(الأبله) لدوستويفسكي.. عمل فريد يسبر أغوار النفس

  • 10/3/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

التعرف إلى أدب الكبار من كتاب العالم، يدين بالفضل للمترجمين العرب الكبار أيضاً، ومنهم سامي الدروبي الذي ترجم العديد من نماذج الأدب الروسي العظيم، من ضمنها رواية الأبله لدوستويفسكي (11 نوفمبر 1821 - 9 فبراير 1881)، الذي ألف كثيراً من الأعمال منها على سبيل المثال: الإخوة كارامازوف، الجريمة والعقاب، ذليلون مهانون، المساكين، الشياطين، المراهق، المقامر، الزوج الأبدي، مذكرات كاتب وغيرها. تروي (الأبله) حكاية الأمير ميشكن، الذي كان يعاني مرض الصرع، فيشفى منه، ليرجعَ إلى وطنه الأم روسيا، وهي تستعرض مآلات هذه الشخصية الفريدة، منذ ركوبه القطار متوجهاً إلى وطنه، حيث يقابل في القطار بطل القصة الرئيسي الثاني روجزهن، وميشكن رغم كونه ينحدر من عائلة نبيلة، فهو طيب القلب، آسر، بسيط، بارع في استمالة قلوب الآخرين، والرواية تحاول رسم صورة الرجل المثالي، على غرار ما كان عليه السيد المسيح عليه السلام، وقصة السيد المسيح رمز التطهير والنقاء في رواية الأبله سبقها تأثر دوستويفسكي باللوحة الزيتية المسيح يرفع من على الصليب للفنان هانز هولبين التي شاهدها دوستويفسكي في متحف بازل في سويسرا، وهي اللوحة، التي جاء على ذكرها في الأبله في سياق ما تركته من أثر كبير، فالمسيح الروسي كما تصوره، هو ذلك الرجل الذي يجد في الألم تطهيراً له، ويحاول أن يحقق السعادة لأعدائه وأصدقائه على حد سواء، وبالتالي كانت الأبله روائية تسخر من الأرستقراطية الروسية، وهي رواية ناقدة للمجتمع الروسي، تكشف له عوراته ونقائصه وعيوبه، من أجل رفعة وصلاح البشرية. وصفت هذه الرواية بأنها من أولى روائع الكاتب الروسي الشهير، لأنها كتبت خارج روسيا، وربما يكون الأهم في شأن هذه الرواية العظيمة، هو تلك الحالة غير المستقرة التي لازمت مؤلفها دوستويفسكي، حيث مر بفترات شديدة من العذاب النفسي، بإثر المرض والفقر والتشرد في البلدان العديدة التي زارها، لا سيما وأنه كان مهووساً بلعب القمار، وملاحقة الدائنين إلى غير ذلك من الأسباب، التي يمكن إدراجها في سياق المعاناة التي هي سبب قوي للإبداع، يقول دوستويفسكي عن هذه الحالة مخاطباً الشاعر ابولون مايكوف: قريباً سأصل إلى جنيف، لقد بدأت نوباتي، وأي نوبات، كل عشرة أيام نوبة تأخذ مني خمسة أيام لأتعافى منها، يجب أن أتفرغ للعمل بجد، ما زالت نوباتي تجعلني عاجزاً تماماً، وبعد كل نوبة لا أستطيع تجميع أفكاري لأربعة أيام، ماذا سيحدث لنا لا أدري، و مع ذلك لا تزال الرواية فقط، هي منقذي، ليس هناك طريق آخر، وإلى أجل غير معلوم، وهل يبدو من الملائم، أن تتحطم كل قدراتي بالكامل بسبب مرضي؟ ما زلت أملك خيالي وهذا ليس أمراً سيئاً، على أي حال لقد اخترت ذلك في روايتي، لكن يبدو أن ذاكرتي قد ضعفت. بدأ دوستويفسكي العمل على روايته هذه في خريف 1867 وأتمها في يناير/كانون الثاني 1869، وخلال هذه الفترة التي امتدت نحو ثلاث سنوات، تنقل دوستويفسكي في مدن ودول كثيرة منها: برلين، دريسدن، بادن، جنيف، فيفاي، ميلان، فلورنسا. كتب النقاد عن المنهج الذي اعتمده دوستويفسكي في كتابة الأبله في سياق مقارنته بغيره من الكتاب المعروفين - على سبيل المثال - تورغنيف الذي كان معنياً بوضع خطة عمل للرواية تبدأ من الشخصيات، تلك الشخصيات التي يأخذها نحو الانحراف، فيما كان يتعامل دوستويفسكي أولاً مع الفكرة الرئيسية لروايته، ولا يضع خطة عمل لها أو لشخصياتها، وقد عدّ النقاد تلك الطريقة من الميزات التي تنضاف لمصلحة هذا العمل المجهد الذي باعتراف دويستويفسكي، نفسه عذبه حتى آخر سطر فيها، لا بل أنه كان متردداً وخائفاً من إنهائها، لكنّ إيمانه بفكرتها أغراه كثيراً ودفعه لإنهائها منفعلاً بشخصياتها ومتعاطفاً مع بطله ميشكين، رغم بؤسه، وهي التي تطلبت منه أكثر من تجربة ومسودة، قام هو بتمزيقها لأنها لم تعجبه، مروراً بإنجاز هذا العمل الكبير الذي يعد ضمن نماذج العصر الذهبي للأدب الروسي، بل نظر إليها البعض بوصفها من أهم أعمال دوستويفسكي، ذلك أنها تسافر في عوالم النفس البشرية، ببساطة الأسرة التي يعيش فيها بطله ميشكين، وتلك الطيبة التي تمتع بها في وسط مجتمع يعج بالكراهية والشرور، وقد امتازت الرواية كذلك بالتحليل والفلسفة، والشمول، فأضافت للتراث الفكري الانسانيّ أضخم الأعمال في مجال الرواية، التي تسبر أغوار البشر، وتخاطب الضمير وتحلل النوازع والأحاسيس والرغبات بأسلوب عميق وفريد في الأدب العالمي.

مشاركة :