تلقيت اتصالا كريما من معالي رئيس هيئة مكافحة الفساد، وهو رجل بلغ من دماثة الأخلاق درجة تخجل معها أن تقاطعه، كان عاتبا على مقال الثلاثاء الماضي «الحق الرأس بالذنب» عن انشغال الهيئة بقضايا الوعظ والإرشاد. سألني بداية إن كنت قد اطلعت على نظام الهيئة واستراتيجيتها الوطنية لمكافحة الفساد، فأخبرته أن مكتبه سبق وبعثها لي بعد مقال سابق عن نزاهة، فقال ستجد فيه أن النصح والإرشاد جزء لا يتجزأ من سياستها المعلنة في مكافحة الفساد، وأضاف أن نزاهة ساهمت وطالبت بسرعة التحقيق في كارثة سيول جدة وغيرها مما تكشف عنه في بياناتها، وأني ككاتب يجب أن أتحرى الدقة فيما أكتب. بالطبع كل الشكر لنزاهة التي ربما تكون أكثر الدوائر تجاوبا مع ما ينشره الإعلام، وإذا أذن لي معاليه سأختلف معه في هذه الجزئية، نصحv وإرشاد ووعظ الهيئة، وإن تضمن في استراتيجيتها الوطنية، لا أظنه يدخل في صلب اختصاصاتها، هذا عمل منابر ووزارات أخر، وهو أمر يفرضه نظام التخصص وتقسيم العمل، ما تقدمه نزاهة من محاضرات توعوية وأبحاث أخلاقية ومسابقات تعريفية تقوم به وزارات التربية والإعلام والشؤون الإسلامية والمساجد والأندية الأدبية وهيئات الأمر بالمعروف وغيرهم، ولأجل تفادي تداخل الاختصاصات وأحيانا التنازع عليها ومنعا للهدر المالي، أدعو نزاهة لترك الخبز لخبازه. والحقيقة أن القضية لها جذورها التاريخية، تذكرون ديباجات الكتب القديمة التي تبدأ بعد البسملة والحمد لله تعالى والصلاة على رسوله عليه السلام، ثم تسترسل في تناغم جميل لذكر فضائل الأخلاق وجميل الصفات في صفحات قد تبلغ الثلاث أو أكثر حتى يشرع المؤلف في الكتابة عن موضوعه، تفاقمت هذه العملية الأدبية مع مرور الزمن، وامتدت تلك الصفحات الثلاث لتتداخل مع متن الكتاب، لا أحد ضد المقدمات الجميلة المحفزة، لكن العمد دائما على المتن. وهيئة مكافحة الفساد، كأي هيئة مشابهة في العالم مهمتها الأساس الكشف عن الفساد، أي عمل آخر هو إشغال لنفسها وهدر لجهدها، أمر آخر أتمنى من الهيئة التخلص منه، ولا أعلم من أين ابتدعته، وهو تجريمها للتشهير باعتباره فعلا متعديا، وزارات عدة وجهات حكومية كثيرة تشهر بالمخالف، فلم تريد أن تكون الهيئة بدعا.
مشاركة :