حركنى الفضول المهني لأكسرالمألوف والمعتاد وأسعى بأسلوب جديد لإزالة اللثام عن خبايا عالم التسوّل المحيّر.. اشتريت عباية على مقاسي وطرحة وقفازات وحذاء نسائيًا وتنكرت - لأول مرة - في زي امرأة .. لم أتهيب الحكاية الجديدة وأنا قادم لمسرح استثنائي مليء بالمفارقات والغرائب التي لاتخطر على بال فما بين تحرشات من المراهقين إلى قصف بالحجارة من الأطفال ممن يمارسون التسول ويرغبون في إبعادي من أمام الصرافات والمساجد التي يؤمها الأثرياء. مفارقات ساخنة عشتها فى رحلتي حتى لا أبالغ لو قلت إن حصيلة 15 دقيقة أمام مسجد عامر بالمصلين تعادل مرتب موظف فى شهر كامل. الغريب فى الحكايات أننى قمت بتأجير طفلة إفريقية من أمها بـ 40 ريالا فى الساعة حتى أنسج الشباك على أصحاب العطايا والأيادى البيضاء وحتى تكون «الرضيعة» جسرًا يحرك رحمات المارة. أجهزة الصراف ذهبت إلى أجهزة الصراف الآلي حيث يكثر هناك المتسولات من أطفال ونساء اخترت أشهر الصرافات بشارع الأربعين مرددة على مسامع كل قادم للصرافة (الله يخليلك أولادك ساعدني). وكان يعطيني ريالا أوريالين وأحدهم أعطاني خمسين، وهوخارج من عند الصرافة وتجمع لديّ مبلغ ليس بقليل في ساعات معدودة. عندها فوجئت بإحدى المتسولات وهي شابة من جنسية إفريقية تصرخ في وجهي غاضبة وتقول (أنتي أيش تبغي هنا روحي.. وروحي يا حيوانة) توترت من عصبيتها المفرطة والناس من حولي ينتظرون ماذا سيحدث عندها خفت أن ينكشف أمري فذهبت بعيدا عنها لتجلس هي في نفس مكاني، الذي كنت أعمل فيه، قلت لنفسي أذهب إلى مكان آخر عند صرافة أخرى أوقفت سيارة ليموزين لتقلني إلى صرافة في حي السلمانية وبدأت في التوسل لأي شخص يقف عند ماكينة الصرف ولم يكن المكان مثمرًا .. تقدمت لمحطة وقود وشرعت في طرق زجاج نوافذ السيارات الواقفة لتعبئة الوقود ونفس الجملة التسولية أقولها لهم ويعطيني البعض والبعض يصرف النظر عني، ونظرات العمال الذين يعملون بالمحطة تلاحقني، وكان أحدهم يكلم صاحبه بلغتهم ويضحك لا أدري ماذا كان يقول. طريقة روتينية واصلت تسولي بنفس العبارات الروتينية، وأنا أتجول في المحطة تارة وأقف عند الصراف وعند السوبر ماركت تارة أخرى، أحدهم رمى على حجرا بحجم القبضة سقط بجانبي وكاد يصيبني في رأسي التفت لأرى من هوالذي يريد إيذائي وجدت أطفالا من الجنسية الإفريقية كانوا يقومون بالشحاذة في المحطة يرمونني بالحجارة، حتى أغادر المكان ولكن أحد الأشخاص تبرع بحمايتي ووقف أمامي. وصار يصرخ على الأطفال (اذهبوا.. اذهبوا) ولم يكترثوا لكلامه واستمروا في رمي الحجارة على حتى هربت من موقعي مسرعة. بدلت مكاني لصرافة أخرى كانت أقل قلقًا ورعبًا في شارع التضامن العربي من الأماكن السابقة، ووقفت أتسول وكان المترددون عليّ يعطونني حتى جمعت من وقوفي عند الصرافات 3000 