الدوحة - الراية: دعا فضيلة الشيخ الدكتور محمد حسن المريخي المسلمين إلى العظة والاعتبار من نهاية الأعوام خاصة والأمة الإسلامية تودع في هذه الأيام عاما هجريا وتستقبل آخر جديدا. وأكد، خلال خطبة الجمعة أمس، أن المسلم الموحد ذو بصيرة واتعاظ واعتبار هكذا رباه الإسلام ليس غافلاً مطأطأ رأسه ومنكسه، ولكنه رافع رأسه يقلب وجهه في السماء وفكره في الكون والمخلوقات في الليل والنهار في دوران الأفلاك والنجوم في انقضاء الأعوام والسنين في ظهور الأقمار وغيابها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) المسلم الفطن لا يمرر الأيام والشهور تمريراً، ولا يأذن لنفسه بتمريرها حتى يحملها من الشواهد له ومن قوارب السلامة التي يرجوها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، يحملها العبرة والعظة والاعتبار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). وأضاف: نحن المسلمين في هذه الأيام نودع العام الهجري 1435 خمسة وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة رسول الله ونستقبل عاماً آخر. مضى عام من أعمارنا اقتربنا من الآجال والآخرة وابتعدنا عن الدنيا الفانية، رحل عنا في عامنا من انتهت آجالهم من الأحبة والخلان وفلذات الأكباد والأحباب والجيران، نزلت بهم المنايا فحملتهم إلى البرزخ وأسكنتهم القبور وجاورتهم الديدان والدواب وسكان الجحور، تركوا ذرياتهم ومساكنهم وما جمعوا من مال وبنين وجنات وقصور وملك وسلطان وجبروت ، أخذهم الموت من بين أيدينا ونحن ننظر إليهم ولا حيلة لنا ولا قوة، أخذهم هادم اللذات وتركنا وسوف يعود لنا يوماً ليأخذنا ويترك من بعدنا (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) إن نهاية الأعوام تذكرنا بنهاية الآجال، تذكرنا بالموت الذي كتبه الله على كل حيّ في هذه الدار (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وإن الخوف الحقيقي من الموت هو الذي يدفع صاحبه إلى العمل الصالح ، إلى اغتنام العمر ، إلى العمل بهذه الشريعة الغراء التي لن يفلح أحد بين يدي الله تعالى إلا من جاءه بها نقية خالصة لوجهه الكريم (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وأشار إلى أن الله تعالى قد أمر بالاستعداد للقائه بالعمل والتزود منه قبل نزول الموت قبل أن يحال بين المرء والعمل (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ) مؤكدا أن من أعظم ما نتذكره في ختام عامنا الهجري هذا أيضاً عقيدتنا الإسلامية التي يجب أن نعض عليها بالنواجذ وألا نساوم عليها، إن عقيدة الإسلام باقية إلى زوال هذه الدنيا ولن يستطيع أحد أن يبدل فيها. وأضاف: إن عقيدة الإسلام محفوظة بحفظ الله تعالى، وأنها لا تخضع لأي تغيير ولا تتأثر بأي تبديل يطرأ على الدنيا، فهي كما جاءت عن رسول الله تعالى كما بلغها رسول الله، وعلى المسلمين أن يتمسكوا بها بيضاء نقية مبرأة من كل نقص منزهة عن كل عيب متبرئة من كل ما تعلق بها مما ليس منها (يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً وإن الله تعالى كتب الحياة والبقاء والتمكين في هذه الأرض إلى ما شاء الله لمن اعتصم بدينه الحنيف واستمسك بعقيدته السمحة (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) كما تعهد سبحانه بالحياة الحقيقية لأهل دينه وعقيدته حياة يجدون لذاتها في طاعته ومراقبته (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) وأكد ضرورة التمسك بالإسلام الذي جاء به رسول الله من غير تبديل ولا تغيير هو سر النصر والتمكين والرفعة (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا). وقال: الإسلام منهج حياة ، فما تعلق أحد بحباله واستوثق بعروته الوثقى إلا أحياه الله وأمده بالحياة والظهور والقوة، فإن العرب في الجاهلية كانوا أمة ميتة لا تعرف ولا تذكر فلما