فن الخط.. من الجمال إلى الانعكاسات الصحية

  • 10/10/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

علم الخط (Calligraphy) من أقدم الفنون التقليدية في كثير من اللغات مثل العربية والصينية، وعند بحثي عن سبب اهتمامنا بالخط، وجدت السابقين تحدثوا عن أسباب كثيرة منها شموله لجوانب عديدة من حياة الإنسان، فهو يعكس تطور الفكر الإنساني ويمثل أعمق خصائص أي حضارة. وأما الاهتمام بالخط العربي خاصة، فهو من الفنون التي أبدعتها الحضارة الإسلامية، بل ومن أكثرها انتشاراً، فهو ليس فناً ترفيهياً أو جمالياً فحسب، وإنما صناعة تثير في النفس أبلغ مشاعر الإجلال والتوقير. وأثناء بحثي تعرفت على زاوية جديدة من الفوائد العظيمة لممارسة علم وفن الخط من خلال أبحاث حديثة هامة تؤكد أن ممارسة هذا العلم والفن لها تأثيرات إيجابية كبيرة على المستوى الفسيولوجي الجسدي بل وعلى صحة العقل، وهذا ما أجمع عليه عدد كبير من الباحثين في هذا المجال، ومنهم البروفيسور (Henry S. R. Kao) الذي قضى ثلاثة عقود من عمره ليثبت بالدراسات العلمية والإكلينيكية أن ممارسة فن وعلم الخط كان لها فوائد عظيمة على الاستقرار العاطفي وخفض التوتر وحث القدرات العقلية المعرفية والتركيز، وقد اتبع في أبحاثه منهاج البحث العلمي المرتكز على البرهان والشاهد والدليل العلمي (Evidence Based)، بل حصل على نتائج مذهلة في تجاربه الإكلينيكية وتطبيقاتها، وبذلك أثبت نظرياً وإكلينيكياً وعملياً وتطبيقياً فوائد ممارسة فن الخط على صحة الإنسان الجسدية والعقلية والروحية. وقدمت إحدى الدراسات إثباتات إضافية للأسس البيولوجية لعلاج السلوك وإعادة التأهيل لكبار السن والمرضى المصابين بالإعاقات الحركية أو العصبية والأمراض النفسية. وهناك دراسات أخرى عديدة تبين فوائد فسيولوجية أخرى لممارسة علم وفن الخط مثل خفض دقات القلب والضغط وسرعة التنفس وعضلات الجهاز العضلي والنشاط الكهربائي لعضلات الجهاز العضلي، بل كذلك بالإضافة إلى رفع القدرة على التركيز، فإنها ترفع القدرة والسرعة في صنع القرارات ودقتها وإدراك الفراغ والأبعاد والتفكير التجريدي وغيرها كثير. ونشر (Shadmehr and Holcomb) من جامعة (Johns Hopkins) دراسة في مجلة العلوم (Science Magazine) بينت أن الدماغ قد تغير كرد فعل ونتيجة لفعل حركة اليد الجسدية أثناء ممارسة فن خط اليد، وقد اعتمدت الدراسة على التغيرات التي قد تحدث في الدماغ باستخدام جهاز التصوير المقطعي الوظيفي لإثبات هذه التغيرات في الدماغ (PET Scan)، بل كذلك تكوين توصيلات عصبية جديدة. بل يؤكد (Rand H. Nelson of Peterson Directed Handwriting) أن الطفل الذي يمارس فن الخط تحدث له تغيرات في دماغه تعينه على التغلب على التحديات في الحركة، ويؤكد أن الحركة المادية الجسدية بالإمساك بالقلم والتدريب على الكتابة والخط تؤدي إلى رفع القدرة لتعلم اللغة، كما تؤدي إلى حث التواصل بين الفص الأيسر والأيمن من الدماغ والذي لا يحدث أثناء الطباعة والكتابة العادية، ولهذا السبب بالذات نجد أن الفتيات أسرع من الفتيان في التعلم في الأشهر الأولى، حيث إن الجزء الذي يربط الفص الأيمن بالأيسر يسمى (Corpus Callosum) أكبر حجماً في هذه المرحلة في الفتيات منه مقارنة في الفتيان، والأولاد الذين يمارسون فن الخط في مرحلة مبكرة من أعمارهم يحققون نتائج إيجابية كبيرة. الآن أفهم بعداً آخر أعمق لقوله تعالى (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).. نعم إنه القلم الذي أودعه الله القدرة على تعليم الإنسان بمجرد أن يحمل الإنسان القلم بين يديه ويبدأ في الكتابة يستحث فسيولوجياً وحيوياً وعقلياً ونفسياً للتعلم. فإذا كانت الدراسات على فن الخط الصيني أدت إلى كل هذه الفوائد العظيمة فكيف الحال بالخط العربي؟.. اللغة العربية التي اختارها الخالق أن تكون اللغة التي تحمل كلماته سبحانه، هل يمكن لنا أن نتصور بعقلنا أن الخالق سبحانه وتعالى الذي يدير الكون من الذرة إلى المجرة سيترك لكلماته وكلامه سبحانه أن ينقل بلغة تطورت دون رقابته ورعايته لتكون قادرة على توصيل المعاني العميقة الدقيقة، لغة تليق بالتعبير عن كلام خالق الكون.. حاشا لله أن يترك تطور هذه اللغة دون رعاية أو رقابة منه سبحانه، سواء كانت اللغة العربية توقيفية أو تطورت عبر السنين. بل ما بالك بممارسة فن وعلم الخط لكلام الله ككتابة القرآن الكريم.. إنها اللغة العربية لغة أهل الجنة، إنها اللغة العربية التي اختارها الخالق وجعلها أهلاً لحمل كلماته، وإنه القرآن الكريم كلام الله المقدس. وإنني أجد الحاجة ماسة لأمرين، الأول: أننا في أمس الحاجة لدراسات علمية إكلينيكية على تأثير الكتابة وعلم الخط العربي على الدماغ ومقارنتها بلغات أخرى، وكذلك تأثير خط وكتابة آيات الله وكلمات الله خاصة، مقارنة بكلمات عربية غيرها على مستوى الصحة الجسدية والفسيولوجية والعقلية والعصبية والنفسية. والثاني: إعادة مادة الخط في المناهج الدراسية في المستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي كما حظيت أنا وجيلي بدراسة هذا العلم والفن العظيم، والذي يثبت العلم لنا يوماً بعد يوم بالدراسة الإكلينيكية والتطبيقية مدى أهميته في صحة الإنسان الجسدية والعقلية والعصبية والنفسية.

مشاركة :