ريال. عند الإشارة غيرت مكاني وانطلقت للإشارات المرورية وهي أماكن تجمع المتسولات الإفريقيات واليمنيات والسعوديات وبينهن مسنات وأطفال ورضع في حجور أمهاتهم. وقفت عند الإشارة وهي خضراء والسيارات تعبر في البداية لم أجد أي متسول أومتسولة ولكن ما إن تغيرت الإشارة وأصبحت حمراء اندفعت المتسولات من كل حدب وصوب نحوالسيارات الأكثر نظافة، والتي يقودها سعوديون، والذين تستدر المتسولات عطفهم سريعا، خصوصا عندما يلعبن على وتر الحاجة واليتم والترمل. لاحظت أن المرأة التي يكون معها أطفال يكون الإقبال عليها أكثر من التي لا يوجد معها ذهبت لإحدى المتسولات وسألتها بصوت (ناعم) (هؤلاء أطفالك) قالت: نعم قلت: أريد أن أستعير أحدهم وأتسول به. ومما دهشتي هو أنها وافقت وقالت بجدية كأنها تعقد صفقة مع شريك.. الساعة 40 ريالا بالنسبة للطفل والرضيع 90 ريالا أعطيتها 40 ريالا لآخذ طفلا وأصبحت أدور به وأتسول وكأنه ابني والغريب أنه يناديني (ماما) فقد كان مدربًا لتقمص الدور. ملابس رثة جلست قبالتي طفلة بملابس رثة سألتها ليش أنت هنا؟ قالت: يا خالة لقد توفي والدي ولا يوجد من يعولنا سوى والدتي وهي تتسول في مواقع أخرى وأمي تعرضني للإيجار بمقابل مبلغ مادي لإحدى المتسولات، وأنا لا أريد ذلك ولكن لا أستطيع.. ومما أثار شفقتي هو قولها: إنها تتمنى أن تذهب إلى المدرسة هي وأشقاؤها الصغار وتأمل أن يكون مستقبلها مشرقًا مع أشقائها. في ناحية أخرى شد انتباهي منظر طفلة في عمرها «13سنة» تبكي وهي تتسول وظننت أنها مصابة بأذى ناديتها ومسحت دموعها وسألتها ليه تبكي؟ فيك شيء يا ماما؟ قالت: لا يا خالة أنا كويسة دفعتني وقالت: خليني أشتغل لا تعطليني. فاجأني تغيرها من حال إلى حال قبل قليل كانت تبكي والآن تدفعني رجعت لها وقلت سوف أعطيك 50 ريالا ولكن تعالي أتحدث معاك. فوافقت على الفور وكررت عليها أسئلتي وهذه المرة جاوبتني بقولها: أنا أمي متوفاة وأعمل منذ سنتين في الشحاذة وأصبحت بارعة في التمثيل وأستطيع أن أبكي في أي وقت أريد، وذلك بسبب أبي المتعاطي، الذي استغلني وقدمني لأحد الوافدين من كبار السن حتى أتسول بإيجار مقابل 90 ريالا يوميًا، وأنا أحتاج أن أجمع في اليوم 300 ريال أوأكثر. مواقع مفضلة من المواقع المفضلة للمتسولين، والتي تدر مالًا وفيرًا هي المساجد الواقعة داخل الأحياء المزدحمة، ولهذا جلست أمام المساجد مستخدمًا نفس العبارات الشائعة «الله يخليلك أولادك» وما انتهت الصلاة حتى بدأت شنطتى تطفح بالريالات، فهنالك من يتصدق بمبالغ تتراوح بين 30 إلى 70 ريالا وهؤلاء ينفحونني بالأموال وهم يدعون لي، في المقابل كان هنالك أشخاص يعطوني مبلغًا لكنهم يتلصصون على ما في حقيبي. وقد جمعت من هذا المسجد ما يقارب 1200 ريال في صلاتي (الظهر والعصر). يوم الجمعة هذا اليوم يكون حصيلة