برعاية أمير منطقة الباحة الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز، انطلقت البارحة النسخة السادسة من ملتقى الرواية العربية، في نادي الباحة الأدبي، عبر تطبيق (زوم).ويشارك في الملتقى ما يزيد على 60 باحثاً وباحثة يتناولون نحو 1700 عمل روائي محلياً وعربياً صدرت خلال 20 عاماً، ويكرم الملتقى الروائية أميمة الخميس، والنقاد معجب الزهراني، وصالح معيض، ومحمد سعيد ربيع، وصالح زياد، ومعجب العدواني.أميمة الخميس: اختياركم كسر لما كان عصياً على النساءثمّنت الروائية أميمة الخميس لأدبي الباحة اختيارها شخصيةً للملتقى، وتكريمها في النسخة السادسة من منطقة الباحة، وقالت: «لا شيء ينازل البدائي والمتوحش في أعماقنا كجماليات الإبداع، لا جبل نستشرف منه آفاق المستقبل كتجليات الفنون، ومن هنا كانت الفنون والآداب هي رفيق سحيق للإنسان في رحلته التصاعدية نحو التحضر والاستقرار المدني، والإبداع هو الذي يصنع كوة في ظلمة الأسئلة الوجودية التي تطوق الإنسان، وهو الذي يزيل حجب اللامعنى من دربه». ومن هذه الزوايا يجترح نادي الباحة الأدبي نشاطه، ويشهره في وجه الصمت ولزوجة الخمول التي تهيمن على معظم الأندية الأدبية حولنا. وعدت أدبي الباحة جريئاً وفاعلاً لم يكمن داخل حصار الحجر الصحي، بل جير التقنية ليصنع خيمة شاهقة انضوى تحتها أدباء ومبدعون من أنحاء العالم العربي، وصولا إلى المبدعين العرب في أوروبا. وتخلى عن البيروقراطية التراتبية في المؤسسة الثقافية، واستقلت النخب المثقفة في الباحة بمشروعها، وعملت بروح الفريق المنسجم المتوائم الذي يحمل هماً ووعياً ثقافياً مرتفعاً. واختار شخصية العام المكرمة أن تكون امرأة، وعادة يكون مجلس الرجال الكبير عصياً على النساء، لكنها الثقافة المؤنسنة في عهد انبلجت بشاراته تطوق المكان، والشعر كان سلطان الفنون وديوان العرب وذاكرة المكان، لكن أتت الرواية واستلبته صولجانه وسطوته، وحده نادي الباحة أتاح لها ساحاته وحقوله. وإثر كل هذه الأجنحة التي حلق بها نادي الباحة.. أي سرب يستطيع ملاحقته أو موازاته.رئيس أدبي الباحة:سلاماً يا زعيم المبدعينقال رئيس أدبي الباحة حسن الزهراني في كلمته في افتتاح الملتقى: «يا شهرزاد الغيم، قد كان ياما كان، (في هذا الزمان)، وليس في ما كان، في ماضي الزمان، في ليلة الألفين والعشرين بعد الألف، كانت (شهرزاد الغيم) تمشط شعرها العشبي فوق مروج رغدان البهية، تلهو به الألحان والأوزان، من وادي (العقيق) إلى (ضيان)، وروت لروحي قصة العشق التي قسمت (شدا) نصفين، من فرط الحنين وقد تسربل بالحنان، وتنهّدت من كل أعماق التوجّد، ثم قالت: إن نبعَ الماء في (ذي عين)، دمعُ صبيةٍ قتلوا فتاها، عندما غنّى لها بيتين، من (طرق الجبل)، فاهتز (عيسان) الجليل، وناح (منور) من أساها المر، وانتحب (الخَلَب)، وجرت دموع (السيسبان)، وتأوّهت من حزن (حزنة)، وهي تندب (نِيس)، قالت: كان يعشقها فأطفأ سعدها الواشون، وانطفأ الحنان، فهتفت كُفّي، لا تزيدي القلب أوجاعا: سنمضي الآن نجمع بالرواية، شمل كل العاشقين، ونغسّل الحزن الدفين، ونقول (للمشري) سلاماً يا زعيم المبدعين، يا شهرزاد الغيم، قومي وانفضي هذا الأنين، سِيري بنا بالله، في وديانك الغناء، نجمع في سلال المشتهى عنبا ورمانا وتينا. هاتِ الدنان، وعتقيها بالحنان واسقي ضيوفك من معتق كَرْمِك العذري، يا بنت الغيوم.