مع تأهب الجنود الأميركيين لمغادرة أفغانستان بعد قرابة 20 عاماً، وسط ارتفاع في هجمات «طالبان»، يبدو أن مصير عشرات الآلاف من الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة بات معلقاً. الرئيس جو بايدن قال للصحفيين هذا الأسبوع، إن الحلفاء الأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية في أفغانستان مثل المترجمين والسائقين أو في مناصب أخرى سيُنقلون إلى مكان آخر حفاظاً على سلامتهم. وقال: «إن أولئك الذين ساعدونا لن يُتخلى عنهم». وهذا قد يعني نقل عشرات الآلاف من الأشخاص في وقت تلوح في الأفق عودة «طالبان». وبالنسبة لمن يتابع تاريخ النزاع الأميركي، فإن خطوة نقل حلفاء إلى مكان آخر في وقت تفقد فيه واشنطن الرغبة في الحرب تذكّر بأحداث من الماضي. فخلال الأيام الفوضوية الأخيرة من حرب فيتنام، وبينما كانت القوات الشيوعية لفيتنام الشمالية تدّعي النصر، قامت الولايات المتحدة بإجلاء آلاف الفيتناميين الجنوبيين. ومؤخراً، وفّرت الولايات المتحدة عدداً صغيراً من التأشيرات لمترجمين وآخرين في العراق ممن ساعدوا الجيش الأميركي هناك. ولكن المدافعين عمن تُركوا على الميدان ينتقدون هذه الجهود باعتبارها بطيئة وغير كافية أمام الحاجة الملحة والعاجلة. ففي مقال له بخدمة بلومبرج الإخبارية، أشار الأميرال الأميركي المتقاعد جيمس ستافريديس إلى مقتل حلفاء الولايات المتحدة في فيتنام، وقال إنه لا يريد «تكرار تلك النهاية القاتمة». وتقدّر منظماتُ لمتطوعين أن ألف مترجم محلي على الأقل ممن عملوا مع الولايات المتحدة في أفغانستان أو العراق قُتلوا، وأن الكثير منهم قُتلوا أثناء انتظار التأشيرات. إدارة نيكسون سحبت الجنود بشكل أحادي الجانب من فيتنام في 1973: ففي 30 أبريل 1975، زحف الفيتناميون الشماليون على سايغون، التي تعرف الآن بمدينة «هو تشي منه». كان قرابة 6 آلاف أميركي ما زالوا في فيتنام الجنوبية خلال أسابيع قبيل سقوط العاصمة، وظل المئات هناك في وقت دخلت فيه القوات الفيتنامية الشمالية المدينة. وقد تابع المشاهدون الأميركيون على التلفزيون طائرات الهيلوكوبتر وهي تُجلي الأميركيين من السفارة، وتنقلهم إلى سفن البحرية بسرعة. ولكن مهمة أكبر بكثير كانت في الانتظار، ألا وهي: إجلاء شركاء أميركا من الفيتناميين الجنوبيين. وفي المجموع، أُجلي نحو 7 آلاف شخص خلال عملية «الرياح المتكررة»، بمن فيهم أميركيون وفيتناميون جنوبيون، ما جعلها أكبر عملية إجلاء بالطائرات الهيلكوبتر في التاريخ. آخرون كثيرون تمكنوا من الخروج من البلاد بطرقهم الخاصة، وفي 1975 وحدها، جلبت الولايات المتحدة في نهاية المطاف أكثر من 100 ألف شخص إلى جزيرة غوام من أجل دراسة حالاتهم قبل نقلهم إلى مكان جديد. ويرى بعض المشرّعين أن غوام يمكن أن تلعب دوراً مماثلاً بالنسبة للأفغان الذين يتم إجلاؤهم. غير أن هذا كان الجزء المبكر فقط مما ستصفه «لجنة الصليب الدولي» بـ«أكبر عملية إعادة توطين للاجئين في التاريخ الأميركي»، مع وصول موجات من اللاجئين الفيتناميين إلى الولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات. وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للفيتناميين الجنوبيين الذين غادروا البلاد وسط الاجتياح الشيوعي، إلا أن