الأسبوع فهو يوم الخير بنسبة للمتسولات فقد يصل المبلغ إلى الآلاف من الريالات وخاصة عند المساجد الكبرى في جدة، والتي يؤمها الأثرياء من أهل الخير، ولهذا تكون مواقع التسول محجوزة، جلست عند مسجد الجفالي في البلد بعد صلاة الجمعة وعندما انتهت الصلاة امتدت الأيدي وتصاعدت التضرعات الصادرة من المتسولات للمصلين وانهمرت الريالات، وفي الأكياس والشنط وجمعت ذلك اليوم مبلغًا كبيرًا من المال فقط في فترة وجيزة قدرها 15 دقيقة. صكوك إعسار ثمة متسولات ومتسولون يمارسون النصب والاحتيال، ففضلا عن استئجار الأطفال وهي عملية لا إنسانية هناك من يزورون صكوك الإعسار والتقارير الطبية إلى جانب تنكر وافدين متخلفين بالزي النسائي، كما أن هناك العاهات المصطنعة، وأشهر مواقعها عند إشارة كبرى المربع، حيث يوجد من يتسول بيد والأخرى مقطوعة أورجله، وهذا عند الرجال ولكن المتسولات يركزن على أصطحاب الأطفال، سواء من أصحاب العاهات أوالمستأجرين. مواقف محرجة من بين المواقف المحرجة، التي تعرضت لها أذكر أنني كنت واقفا عند إحدى الإشارات في شوارع جدة وكنت أتسول بصوت ناعم متوجسًا من ينكشف أمري، وعندما اقتربت من سيارة فارهة طرقت الزجاج فالتفت سائقها وقال: نعم عندها تكلمت بصوتي الحقيقي بدون أي تقمص وقلت له بصوت رجولي (ربي يخليلك عيالك ساعدني) فعقد حاجبيه وقال مستغربًا (إنتي رجال ولّا حرمة) ارتبكت وقلت بسرعة بصوت نسائي أنا امرأة ما تفرق أنت بين الرجال والمرأة وأعطيته ظهري وانطلقت للشارع المقابل وقف مصدوما ونظراته تلاحقني أضاء النور، وهولايزال واقفا وأبواق السيارات تنطلق من خلفه، حمدت لله أني نفدت بجلدي قبل أن يكشف أمري. المكافحة تغط في النوم تابعت كغيري جهود مكافحة التسول، التي تنشر في الصحف والحملات المكثفة، التي يقومون بها والدراسات الاجتماعية والإحصائيات عن المتسولين والمتسولات وللوقوف على حقيقة هذه الجهود، توجهت إلى مكافحة التسول لأتسول عند بابها لجس النبض، والتأكد مما يتردد عن تحويل المتسولين إلى التوقيف واتخاذ الإجراءات اللازمة، ولكن وجدت موظفي إدارة مكافحة التسول يتصدقون عليّ وأنا على درجات الإدارة، غيرت مكاني إلى قسم النسائي وجلست ساعات وساعات ولم يحدث أي شيء مما يدعون أنهم يفعلونه، فالمكافحة في سبات عميق. التحرش الجنسي عند وقوفي عند الصرافة وقفت سيارة أحد المقيمين عند الصراف، لكي يقوم بعملية السحب الاعتيادية لم ينتبه لوجودي بجانب الماكينة طلبت منه التصدق عليّ التفت وقال أنت سعودية لم أجاوبه سكت، وقف أخرج مئة ريال، وقال بعطيك خمسين، وإذا ركبتي سيارتي بعطيك خمسين مستغلا حاجتي المزعومة، ولكشف نواياه الحقيقية قلت له أين أذهب معك؟ قال بيتي قريب من هنا اركبي! ابتعدت عنه وهو يقترب مني هرولت ناحية الشارع المقابل. المزيد من الصور :
مشاركة :