عندما يقتحم الإنسان مجالات لا يُحْسِنُها فإنه يجني على نفسه ويفضحها، ويتعدى على العلم والمعرفة، ويهتك حُرْمَةَ التخصص، وإذا وصل هذا التعدي إلى كلام الله ورسوله فهو من القول على الله بلا علم، وذلك مطلب الشيطان وأمله، قال الله تعالى: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، «سورة البقرة: الآيتان 168 - 169». لا يكفي أن يثق الإنسان بعقله، ويعتمد على ذكائه، ويحسب أن عبقريته تجلب له العلوم من دون تَعَلُّم، بل عليه أن يمنع نفسه من الحديث إلا فيما يعقِل ويفهم، وإذا أراد فهم أمر طبي رجع للأطباء، أو سِرَّاً لغوياً رجع لأهل اللغة والبلاغة، وهكذا. وكما قال الإمام عبدالقاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز: «إذا تعاطَى الشيءَ غيرُ أهلِه، وتولَّى الأمرَ غيرُ البصير به، أَعْضَلَ الداءُ، واشتدَّ البلاءُ». وقد استولت طبيعة التعالم والفضول على بعض الناس، فتسرعوا للكلام فيما لا يُحسنون، ولهؤلاء وفي حقهم يقول الشافعي رحمه الله في الرسالة: «وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له». سمعتُ واحداً من هؤلاء المتهورين يقول: إن البخاري ومسلم لم يصححا الأحاديث اعتماداً على معارفهما وعلومهما، وإنما كانا يعتمدان على أقوال الحفاظ الكبار الذين سبقوهم كالذهبي وابن حجر، أيجهل هذا المتحدث أن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري والإمام مسلم بن الحجاج من علماء القرن الثالث الهجري، فكيف يعتمدان على الذهبي الذي ولد في القرن السابع وابن حجر الذي ولد في القرن الثامن، وهكذا العجائب. ونقول لهؤلاء ما قاله الإمام السمعاني في كتابه قواطع الأدلة في الأصول: «فإن من خاض فيما ليس من شأنه فأقل ما يصيبه افتضاحه عند أهله». ... المزيد
مشاركة :