روسيا وسوريا.. بيان 52 داعية

  • 10/11/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أصدر 52 شخصًا من المنتمين لتيارات الإسلام السياسي في السعودية بيانًا جديدًا يتحدث عن التدخل الروسي في سوريا، وهو بيانٌ جماعي يتحدث عن شأنٍ سياسي من منطلقاتٍ آيديولوجية محضة، ويتهجم على كل التيارات المخالفة له، ويحرّض بشكل سافرٍ على الإرهاب، ودعمه معنويًا وماديًا، ويعتمد على الأكاذيب. قبل الدخول في تفاصيل البيان الإرهابي، يجب التأكيد ابتداءً على أن الموقعين عليه ليسوا فقهاء معتبرين، وإن سلكوا سبل الفقه الأكاديمية الجديدة التي صنع أغلبها أسلافهم على أعينهم، كجامعاتٍ وأكاديمياتٍ كانت لهم عبر عقودٍ فرصة لبنائها وتوسيعها والسيطرة عليها، وعلى الآيديولوجيا التي تتحكم في مناهجها، وبالتالي ضمان اعتقال مخرجاتها دينيًا وفكريًا. وغالب الموقعين على البيان أعلاه يعبرون عن جيلٍ جديدٍ من نتاج خطاب تيارات وجماعات ورموز الإسلام السياسي، فهم قد تم اعتقال تفكيرهم مبكرًا في محاضن الإسلام السياسي، وكبروا سنًا ليروجوا له، ويوسعوا ما درسوا، ويعظموا ما اعتقلهم فكريًا وسياسيًا لزمنٍ طويلٍ، ويكونوا عقدة في سلسلة تطور الإسلام السياسي ونقله عبر الأجيال، فهم ضحايا خطابٍ سابقٍ لهم، ومهمتهم تسويقه ونقله لمن بعدهم في الوقت نفسه. من حيث المبدأ، فإن البيان مرفوضٌ، لأنه يتحدث عن شأنٍ سياسي بحتٍ، وما دخل هؤلاء الذين يسمون أنفسهم دعاة به؟ فللشؤون السياسية قادة كبارٌ في السعودية، وفي دول الخليج، وفي كل البلدان العربية والإسلامية، هم أكثر وعيًا وبصيرة وتخصصًا، والتصرف تجاهه، تقوده استراتيجيات مستقرة، ووعي متقدمٌ، وموازناتٌ إقليمية ودولية تتسم بالشمول في قراءة المشهد المعاصر، ورسم أفضل السبل لمواجهته والتعامل معه، لضمان مستقبل أفضل لهذه الدول وشعوبها ومصالحها. إن هؤلاء يسمون أنفسهم «الدعاة» وهي بالمناسبة تسمية بلا معنى، فالدعاة قد يدعون لخير ولشرٍ، وقد يدعون لباطلٍ كما يدعون لحقٍ، وهذا ما يؤكده التاريخ ويؤيده التراث، والتاريخ الإسلامي مليء بدعاة الفتنة وموقظيها، ومن هنا فإن مجرد شعور موقعي البيان وإشعارهم أتباعهم أنهم مطالبون بموقفٍ، وتبيين وتوضيح، في كل حدثٍ سياسي، أو شأنٍ عامٍ داخلي، أو خارجي، أو كارثة بيئية، أو غيرها، إنما هو تعبير عن معارك مع الريح، أجبرتهم جماعاتهم وخطاباتهم وتياراتهم ورموزهم عبر عقودٍ أنهم ملزمون بالتدخل فيها، وفي كل شيء لحصد السلطة بشتى أنواعها. لقد خاطبوا خمس جهاتٍ في بيانهم، هي: الروس بوصفهم غلاة الصليب لا الدولة الروسية، وأهل الشام لا المواطنين السوريين، وقادة المجاهدين دون تفريقٍ بين الجيش الحر وبقية الفصائل الإرهابية، والدول العربية والإسلامية بوصفها محل التوجيه والإرشاد. ثم ختموا بمن سموهم العلماء والمصلحين والمفكرين، وهم يقصدون المنتمين لتيارات الإسلام السياسي والتيارات المتحالفة معهم دون غيرهم، وهاجموا كل مخالفيهم باعتبارهم لا يمثلون إلا «تحالف الطغاة، والغلاة، والمرجئة، والمرجفين، والمنافقين». يأتي الخطل في الرؤية والتوصيف حين يعتقدون أن تحرك روسيا نابعٌ من «حرب مقدسة صليبية» وفسروها بعداء آيديولوجي شمل الدولة الروسية والولايات المتحدة الأميركية ممثلة في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وجورج بوش الابن، واعتبروا الحرب دينية محضة بقولهم «إن