السابقة”.
مشاركة :