جاءهم الإسلام واعتنقوه وتابعوا رسوله دبت فيهم الحياة فقامت أمة ودولة أجبرت الأمم على اعتمادها ووجودها وحسبت الأمم لها حسابها ومكانها وهابت منها وأجبرت على الخضوع لها ومطاوعتها واستسلمت لها، فقادت الأمة الإسلامية الأمم قروناً طويلة كما يشهد بذلك التاريخ، كل ذلك بسبب اتصالها بالدين الحنيف فهو الروح التي تحيا بها الأمم والأبدان والبلدان، وقد سمى الله دينه روحاً (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وقال تعالى مذكراً العرب خاصة والمسلمين عامة (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وهو حياة للأبدان والأشخاص والأفراد كما هو حياة للأمم والمجتمعات والبلدان يقول رسول الله (مثلُ الذي يذكرُ ربّه والذي لا يذكرُهُ مثل الحي والميّت) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية (مَثلُ البيتِ الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر الله فيهِ مثل الحي والميت) رواه مسلم ، فكم في الدنيا من أموات وهم أحياء يمشون في الأرض بسبب انقطاع صلتهم بربهم عز وجل، فأطفأ الله نورهم وطمس ذكرهم ومنع ظهورهم حتى يراجعوه ويتصلوا به ، وفي المقابل رفع الله ذكر أقوام وأعلى مقامهم وأقامهم ظاهرين معروفين مذكورين بكل خير رغم أنوف الحاسدين والأعداء والمغرضين بسبب اتصالهم بربهم عز وجل وإقامة دينه حتى بعد موتهم وانقضاء أعمارهم وانتهاء آجالهم أبقى الله تعالى راياتهم خفاقة وحفظ ذكرهم على مرّ القرون، فهذا رسول الله وأصحابه وتابعوهم وأهل القرون من الأئمة الراشدين المعارضين لهم وكثرة المقاومين لمنهجهم وإلى يومنا هذا، أبقى الله لهم ذكرهم فلا يذكرون إلا بخير ويترحم عليهم وتنهج مناهجهم وتسلم مسالكهم، كل هذا الخير جاءهم لاتصالهم بالدين الحق والصبر عليه، يقول الله تعالى لرسوله (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ويقول سبحانه عن إدريس عليه السلام (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) وهذا مآل وحال من اتصل بالله من خلال العمل بهذا الدين فله من الله تعالى الثناء الحسن والذكر الجميل في الحياة الدنيا وله الرحمة والدعوات والقبول إن شاء الله في الدار الأخرى، وأما من اتخذ الإسلام رداء فقط بلا عمل به وعقيدة أو من أعرض عنه واعتنق فلسفات الشرق والغرب وتعلق قلبه بالبدعة والتخريفات واتبع مناهج الضلال فليس له إلا الذكر السيئ وموت الدنيا موت الذكر والسمعة والطمس والخروج من الدنيا غريباً غير معروف، كأرباب المناهج وأصحاب الرايات الجاهلية والأحزاب والفرق والدول والأمم الكافرة التي أرادوا محاربة الله ودينه، يقول تعالى (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) وقال عنهم (فَلَمَّا آسَفُونَا -أي أغضبونا- انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) ثم لفت الله تعالى أنظار عبيده الأحياء إلى مصير من سبقهم ممن عصاه وخالف أمره ليحذروا وليأخذوا العبرة من مصيرهم وما آل إليه وضعهم وكيف كانت نهايتهم فقال (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وقال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الوَارِثِينَ) ولتكون العبرة أبلغ وأجدى في نفوس الأحياء أبقى الله تعالى أبدان بعض من أهلكهم ليراها الناس فهذا فرعون معروض للناس ينظرونه وهذه رموز الأمم وصناديدهم التي قاموا يوماً يحاربون الله ورسوله فغلبهم الله وخذلهم وانتصر عليهم (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) فاعتنوا أيها المسلمون بدينكم وإسلامكم واحفظوا عقيدتكم الإسلامية صافية نقية كما جاءتكم من عند ربكم تبارك وتعالى واعلموا أن ما عند غيركم من الناس باطل مردود عليهم - الصليب والولد والزوجة والتثليث وسائر المعبودات (إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلونَ).
مشاركة :