قبل نحو عقدين من الزمن بدت صناديق التحوط كلية القدرات حيث تمكنت من تحقيق الفوز في كل مرة تتعرض فيها أسواق العالم لصدمة مفاجئة أو تعاني فيها الاقتصادات من ركود مزمن ويتجلى ذلك في حضور لافت لمستثمرين مثل جورج سوروس أو جوليان روبرتسون يسفر عن تحقيق خبطة تثير الحسد. لكن عندما تعرضت أسواق الأسهم العالمية هذا الصيف لأزمة طارئة لم يتمكن هؤلاء من تحقيق ما هو مألوف بل إن أشهر صناديق التحوط تلقت ضربات موجعة.وبلغت خسائر القطاع في أغسطس/آب الماضي أكثر من 78 مليار دولار. واللافت هذه المرة أن الضربة تأتي بعد مدة طويلة من أداء مريض فشلت فيه معظم صناديق التحوط من مجاراة مؤشرات الأسهم الأمريكية أداء. ومن أبرز أسباب ذلك أن صناديق التحوط تعمل في بيئة مزدحمة والسبب الآخر أن أنظمة عملها التي اعتمدت سابقا على تكتيكات مدعومة بأنظمة حوسبة متطورة،لم تعد خافية على الكثير من الحكومات التي تتجاوب مع الأزمات بسرعة عبر برامج التيسير الكمي. وتشير آخر تقارير صندوق النقد الدولي إلى درجة عالية من التناغم تجلت في حركة تداولات الأصول الاستثمارية الرئيسية في أسواق العالم خاصة سندات وأسهم الأسواق الناشئة المدرجة على مؤشر مورغان ستينلي وسندات الخزانة الأمريكية، والسندات عالية مستويات العائد. ومثل هذا التناغم لا يلفت في الغالب انتباه عامة الناس في حين يبدي المستثمرون قلقاً بالغاً حيال التقلبات التي تظهر على أسعار الأصول بينما ينصب اهتمام صناع القرار على أسعار الأصول التي تقع في دائرة صلاحياتهم. لكن تقرير صندوق النقد الدولي الأخير يكشف عن وضع جديد يتشكل حالياً. فبين عامي 1997 و2007 بلغت نسبة التناغم بين أسعار الأصول الرئيسية حوالي 45% وهو رقم يبقى في حدود المألوف. وهذا يعني أن تذبذب الأسواق العالمية يجري وسط معدلات متقاربة. لكن التناغم قفز على حدود 80% إبان أزمة عام 2008 -2009 ولعل مرد ذلك إلى السلوك المتماثل لدى كبار المستثمرين خلال الأزمات. لكن المفاجئ هو استقرار نسبة التناغم المرتفعة خلال السنوات الخمس الأخيرة منذ عام 2010 ما يعني سيادة روح الاستنفار المرتبطة بجو الأزمات المالية رغم تحليق أسعار الأصول حيث راوحت نسبة التناغم حول 70% أو ما يعادل ضعف معدلات ما قبل الأزمة. ويكتسب هذا الوضع الجديد أهمية خاصة حيث يعرب المسؤولون في الصندوق وفي البنوك المركزية العالمية عن استغرابهم لما يجري وجهلهم بأسباب حدوثه. ومن أبرز التأويلات ذلك الرأي الذي يعزو المشكلة للتدخل الحكومي حيث رفعت السيولة المفرطة والتمويل الرخيص قيم الأصول بشكل لافت. ومن التعليلات المطروحة أيضا انتشار العولمة المالية التي وحدت اجراءات إدارة الأصول ورفعت مستويات التداخل بين مكونات القطاع. ومن الأسباب المطروحة للمناقشة أيضا انخفاض السيولة في الأسواق نتيجة التشدد في قوانين المراقبة التي حالت دون مخاطرة البنوك في الاستثمار في الأصول ذات درجة المخاطر المرتفعة. إلا أن العنصر الأهم بين العناصر المذكورة ليس واضحا حتى الآن وقد تكون كلها مجتمعة.كما أن المدى الذي سوف تبلغه زمانا وعمقا غير معروف.وفي حال التأكد منها لا بد أن يتخذ المستثمرون الموقف الذي يضمن تحقيق مصالحهم خاصة حيال إدارة الأصول والتكتيكات التي تعتمدها شركات إدارتها. وقد نجحت صناديق التحوط في الماضي في القفز بين الأصول تبعاً لدرجة المخاطر ومستويات العائد وهو ما لم يعد متاحاً لها حالياً أو على الأقل حكراً عليها.
مشاركة :