المسلمين يفدون دينهم بالمهج والأرواح». ثم يأتي دور التحريض على الإرهاب، وذلك عبر العبث بمفهوم الجهاد لتوظيفه لخدمة أهداف سياسية، وكذلك الكذب في توصيف الأحداث السياسية والعسكرية، ثم ما كان يسميه سيد قطب باستعلاء المؤمن عبر محاولة احتكار منح الشرعية والحق في نزعها، وأيضًا التحريض الصريح لغير السوريين، وهي في البيان كالتالي: أولاً: قالوا: «أقبلوا على جهاد عدو الله وعدوكم فالله معكم». وثانيًا: الكذب في توصيف الأحداث السياسية والعسكرية حيث قالوا: «وكما أخرجوكم من أفغانستان فهم بإذن الله سيلحقون بكم هزيمة مخزية في أرض الشام». وعلى عادة الخطابات الدوغمائية قومية كانت أم يسارًا أم إسلامًا سياسيًا، والإسلام السياسي اليوم هو المسيطر والممثل لهذا الهجين الخداج من تلك الخطابات، ومن هنا فقد أعادوا ترويج أكذوبة أن «المجاهدين» هزموا الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ومن هزم الاتحاد السوفياتي في أفغانستان هو المعسكر الغربي وحلفاؤه من الدول حول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية، وكانوا هم مجرد بيادق على رقعة شطرنجٍ أكبر منهم بكثير. وثالثًا: قالوا: «نرى أن كل من يقف حجر عثرة في وجه التوحد وجمع الكلمة – تحت أي ذريعة - فإنه غير معذور، بل يفقد الشرعية كائنًا من كان» فجعلوا من أنفسهم مصدرًا للشرعية يعطونها من شاءوا ويمنعونها عن غيره. ورابعًا: التحريض: «حرضوا الناس بقوة على الإلحاح في الدعاء أن يعجل بالنصر والفرج، وادعوهم للبذل والعطاء والدعم المادي والمعنوي بكل ما يستطيعون، فإن أهل الشام يقاتلون عدونا ويذودون عنا وهم أحوج ما يكون للدعاء والدعم». وأضافوا: «والمسلمون خلفكم بكل ما يستطيعون بإذن الله». ويمكن في النهاية ملاحظة عدة أمور، منها: العودة للبيانات الجماعية بعد طول انقطاع، وهي التي بدأت بخطاب المطالب مطلع التسعينات ومن بعد مذكرة النصيحة، ثم التوالي والاستمرار في استخدام ذات الآلية كسلاحٍ يسعى لفرض الرؤية السياسية عبر استخدام الدين لفرض موقفٍ على صانع القرار. ومنها أيضًا الخوف الجديد لديهم من سطوة المجتمع والمثقفين والإعلام الذي أجبرهم على كثيرٍ من التحفظ في آرائهم، والتدقيق في عباراتهم، والتنازل عن بعض قناعاتهم الراسخة، ومن هنا جاءت بعض ردود فعلهم خارجة عن المألوف ومتشنجة ومتبرئة تظهر الهشاشة وقلة الحيلة، وتبين التغير الذي طرأ على شعورهم بالقوة في المجتمع. إن السؤال الكبير لهؤلاء هو عن تنظيم القاعدة في سوريا المعروف بجبهة النصرة لا عن تنظيم داعش، وهذا سؤال كاشفٌ في لحظة تاريخية مهمة، ومن هنا فإن السؤال أيضًا هو مع حجم النجاحات الأمنية في استهداف «داعش» و«القاعدة» لماذا لم يصدر هؤلاء بيانًا جماعيًا لدعم الإنجازات الأمنية، ولماذا لم يصدروا بيانًا يهاجم جبهة النصرة وتنظيم القاعدة؟ البيانات الجماعية هي تعبير عن موقف سياسي لتيارات وتنظيمات الإسلام السياسي، والجماعية فيه هدفها الاستقواء والاحتماء، الاستقواء على المجتمع وتياراته المختلفة، والاحتماء من مساءلة الدولة، والتبعات الأمنية. أخيرًا، فقد أصدر هؤلاء وأمثالهم عشرات البيانات الجماعية في مواضيع متعددة، ولكنها خفّت وخفتت في السنوات الأخيرة، وها هم يسعون لإعادتها من جديد، وما لم يحاسبوا عليها فسوف تتوالى البيانات الجماعية تجاه كل الأحداث والاضطرابات في المنطقة.

مشاركة :