بيان 52 داعية

  • 10/11/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

< ثمة محاولة في توجيه وتجميل البيان الذي أصدره 52 داعية تجاه التدخل الروسي وما شمله من دعوة للفصائل الجهادوية في سورية للتوحد، بوصفه خطاباً مقبولاً يماهي الخطابات والبيانات التي تطرحها المنظمات المدنية في الدول الديموقراطية «هذا تبرير أدرجه المتعاطفون مع البيان ومصدريه» لكن هل يرقى هذا البيان إلى مستوى هذا التبرير المدني؟ لرجال الدين الحق في نشر الوعي والمشاركة في القضايا والنوازل بحكم قيمتهم الرمزية الاجتماعية والدينية، وليس في ذلك جدال ولا يحق لأحد إقصاؤهم وحجب خطابهم، نظراً إلى رمزيتهم وثقلهم، لكن لا يعني ذلك تجاوز سياسة الدولة وخطوطها الحمراء وما يياين أجندتها ومصالحها، وذلك ما انطوى عليه بيان الموقعين على البيان. نوه المسؤول والمشرف على البيان بأنه لا يحمل الدعوة إلى النفير والتجييش، فعلاً البيان لم يصرح بالنفير والدعوة إلى تعبئة شبابنا، ومن الغباء افتراض أن يجرؤ معدو البيان على التصريح بذلك كما حدث في المؤتمر الذي عقد في مصر قبل عامين، والذي صرح فيه مجموعة من الدعاة بالنفير إلى سورية. إذاً المسألة والخطيئة التي انطوى عليها بيان الـ52 رجلاً تماهي الدعوة إلى النفير، وهي في إسباغ الشرعية على الجماعات التخريبية التي أفسدت وحدة الثورة السورية، «داعش - جبهة النصرة» نموذجاً، وغيرها من خلايا تدميرية من فلول القاعدة وما يلحق بها من جماعات الإسلام الحركي، تعتاش على الموت والخراب في أي أرض تحل بها، ولا تزال الذاكرة والتاريخ شهداء على فشلها وجحيمها من أفغانستان إلى الشيشان إلى البوسنة والهرسك إلى الصومال والعراق، والقائمة طويلة. هذا البيان حمل خطيئة الإقرار والتبجيل لجماعات إرهابية، وهذا الفهم الأولي لا يجد ما يدفعه في هذا البيان الإنشائي، ولذلك يظل هذا الفهم الأولي هو الأصل في فحوى البيان، هذه التزكية الضمنية للفصائل المتطرفة المنتظمة السورية من قبل البيان تشرعن لاشعورياً وإيمائياً الدعوة إلى التحاق الشباب بالجماعات الإرهابية بوصفها جماعات جهادية نقية طهرانية، بحسب البيان الذي لم يستثن في خطابه ويفرز الفصائل الإرهابية عن الثورية، وهذا بعض مفهوم منطوق البيان الذي لم يجرؤعلى التلويح فيه وإظهاره على سطح البيان ذي اللغة المتوترة. لو كان هذا البيان يتجه إلى ذوي الشأن مثلاً، المتمثل بالمعارضة السورية والجيش الحر، وكان بلغة صريحة للثوار السوريين، لكان من المحتمل قبوله «كحال خطاب هيئة كبار العلماء السعودية 2013، الذي حاولوا إدراجه بمثابة شاهد ومسوغ لبيانهم، مع أن الفارق بينهما كبير إلى حد القطيعة، «لكنه خطاب انتظم في التعميم على فصائل الجماعات الجهادية عموماً، وفي هذا تمويه لغوي يتجاوز أصحاب الحق والشأن؛ «الثوار السوريين»، ويسمح بالتدخل في شأنهم من الجماعات المتطرفة، وفي ذلك تفتيت لقوى الثورة الأصلاء. ثمة خطيئة كبرى في لغونة البيان كانت في تكريسه للحرب الدينية والمذهبية، وفي ذلك تفكيك للوحدة الوطنية السورية التي لا تتماشى مع المذهبية والدينية، ذلك أنها ثورة شعب وليست ثورة مذهب أو دين. (الحصاد) قلوبنا مع الثورة السورية، ويؤرقنا ما يتعرض له الشعب السوري من عدوان ووحشية، وجميع أصحاب الضمائر الحية يتآزرون في الشعور ذاته، ولا يعني نقاشنا مع البيان وتلافيفه أن ننفي عن أصحابه الشعور بالألم والحزن جراء الطغيان الذي يمارس ضد الأبرياء وضد وحدة التراب السوري، لكننا نختلف معهم في تجاوزهم حدود المشاركة في المعاناة إلى الدعوة إلى غول الطائفية والحرب الدينية، إضافة إلى تجميل وحش الإرهاب من حيث لم يحتسبوا، باعتبارهم عموم المقاتلين مجاهدين أطهاراً، وذلك بدوره قد يدفع بشبابنا في أتون جماعات العنف والإرهاب، لم يكن هذا البيان بياناً مدنياً كي يتم التعاطي معه بوعي مدني، وإنما هو خطاب نابع من رؤية أممية مذهبية ليس في موجوداتها الفكرية الإيمان بثورة وطنية، لأنها غير مستغرقة بفكرة الوطن والدولة الحديثة بقدر ما هي تؤمن وتفكر بعقيدة «الدولة الأمة»، ومحاولة بعضهم إدراجه بمثابة خطاب مدني كحال خطابات المنظمات المدنية في الدول الديموقراطية لا يتسق، لأن هذا البيان يتشح بالدعوة للكراهية الدينية والحرب المذهبية، كما الدعم المعنوي لجماعات إرهابية، وذلك ما يجعل البيان خطاباً غير مدني. * كاتب سعودي. abdlahneghemshy@

مشاركة :