الفنان اللبناني النحات الرسام الشاعر شربل فارس، فارس النّور

  • 6/21/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شخصية فنية مبدعة،شاعر يكتب بالقلم والريشة والحجر والخشب والحديد ، انه الفنان الساعر اللبناني شربل فارس . وتتجسد مسيرته الابداعية عند الطرف الجنوبي لبلدة صربا، في وسط اقليم التفاح في الجنوب اللبناني، حيث تقع «واحة الدقاق» للفنان شربل فارس، التي تتوّج مسيرته في رحلة الفن، لا سيما النحت والرسم، وهذه الرحلة دخلت عامها الثلاثين. رسالة بيروت – إسماعيل فقيه ترك شربل فارس بلدته واتجه الى المدينة، طلباً للعلم، فدرس لمدة عامين في معهد للفنون. جذبته في تلك الفترة كتابة القصة والشعر، ثم مال نحو الرسم بتشجيع من توفيق عبد العال آنذاك، وشجّعه ناظم ايراني على النحت. افتتح أول معرض له في بيروت في العام 1973، وما لبث أن هاجر الى الكويت، ليعود مجدداً أثناء الحرب، عودة الشاب «المتحمّس» الساعي الى التغيير والحالم بالثورة… يقول عن تلك الفترة: «تركت صحراء الكويت لأعود الى الوطن المعركة.. حينها وجدت أن الريشة والإزميل لم يفيا بالمطلوب، فتوجهت نحو القلم، لأكتب في الصحافة وتحديداً في الميدان الثقافي، في النقد والتحرير المسرحي والتشكيلي. في العام 1982 وأثناء الاجتياح الاسرائيلي، عدت مجدداً الى الازميل وتفرّغت للنحت والرسم». وعن عودته الى بلدته الجنوبية صربا يقول: «في العام 1996، لملمت أطرافي الفنية، وعدت الى قريتي، وكانت هذه الواحة الحلم البديل، للأحلام التي سقطت في الحرب، والتي حاولت فيها أن أستجمع كل طاقاتي الفنية، وأرسم مناخاً واقعياً لعودتي الى المنبع بعد طول غياب وهجرة…». لماذا في الريف؟ يقول: «استغرب زملائي وبعض الصحافيين هذا الأمر، وسألوني كيف أقيم معرضاً لأعمال هي نتاج ربع قرن، في الريف، وعلى سفوح جبال اقليم التفاح، أجبت بالقول: انني أحاول في هذا المعرض «الاستعادي»، الذي تحوّل في ما بعد الى نواة متحف دائم، نقل الفن التشكيلي من الواجهة المخملية الى الواجهة الفعلية تحت أشعة الشمس. ولأن معظم أعمالي كانت نتاج حرب، والتزمت قضية الانسان والوطن، كان لا بدّ لي من أن أنقلها، من الخطوط الخلفية الى خطوط التماس… وبذلك، ربما أرفض تحويل الفن الى لعبة شكلانية صالونية، أو سلعة استهلاكية، ليجد ملاذه بين أبناء القرى المحاذية لخطوط التماس…». الفكرة الحلم انطلق شربل فارس في انجاز مشروعه الفريد في منطقة وعرة مليئة بالصخور، وكان ذلك في العام 1997. يمتد المتحف وسط أشجار الزيتون، على مساحة تقدّر بنحو خمسة آلاف متر مربع، وتقع بين قريته الجنوبية صربا وقرية حومين التحتا، والبلدتان تقابلان منطقة ظلت جبهة عسكرية مفتوحة طوال سنوات، الى أن تم تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي. بعد انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان، كان هاجس شربل فارس وزوجته بناء عش من الحجر في الكرم الذي فيه مشى أولى خطواته وعاش سنوات مراهقته. ففي سنديانة الكرم الضخمة كان قد بنى عرزالاً، لكن السنديانة هوت بسبب «الحروب الصغيرة». وعلى أطلال «العرزال» وقف وزوجته واعداً ببناء العش من جديد، ومن الصخر هذه المرة، هكذا انطلقت «الفكرة – الحلم». استخدم فارس في بناء حلمه، الأحجار الموجودة في الكرم، والتي لمسها جدّه وجدّ جدّه فبات كل حجر حكاية حنين وتواصل بينه وبين أسلافه. وباتت الحكاية أساساً لواحة ثقافية وفنية في آن، تجمع بين المتنزه والمعرض الدائم لمختلف الفنون المشهدية – البصرية. على أن ذلك، لم يـأت في سياق قائمة مقفلـة أو واجهة مخملية، فكـرم الزيتـون هو حاضن الواحة، والهواء الطلق هو فضاؤها، والعودة الى الطبيعة هي العنوان الأساسي الذي يطبع المقهى والمعرض والمحترف والكهـف والمطبخ الصيفي والمغارة والخيمة الترابية والبئـر وغيرها من عناصـر الواحة بطابـع التراث والأصالة. يرمي شربل فارس من خلال مشروعه الفني الى أن تكون هذه البقعة من الأرض محط رحاله التشكيلي ومنها يؤدي التحية الى جدّه، صاحبهـا الذي لم تلوثـه المدينـة. ويذهب الى أبعد من ذلك، فهو يريد لعمله أن يكون وسيلة لردم الهوة بين الجمهور والعمل الفني، كما يطمح الى إتمام واجبه الوطني في المقاومة من خلال إحياء أشكال أخرى من الصمود عبر المسرح والسينما والزوايا التراثية التي يتواصل فيها الجنوبي مع أرضه. واحة الدقاق «واحة الدقاق» الثقافية مشروع لا ينتهي، لأن اكتماله يعني نهاية الفنان، هذا ما قاله شربل فارس. وسألناه: لماذا «واحة الدقاق»؟ أجاب: «الدقاق كان لقب جدّي أبو أسعد الذي كان بمثابة المثال والقدوة لي ولأشقائي، فهو من ربانا بعد موت والدي وكان مثال الفلاح الطيب الواعي والمتسامح والأهم من ذلك كله انه لم يكن طائفياً». حمل جد الفنان هذا اللقب، لأن بيته كان معروفاً كمضافة للآتي الى القرية، وقد كان بينهم يوماً «دقاق» (من يدق الوشم) يقصده الكبار والصغار لدق الوشم على أجسادهم، ورحل الدقاق وترك لقبه عند صاحب البيت الذي لم يمارس هذه المهنة أبداً. وحتى لا تغيب ذكرى الجدّ أبو أسعد، أطلق الفنان شربل فارس لقبه على الواحة – المتحف ورسمه في لوحة بزيه العربي، وضعها في قاعة المحترف. الجولة في أرجاء الواحة تغني المشاهد بالكثير من الصور الفنية والتراثية الرائعة المتميزة بجمالية نادرة. فهناك الأنصاب الاسمنتية والحجرية، والبئر الريفية المعروفة بـ«العين». كانت قبل عقود مقصداً لأهالي الضيعة والبيدر «العالي الجديد»، والنورج والفدّان. وهناك أيضاً الأدوات الزراعية التي لم تبارح الفلاح الجنوبي الذي أدمن على زراعة أرضه، والفوانيس العتيقة، أما المساحة الأكبر في الواحة فبقيت لأشجار الزيتون. منحوتة البيدر مشهد «البيدر» يعتبر من المشاهد الأساسية في الواحة، وهو يمثل «بيدر العالم الجديد» الذي انقلبت مقاييس الانتاج فيه. فالذي يقف على «النورج» هو انسان حديدي، بجمجمة حمار حقيقية، يحمل بيده مقصاً كبيراً كأداة قمع وقطع، وباليد الأخرى يحمل عصاً، وقد أصبح في نهاية القرن العشرين «سيد البيدر». أما المنتج الحقيقي «الفلاح»، فقد رماه رجل العالم الجديد على الأرض، ليسحقه «بالنورج» مع التبن والقش والقمح. «الفدان» الذي يجرّ «النورج» أصبح فداناً من البشر. وعلى البيدر اختلط القمح والتبن بالشظايا. مشهد الثقافة عن «مشهد الثقافة» يقول فارس: «يعتمد هذا المشهد على ثلاثة عناصر: العنصر الأول، هو وضع المفكر في نهاية القرن العشرين، وهو تحية الى النحات الفرنسي رودان. لقد كان هذا النحات قوي البنية ومفكراً حقيقياً يستخدم دماغه. أما اليوم، فالمفكر هو رجل آلي ضعيف البنية، رأسه كبير، لكنه مثقوب بشتى أنواع الآلات الحديثة. العنصر الثاني في المنحوتة، هو وضع الكتاب الذي بات على العمود المسنن، حيث تحوّلت الثقافة من مادة فكرية الى سلعة. أما العنصر الثالث، فهو الكومبيوتر وشاشاته الباردة المحاطة بكل أنواع الأعمدة المسننة». فكرة العمود المسنّن عن فكرة العمود المسنّن التي تظهر جلية في منحوتاته يقول فارس: «كان في البداية، آلة إعدام وحشية لإعدام الإنسان