وانا دعيني انسج الترحيب سرباً من بيان.. مرحباً قلتها عندما قالها: الورد ـ للعطر، والغيم ـ للقَطْر، والليل ـ للبدر، والنبض ـ للشعر، واللحن للأغنيات العذاب، مرحباً يا (أميمة) في باحة الحب، غنى بها كل قلب تشرب حرفك يااااوارفة. مرحباً رددتها على مسمع الكون، من هاهنا كل ريحانة عبقت عاطفة. مرحباً من صميم الوداد المعتق بالفخر، بـ(المعجِبَين) وبـ(الصالحين) و(الربيع) الذي جاز بالحرف، كل المجازات، نحو الرؤى الهادفة، مرحباً من صميم الفؤاد، بمن شاركونا من المبدعين النجاح. وجاءوا هنا يشعلون الرواية عشقاً بهياً، ويُرقون أذواقنا من حكاياهم النائفة، مرحبا هيل يا ضيوف الجنوب، عدد السيل في الربا والدروب، ألف هلا في باحة الحسن يااامن قد سكنتم بالحب نبض القلوب».الجلسة الأولى: الأنساق المضمرة في الوارفة.. والتعاضد في البحرياتخصصت الجلسة الأولى لتناول جانب من أعمال شخصية الملتقى «أميمة الخميس»، إذ تناولت الناقدة الدكتورة ثالثة الزهراني الأنساق الثقافية المضمرة في رواية الوارفة، وعدتها محاولة للكشف عن مختلف الأنساق الثقافية المضمرة والمبطنة داخل النص، كون الرواية تعبر عن وضع المرأة من خلال شخصية الدكتورة الجوهرة، ابتداءً من نشأتها التقليدية التي علمتها الصمت وفي الوقت نفسه السباحة في أعماق الذات، والاستقلالية، ومعاناتها من أعراف المجتمع التي همشت دور المرأة رغم حصولها على أعلى الشهادات والمراتب العلمية، وذهبت إلى ارتباط ثقافة المجتمع بالشخصية النسائية الرئيسية، وركزت الورقة على ثلاثة محاور رئيسية (مفهوم النقد الثقافي، النسق الثقافي، ونحو قراءة ثقافية)، وانطلقت في قراءة موسعة في الأنساق المضمرة في الرواية، لتؤكد أن الرواية تحمل أنساقاً ثقافية مبطنة تعرّي ثقافة مجتمع معين، عبر (النسق الاجتماعي، والديني، والتعالي، والمثالية)، باعتبار الأنساق هو نتاج ثقافي اجتماعي بفعل ترسبات الفكر في الذهنية العربية ومجتمع بيت عليشة، تجاه المرأة، في صورة تعالٍ وهيمنة ذكورية وتهميش للأنثى وقولبتها في قوالب محددة لا يجب أن تخرج عنها، وترى لغة الرواية مواجهة لسلطة المجتمع والرجل، ونجحت باختيار شخصية نسائية بطلة للرواية كونها النموذج الواعي الذي تسعى من خلاله إلى إثبات الذات والهوية في المجتمع.فيما تناولت الدكتورة أميرة المحارب ما تتمتع به الروائية أميمة الخميس من سرد خاص خاضع لإشكالات حضور المرأة وخصوصيتها الاجتماعية والثقافية في المشهد المحلي؛ لتنثال محكياتها الأنثوية، وتتبنين سرديتها وفق نسقية تواترها الدلالي إنتاجية، الذي يحقق للقارئ توقعات بحسب كفايته الأيديولوجية، ومن ثم يبني معها النص إنتاجيا لتحقيق آلية التعاضد التأويلي، وتبرز أهم العوالم الممكنة التي صنعت المعنى الأنثوي في روايات أميمة الخميس بواسطة القارئ النموذجي، ومما لاشك فيه أن الكاتبة حصنت أفق قارئها بإستراتيجيات سردية، وتمكنت من الوصول إلى معرفة خصوصية المجتمع النجدي في روايتيها (البحريات والوارفة).جلسة النقاد المكرمين.. تنوير وإبداع وتأصيلتناول أكاديميون سير النقاد المكرمين، واستعرضت الدكتورة أمل القثامية جانباً من عطاء الدكتور معجب الزهراني بورقة (من خارج سيرة معجب إلى داخلها.. إنسان تفرد في صمت).. بدءا من نشأته في قرية الغرباء ونسبته لجد غامض يُلقب بالغريب وسلالة خرجت من قلب طائر أسود، أو من قلب رجل حاول أن يغتسل من خطيئة قديمة بخلق هوية جديدة له، وتشكل وعيه القرائي في سن مبكرة، فقرأ للجاحظ وابن حزم وطه حسين، لا يمكن أن يكون إلا كأسطورة سلالتِه متفرّداً في كل شيء حتى في صمته وسكونه. وعدّت تفردٌه صامتاً، إذ يعمل في سكوت ويترك خلفه جلبة عالية، ويكتب في هدوء فتثار حوله الخطابات والخطب. لا يعبأ كثيراً بالأضواء