إنَّ هذه التنظيمات وأخواتها المتطرِّفة قد ضربتْ بإرهابها دول الشرق الأوسط عامَّة مستهدفةً بلادنا خاصَّة، وامتدَّت عمليَّاتها إلى دول أوروبيَّة وإلى أمريكا أيضاً تجنِّدُ تنظيمات القاعدة ،داعش، الإخوان المسلمين عن بُعد من أبناء الوطن، من ينفِّذ عمليَّاتهما الإرهابيَّة داخل الوطن، بهدف زعزعة الأمن ولإثارة الفتنة الطائفيَّة؛ لذلك فالمواطنون في حالةِ ترقُّبٍ يخشون في أي لحظةٍ عمليَّاتٍ إرهابيَّة مباغتة، ولولا ثقتهم بالجهات الأمنيَّة وبجهودها الاستباقيَّة التي تكاد تحدثُ بشكلٍ شبه يوميٍّ، فتخفِّف كثيراً من خوفهم وقلقهم، مثبتةً دوراً أمنيّاً متميِّزاً وفاعلاً، ولكنَّها لا تُنْهي حالتي الخوف والقلق تماماً لينعمَ المواطنون بأمنٍ واستقرارٍ وطنيٍّ عاشوه قبل ذلك. فإلى متى ستظلُّ حالات الترقُّب والخوف والقلق لدى المواطنين؟!! تساؤلٌ لا أطرحه ليوحي بتقصير جهاتنا الأمنيَّة على اختلاف أدوارها ومهمَّاتها وجهودها الاستباقيَّة، لكنِّي أطرحه آملاً أن يجد الوطن مسارات أقصر لمواجهة العمليَّات الإرهابيَّة، وفي ضوء ذلك لا بدَّ من تقويم المسارات الحاليَّة لمواجهة الإرهاب ولتشخيص واقعه الراهن، صناعةً وبناءً للفكر المتطرِّف لدى شباب الوطن، وإعداداً لهم كأفراد وخلايا إرهابيَّة وتدريبهم والتخطيط لهم لتنفيذ عمليَّاتهم، وحيثُ إنَّ هذه التنظيمات وأخواتها المتطرِّفة قد ضربتْ بإرهابها دول الشرق الأوسط عامَّة مستهدفةً بلادنا خاصَّة، وامتدَّت عمليَّاتها إلى دول أوروبيَّة وإلى أمريكا أيضاً، فإنَّ كلَّ هذه الدول قد عملتْ وتعمل الآن على مواجهة الإرهاب ومحاربته بوسائلها المختلفة، التي أحسبُها بما فيها بلادنا ينبغي أن تطوِّرها أدوات وإجراءات وإستراتيجيَّات أمنيَّة وفكريَّة واجتماعيَّة، لتقضي تماماً على الإرهاب، ولذلك سأطرح الآتي: * ينبغي أن تتخلَّى بلادنا عن وصف الإرهابيِّين من أبنائها بالفئة الضَّالة أو بالفئة المغرَّر بها، كوصفين لهم يردِّدهما رجالُ الأمن والباحثون والدارسون للفكر المتطرِّف والوعَّاظُ والإعلاميُّون من كتَّاب وغيرهم في وسائلهم الإعلاميَّة المختلفة، فهذان الوصفان استُخدما حينما بدأتْ ظاهرةُ التطرُّف والإرهاب بهدف محاولة استعادة شبابنا من خلايا التطرُّف فكريّاً ومن براثن الإرهاب عمليّاً، لكنَّهما أصبحا وصفين إلى التعاطف أميل منه إلى مواجهة التطرُّف والإرهاب لاجتثاثهما، وهما إلى التخفيف من وقع الجرم أقرب منهما إلى المعالجة الفكريَّة والأمنيَّة. * ينبغي أن تتخلَّى بلادنا عن توجُّهاتها باستعادة شبابنا من التطرُّف والإرهاب، بإغراءاتهم بتزويجهم أو بتأمين وظائف لهم أو بدعمهم ماليّاً؛ لينخرطوا في الحياة المدنيَّة العمليَّة كما تستهدفه تلك الإجراءات، فتلك الإغراءات كشفتْ بأنَّها لم تثمر فيهم وعياً وطنيّاً ولا تراجعاً فكريّاً، كفئة صالحة يمكن انسجامها وطنيّاً واجتماعيّاً مع شرائح المجتمع. * لقد تمكَّنتْ الأجهزةُ الأمنيَّةُ السعوديَّة في مايو من عام 2014م من تفكيك تنظيمٍ إرهابيٍّ مرتبطٍ بتنظيم داعش وإلقاء القبض على 62 من أعضائه، منهم 35 من مطلقي السراح في قضايا ذات علاقة بالتطرُّف الفكريِّ وبالعمل الإرهابيِّ بنسبة 56,5 % منهم، بل وتزايدت أعدادُ شبابنا استقطاباً من تلك التنظيمات الإرهابيَّة فإعداداً وتهيئةً لهم في الداخل، فتدريباً فمشاركةً في الصراعات الخارجيَّة وتمويلاً لهم، فإن رُئِي الإبقاء على هذا البرنامج فليسند إلى الأقدر على المناصحة من متخصِّصين في علم النفس وعلم الاجتماع، ومن تربويِّين ممارسين ميدانيّاً وأكاديميِّين باحثين، ممَّن بصروا بمشكلات التربية في مدارسنا وفي مجتمعاتنا. * ينبغي أن تخلِّصَ بلادُنا مدارسَها وجامعاتها ومنابر جوامعها ووسائلها الإعلاميَّة وجمعيَّاتها الخيريَّة والتطوُّعيَّة من ذوي الفكر المتطرِّف، الذين يمارسونه منهجاً خفيّاً فيهيئون شبابنا فكريّاً وعقديّاً للتأثُّر بما تنشره جهات التواصل الاجتماعيِّ من التنظيمات المتطرِّفة والمتعاطفين معها من مشايخ التطرُّف، وإلاَّ سيظلُّ أولئك يستقطبون شباب بلادنا في محاضنهم تلك ويعدِّونهم في معسكراتهم وفي مكتبات الجوامع والمساجد وفق أهدافهم وفكرهم المتطرِّف، لتستطيع التنظيمات الإرهابيَّة تجنيدهم عن بُعد وتكليفهم بتنفيذ مخطَّطاتها الإرهابيَّة، دون حاجاتها لإعدادهم لمهمَّاتهم هذه في معسكراتها خارج الوطن، كما أثبتتْ بعض العمليَّات الداعشيَّة الأخيرة بأنَّ منفِّذيها لم يسبق سفرهم خارج الوطن. * ينبغي أن تجفَّفَ منابعُ تمويل التنظيمات الإرهابيَّة من بلادنا باسم الجمعيَّات الخيريَّة والتطوعيَّة، أو تحتَ مظلَّة إدارة المساجد والمشاريع الخيريَّة التي تعمل خارج الوطن، أو في مكتبات مساجد الوطن وجوامعه كما فعلها الشيخ عبدالله المعتاز المعتزُّ بذكرياته عنها بأنَّها «كانت منه أوَّل غرسةٍ للصَّحوة بين الشباب، وصار فيها دروس ورحلات، وتخرَّج فيها كثيرون أصبحوا كباراً لهم نشاط عظيم ودعوة كبيرة، وعرَّف المحسنين بها لتمويلها». * ينبغي أن تكونَ المحاسبة والمعاقبة لكلِّ من ينشر الفكرَ المتطرِّف أو يمارس الإرهاب أو يتعامل مع تنظيماته بأي درجة من العلاقات العمليَّة أو الفكريَّة والإعلاميَّة، أو يتعاطف مع أولئك بأيِّ مستوى من التعاطف اللفظيِّ أو العمليِّ أو التمويليِّ، وأن تكون محاسبةً فمعاقبةً رادعة مانعة، وأن يشهَّرَ بكلِّ من كان له دور في ذلك تنفيذاً أو مساندة وتعاطفاً، وأن تكون محاكماتهم محاكماتٍ ناجزة، وأن يكونَ تنفيذ عقوباتهم تالية لها دون تأخير أو تسويف.
مشاركة :