من دون أن يموت مباشرة، بل يبقى يومين أو ثلاثة. وفي محترفي، وفي حالة قلق تعبيري شديد، حاولت أن أخطط لبعض الأفكار التي تسبق عادة «صنع» اللوحة أو المنحوتة، لكني كنت في حالة تشويش ذهني ولم أقدر على شيء. فأمسكت بقلم الرصاص، وأخذت ألاعبه بين أصابعي، وأدق به عمودياً على الطاولة، وعندما تأمّلت فيه رأيته يشبه العمود المسنّن، فكانت بداية الفكرة بمعرض استغرق نحو العام من العمل في النحت المركّب، وتوالت الأعمدة في المحترف، في مشاهد مسرحية تطوّر معها النحت عندي، من منحوتة أحادية الجانب الى عمل مسرحي، أبطاله منحوتات من الشظايا والقذائف والخشب والباطون…». أبعاد حرف «النون» تستحوذ الـ«نون» على كثير من المنحوتات. وعن ذلك يقول فارس: «وجدت في حرف «النون» ملاذاً وتشبثاً بالجذور». وأضاف: تعرف اللغة العربية «بلغة الضاد» كونها تتميز عن غيرها بحرف «الضاد»، لكنها فعلياً لغة «النون»، بصرياً وفلسفياً فتراثنا الشرقي هو تراث الخط المنحني، الذي يحتضن النقطة، والنقطة قد تكون وحدة الوجود. وبين الخط المنحني والنقطة فضاء، هو فضاء «النون» وقد أكد المتصوفون الاسلام على البعد الصوفي لهذا الحرف. اضافة الى ذلك، فإن الخط المنحني ماثل في تراثنا كيفما اتجهنا. اللباس العربي التقليدي يعتمد على الخط المنحني، الفيافي والصحارى خطوط منحنية، الهندسة المعمارية العربية تعتمد على الخط المنحني، السيف العربي منحنٍ عكس السيف الأوروبي. من هنا، انطلقت لأطوّر هذا الحرف، وأتطوّر معه، لأجد مثلاً أن الأم الحامل هي خط النون المنحني، والنقطة هي الجنين، كما في نصب ساحة التباريس – الأشرفية، والتي أصبحت ساحة الأمومة. «حنظلة» بما يشبه نقطة الارتكاز، يقف بصلابة «حنظلة» كرمز للفنان الراحل ناجي العلي، وكأنه انبثق لتوّه من الأرض ليشكّل محور معرض دائري للعلي الذي كانت تربطه علاقة شخصية بالفنان فارس. وقد أنجز الأخير النصبين (النصب الثاني موجود على بعد أمتار من الأول بارتفاع ثلاثة أمتار) في العام 1987، وأقام في العام 1989، معرضاً تحية للعلي، أعاد خلاله صياغة رموزه بما يتلاءم مع الواقع الحالي. من بين الأنصاب، ما يعـود الى الفنانين نور الشريـف ومصطفـى فروخ وآخرين، الى «تمثال الأمومة» الذي كـان وضع في ساحة التباريس عام 1997، ليتحـوّل اسمها تيمّنـاً به الى «ساحـة الأمومة» (بقرار من محافـظ بيروت)، اضافـة الى تمثـال مصغّـر للعالـم حسن كامل الصباح. هذه الواحة التي تتداخل فيها الأعمال الفنية (نحو 200 عمل) مع شجرات الزيتون والتين ودوالي العنب، والتي تنطوي، اضافـة الى البُعد الثقـافي على بعد ترفيهي يتمثل بالألعاب و«المراجيـح» للأطفال ومساحـات للحفلات الفنية وغيرها، افتتحت في تمـوز العام 1998 برعايـة وزيـر السياحة. الفنان في سطور مواليد صربا – جنوب لبنان – 1952. نحّات ورسّام وناقد فنّي. كتب في المسرح والسينما والتلفزيون. شارك في عشرات المعارض الجماعية في لبنان والخارج. أقام منذ العام 1973خمسة عشر معرضاً فردياً في لبنان والخارج، ومعرض «نهوض المقاومة الوطنية» عام 1985الذي تنقّل في عدّة مدن وقرى لبنانية. مثّل لبنان في المحترف الدولي في راشانا عام 1997. كرّم في مجلس النواب في ذكرى 14 آذار عام 1997. شارك في تمثيل لبنان في المهرجان الدولي للنحت على الجليد في كندا العام 1998. أصدر في العام 1971 كتاباً بعنوان «المتقلّب». يعمل منذ العام 1996 في تجهيز أعمال تشكيلية تركيبية على مساحة (5000م2) في محترفه «واحة الدقاق» صربا – جنوب لبنان.

مشاركة :