والظهور ومع هذا فهو ظاهرٌ كسحب جبال الباحة الشاهقة، ينحاز دائماً إلى الصمت والسكون حد امتداد السكون لإنتاجه النقدي، كونه لم يهتم لسنوات طويلة بنشره وطباعته، وما زال كذلك. فلديه -كما أعلم- الكثير من البحوث والقراءات التي لم تطبع في كتب. ولفتت إلى تنويريته عن المرأة، فمسروداته عن المرأة لا تنفصل عن قناعاته ورؤاه، فالمرأة حاضرة في بعض المواطن كرمزٍ للقوة والاستقلال. فأم بطل رقص (سعيد) هي من صنعت نجاحاته، لذلك كان وهج السرد يدور حول وجودها. وحارب معجب في كتاباته ليظل متوهجاً، فكتب مشهد الرقص لأم سعيد، وكتب عن الشريفة مصباح ودورها الثقافي، فكانت كل مضمراتِه تُشير إلى رسالته التنويرية وقناعاته في وجوب عودة المجتمع لما كان عليه من فطرة قبل ظهور الصحوة. وتناول الدكتور عبدالله إبراهيم الزهراني سيرة الناقد المكرم الدكتور محمد سعيد ربيع الغامدي، مشيراً إلى أهم أعماله العلمية ومشاركته في الساحة الثقافية من خلال النشاط النحوي والصرفي ثم النشاط اللغوي ثم النشاط الأدبي والثقافي ثم الأنشطة الثقافية العامية وحركته الدؤوبة في ساحة الوطن العربي مشرقه ومغربه من خلال المحاضرات التي أثرت الساحة العلمية والثقافية.واستعرضت الدكتورة أمل التميمي جهود الناقد صالح معيض واستغراقه طيلة (43 عاما) في خدمة الوطن منذ حصوله على بكالوريوس آداب وتربية، جامعة الملك سعود، وأكدت أن دائرة اهتمام الدكتور صالح تنوعت، من الإشراف العلمي، وطباعة الرسائل العلمية والأبحاث المتخصصة التي ينشرها كرسي الأدب السعودي، والبحث العلمي عبر سلسلة من الكتابات المتخصصة والكتابات المعرفية، والترجمة، وحمدت له تأصيله للسيرة في الأدب العربي القديم عالميا من خلال أطروحة الدكتوراه التي حصل عليها من جامعة إنديانا (1989) وعدتها مرجعا علميا لعدد من الباحثين الأجانب، والعرب، محليا وعالميا، وترجمتها لمعظم اللغات البحثية من الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية. فيما سلط الدكتور ظافر الشهري ضوء مشاركته على منجزات الناقد معجب العدواني النقدية، وجهوده العلمية الغزيرة، من خلال (14) كتابا مطبوعا، ومشاركته في (15) كتابا، وأبحاثه العلمية المحكمة التي تجاوزت (24) بحثا، إضافةً إلى اللقاءات والمحاضرات والندوات والمؤتمرات العربية وغير العربية، النائفة على مائة مشاركة علمية، ورئاسته لعدد من الجلسات العلمية والمناقشات الأكاديمية والأنشطة الثقافية، وعزا انفتاحه على المناهج السردية والتأويلية إلى تخصصه في النقد والنظرية، ما أسهم في تحويل المادة المعرفية النظرية إلى أجهزة مفهومية وأدوات تحليلية مكنته من مباشرة نقد الرواية السعودية تحديدا والرواية العربية على وجه العموم واتخاذها منطلقا وموئلا لكل مساراته التأويلية.واستعرضت الناقدة الدكتورة نورة الغامدي المنجز الأدبي والنقدي للدكتور صالح زيّاد والعطاء الأدبي والنقدي، واستعرضت أبرز نتاجه العلمي، وحيثيات التعاطي مع الواقع النقدي اليوم، وأشادت بجهوده الملحوظة في المشهد الثقافي الوطني والعربي على حد سواء، وانعكاسات العطاء على الجوانب الأكاديمية والعمق التصوري المجتمعي، وإسهامه الفاعل في بلورة المصطلحات وخوض غمار المسائل الجدلية وصولا للرؤية المعتدلة، في زمن التموجات الفكرية والثقافية، بطموح كبير لخلق التوازن عند معالجة الطوارئ المعاصرة، وعدّت تكريم رموز الفكر والأدب والنقد من أوجب الواجبات الوطنية للقامات بحكم ما قدموه لوطنهم ومجتمعهم، فاستحقوا الإشادة بمنجزاتهم.< Previous PageNext Page >
مشاركة :