كانت العملة الرقمية من فئات الأصول غير الاعتيادية، لكنها لن تبقى كذلك إلى الأبد. قلت مرة إن العملات الرقمية المشفرة وجدت لتبقى. والآن، أود أن أشرح السبب في أن أجزاء من الاقتصاد السائد والعالم المالي لا يأخذونها على محمل الجدية. وبكل صراحة: الكثير منا لا يفهم الاقتصاد النقدي بصورة جيدة. هناك خطآن شائعان؛ الأول، أن الدولار الأميركي ليس على حافة الانهيار، ولن تتمكن أصول العملات المشفرة من أن تحل محله. الولايات المتحدة هي واحد من أكبر نظامين اقتصاديين في العالم، وهي مركز العالم الناطق باللغة الإنجليزية. ومن ثم، فهي تملك القوة لفرض الضرائب، كما تملك أقوى شبكة من التحالفات، وأقوى جيش نظامي في العالم. وصحيح أنها طبعت الكثير من الدولارات منذ عام 2008، ولكنها قد اتخذت أيضاً خطوات لتخفيض سرعة تداول هذه الدولارات في الأسواق. من المرجح لمعدلات تضخم الأسعار أن تكون أعلى على مدى العامين المقبلين، أو نحو ذلك، ولكن بعض الضغوط التضخمية المباشرة بدأت في الانخفاض بالفعل. أسعار الأخشاب، على سبيل المثال، صارت الآن في تراجع واضح. وعلى مدى عشر سنوات قادمة، يمكن للحكومة الأميركية أن تقترض بسعر فائدة حقيقي يقترب من الصفر، وهو ما لا يعتبر إشارة على الإمبراطورية التي توشك على الانهيار. كما أن الحكومة الأميركية ليست على وشك مواجهة التضخم المفرط. ربما تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 200 في المائة، ولكن دولة اليابان الأفقر اقتصاداً والأصغر حجماً تبلي بلاءً حسناً مع مستويات مماثلة من الديون. ولنضع في اعتبارنا أن الثروة الوطنية، رغم صعوبة تقديرها، تبلغ 6 إلى 8 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وعلى هذا فإن نسبة الدين إلى الدخل التي تبلغ 200 في المائة قد تعني أن معدل الدين إلى الثروة منخفض وقد يصل إلى 25 في المائة. وهذا ليس نهاية العالم بالنسبة للولايات المتحدة. من المرجح للعملات المشفرة أن تُلحق الأضرار بعملات البلدان التي لا تبلي بلاءً اقتصادياً حسناً، مثل فنزويلا. وليس من المتوقع اختفاء العملات الورقية بين عشية وضحاها، لذلك يمكن للعملات المشفرة أن تزيد من قيمة الدولار على المدى البعيد من خلال خنق ظهور المنافسين المحتملين. النقطة الثانية، التي غالباً ما يتم إهمالها في مجتمع العملات المشفرة، هي أن أسعار تلك العملات لن تستمر في الارتفاع بمعدلات عالية إلى الأبد. ولا يهم إذا كان انكماش عرض النقود قد تم دمجه في نظام العملات المشفرة من عدمه. عند نقطة ما، سوف تحدد السوق قيمة العملات المشفرة، مع دمج تلك المعلومات في مستوى مرتفع من السعر لتلك الأصول. ومن ذلك الوقت فصاعداً، ستكون معدلات العائد المتوقعة طبيعية للغاية. ومن المفارقات الواضحة، أن العديد من الحجج التي ساقتها مختلف أنواع العملات المشفرة تشير بشكل خاص إلى انخفاض معدلات العائد المالي على تلك العملات. وبقدر ما تكون العملات المشفرة مفيدة كضمان أو لأغراض السيولة النقدية، سوف يكون الناس أكثر استعداداً لإبقاء العملات المشفرة عند أقل أسعار العوائد المالية الممكنة، تماماً كما أنهم على استعداد للاحتفاظ بالنقود الورقية، أو كما أن الاستخدامات الجانبية لسندات الخزانة الأميركية تزيد أسعارها وتنخفض معدلات عائداتها المتوقعة. وإذا ما وصلنا في نهاية المطاف إلى عالم من المتوقع أن ترتفع الأسهم فيه بنسبة 5 إلى 7 في المائة سنوياً، وعملة بيتكوين بنسبة 1 في المائة على سبيل المثال، فإن هذا الوضع سوف يكون علامة على نجاح العملات المشفرة. والنقطة الأكثر عمومية هي أنه رغم أن العملات المشفرة كانت من فئات الأصول غير الاعتيادية على مدار تاريخها بأكمله، فإنها لن تظل على هذه الصفة إلى الأبد. وأنا أفهم لماذا قد يبدو أنصار العملات المشفرة وكأنهم مستاؤون من توبيخ خبراء الاقتصاد النقدي السائد. والواقع أن قلة من خبراء الاقتصاد بذلوا الكثير من الجهد في دفع أو تطوير أفكار العملات المشفرة، ولقد سخروا منها في بعض الأحيان. وأيا كانت قيمة العملات المشفرة على المدى البعيد، فلقد أخطأت الأسواق المالية في فهمها. باعتبار ما قد قيل، فإن التطبيع - لنظرية العملات المشفرة وقيمتها كذلك - يسير على طريقه الصحيح. وسوف يكون الوضع الراهن أقل متعة من وضع العملات المشفرة الراديكالي الذي يتسم بالكثير من الغموض. ولكنه برغم ذلك شيء يستحق الاحتفاء به. - بالاتفاق مع «بلومبرغ»
مشاركة :