نظام مهنة الطب والمؤسسات الطبية من أدق النظم الحديثة التي تتعلق بتنظيم الممارسات الطبية. ولا أود هنا الولوج في جميع تلك الأنظمة فهي كثيرة جداً، وتحدد كل شأن فيما يخص المريض أو المرض. بيد أن إحدى أهم المناطق التي يصطدم فيها النظام بالثقافة هي تلك التي تتعلق بالسياسات والإجراءات الطبية. وسأتناول 3 نقاط أرى أنها مهمة في إلقاء الضوء عليها وهي: أولا: سرية المعلومات الطبية من المفترض -وحسب النظام- أن يعتبر المريض في حماية تلك المؤسسة الطبية حال دخوله المؤسسة وإعطائه معلوماته الشخصية التي اعتمد عليها في تدشين سجله الطبي، وبوحه للطبيب أو المختص بشكواه، ولا يجوز إلا لمن يخولهم هو شخصياً من خارج الفريق الطبي بالإطلاع على تلك المعلومات التي يجب أن تظل تحت الكتمان إلا في الحالات التي يسمح بها المريض ذاته، ودون أن يتعرض إلى ضغط من أي جهة كانت، لكنك تجد الكثير من خارج المستشفى من أقارب المريض أو أصدقائه من يتعدى سؤاله عن حالة ذلك المريض إلى أشياء خاصة، دون النظر إلى أحقية المريض المعني في الاحتفاظ بسر بدنه لنفسه. قد يكون الأمر بدافع الحب والشفقة، لكن حتى هذا الدافع النبيل لا يبرر قطعاً انتهاك حق المتعالج أو المريض في الخصوصية. ثانيا: تراتبية المؤسسات الصحية فالمؤسسات الصحية الحكومية درجات، تبدأ بمؤسسات الرعاية الأولية وتنتهي بالمستشفيات التخصصية، مروراً بالمستشفيات العامة التي يفترض بها أن تعالج حقلا كبيرا من الأمراض العضوية والنفسية. ويعتقد البعض جهلاً أن المكان الأنسب للعلاج هو المستشفيات التخصصية، بينما في الحقيقة فإن تلك الدرجة من الرعاية الصحية متخصصة في علاج نوعيات محددة من الأمراض، ليس بإمكان المستشفيات العامة علاجها. ثالثا: حقوق وواجبات المريض يعوز الكثير من المواطنين معرفة حقوقهم على المؤسسة الطبية، وفي الغالب فهم يأتون إلى المؤسسة وكأنهم يستجدون العافية أو أخبارا مطمئنة عن أجسادهم وأنفسهم، ويسلم البعض نفسه بدافع الخوف للمؤسسة الصحية لتعمل به ما تشاء، دون أن يبادر إلى السؤال عن لماذا يتم عمل هذا الفحص أو ذاك؟!. ينشأ الكثير من سوء الفهم والمشاكل من وراء هذه الأمور، فقد ركزت أهداف التوعية الصحية جهودها في تعليم المواطن كيفية حماية نفسه من الأمراض، وانصب الكثير من الجهد حول هذا المجال، وهو بلا شك أمر في غاية الأهمية، لكن إشراك جانب آخر في الوعي كتوعية المواطنين في تلك الجوانب الثلاثة المذكورة يمكن أن يوفر علينا الكثير من الجدل والوقت. وبودي أن اقترح ضمن التطوير المرتقب لمناهج التعليم، ونحن بحضرة وزير جديد، إشراك الجهاز التعليمي في إنشاء ثقافة (الإجراءات الطبية)، وإدخالها بشكل مبسط وسهل الفهم ضمن المناهج، في تلك المساحة التي تعلم فيها الثقافة الطبية التقليدية. ولا تخلو مؤسسة طبية من نشرات تتضمن تلك المعلومات وقد تجدها معلقة في البهو الرئيس للمستشفى، إلا أن زرعها في التعليم سيؤدي إلى نشوء جيل يسهل توجيهه والتفاهم معه؛ مما سيوفر الكثير من العناء للمواطن والمؤسسة الطبية.
مشاركة :