الكثيرين تُخلي عنهم. وفي كثير من الأحيان، قُتلوا أو أُرسلوا إلى «معسكرات لإعادة التربية». وقال قائد هيئة الأركان المشتركة الجنرال «مارك ميلي» للمشرعّين مؤخراً، إنه لا يريد «أن يرى سايغون 1975 في أفغانستان». ومن جانبه، كتب جيم جونس، وهو من الجنود الذين شاركوا في حرب فيتنام قبل أن يعمل لاحقاً في المحكمة العليا لآيداهو، في نشرة «ميليتري تايمز» الشهر الماضي: «إن أوجه الشبه بين حرب فيتنام وحرب أفغانستان مزعجة»، مضيفاً «كان لدينا واجب أخلاقي لإخراج أكبر عدد ممكن (من الحلفاء)، ولكن بدلاً من ذلك، تخلّينا عليهم وتركناهم يواجهون مصيراً فظيعاً». الولايات المتحدة أجلت حلفاء آخرين، وخاصة من العراق. عقب حرب الخليج الثانية، قامت الولايات المتحدة وشركاؤها في الائتلاف بجهد إنساني للدفاع عن الأكراد العراقيين الذين وقفوا مع القوات الأميركية والدولية ضد صدام حسين. ومع تطبيق «منطقة حظر الطيران» في شمال العراق، ساعد هذا الجهد على وضع منطقة من البلاد تحت السيطرة الكردية، ما أدى في نهاية المطاف إلى منطقة كردستان العراق التي تتمتع بحكم ذاتي. ولكن بعد تجدد التهديدات من قوات صدام حسين في 1996، قام الجيش الأميركي بإجلاء موظفيه من الأكراد المحليين في العراق وأخبر الموظفين السابقين وأُسرهم، وكذلك أعضاء أحزاب المعارضة المدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية أو موظفي المنظمات الأميركية غير الربحية، بأنهم يستطيعون التقدم بطلب إعادة توطين اللاجئين. ونجح قرابة 7 آلاف شخص في الهجرة إلى الولايات المتحدة في ظرف عام. وفي 2003، غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق، حيث أسقطت نظام صدام حسين وبقيت هناك حتى 2011، قبل أن تنسحب وتعود في غضون ثلاث سنوات بسبب صعود تنظيم «داعش». وعلى مدى تلك السنوات، قُتل العديد من العراقيين الذين عملوا مع الأميركيين، ويخشى البعض بشكل متزايد أن يُستهدفوا من قبل الميليشيات المدعومة من إيران. هذا التهديد ازداد عقب الضربة الأميركية التي قتلت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في أوائل 2020. وفي هذا الصدد، يقول ستيف ميسكا، مؤلف كتاب «قطار أنفاق بغداد»، وهو كولونيل متقاعد في الجيش الأميركي عمل من قبل مع مترجمين عراقيين: «لديك مجموعة كبيرة من المليشيات الإيرانية التي تعمل على ملاحقة الأشخاص الذين لديهم علاقة بالأميركيين في العراق». ومنذ 2008، باتت «تأشيرة هجرة خاصة» متاحة، نظرياً، للعراقيين الذين عملوا مع الولايات المتحدة، ما وفّر إجراءات سريعة للهجرة. وفي العام تلاه أُنشئت «تأشيرة هجرة خاصة» للأفغان. غير أن هناك سجلا طويلا. فهناك نحو 70 ألف أفغاني ينتظرون تأشيرات خاصة تسمح لهم بالانتقال في الولايات المتحدة في نهاية 2020. ويشمل هذا العدد الأشخاص الذين عملوا مع الجيش والحكومة الأميركيين إضافة إلى أُسرهم الصغيرة. أما في العراق، فإن طابور الانتظار أطول، إذ هناك نحو 100 ألف شخص تُركوا ينتظرون. وفي الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لزيادة عمليات إجلاء الحلفاء من أفغانستان، عُلِّق برنامج العراق وسط تحقيق في تزوير التأشيرة. آدم تايلور صحافي متخصص في الشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :