وقف المزراع السبعيني أسعد العمار غاضبا متجهم الوجه يراقب بحرقة جرافة كبيرة تعمل على اقتلاع شجرة زيتون معمرة بجذورها من وسط بستانه الذي كان قد اشتراه منذ أكثر من 25عاما في وادي أبو قمحة في غرب بلدة حاصبيا بشرق جنوب لبنان. المزارع العمار ،الذي حاول حبس دموعه في عينية، أعرب لوكالة أنباء ((شينخوا)) عن أسفه لأقتلاع عدة أشجار معمرة من زيتونه الصلب القادرة على تحمل عوامل الطبيعة وتقلباتها وعلى إعطاء الزيت البكر بسخاء مع بداية فصل الخريف. وأضاف "الضائقة الاقتصادية الحادة التي نعيش فيها، وارتفاع مصاريف العائلة في ظل الغلاء المستشري وكساد موسم الزيت ، كلها عوامل ضاغطة فرضت علي القرار الصعب باقتلاع بعض أشجاري وبيعها" . وقال "لم يخطر ببالي يوما أن تمتد يدي لهذه الأشجار التي أمضيت سنوات طوال في رعايتها، لكن الفقر صعب وأفراد عائلتي السبعة بحاجة لمتطلبات حياتية أعجز عن تأمينها بعد انهيار الليرة اللبنانية وبلوغ سعر صرفها عتبة 18 ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الأمريكي بعدما كان 1500 ليرة". من جهته المزارع لبيب مزهر والذي اضطر لبيع 4 أشجار معمرة من بستانه في وادي المجيدية بشرق جنوب لبنان، أوضح لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن اقتلاع وبيع أشجار الزيتون انطلق من وادي الحاصباني عام 2000 بسبب غنى هذه المنطقة بأشجار الزيتون المعمرة والتي يزيد عمر بعضها على 1500عام. وأضاف "هذه التجارة عادت وازدهرت بشكل غير مسبوق مع انهيار الليرة اللبنانية وعدم تمكن مزارعي الزيتون من بيع انتاجهم من الزيت الكاسد في الخوابي للموسم الثاني على التوالي ، ناهيك عن ارتفاع كلفة السماد والحراثة ورش المبيدات والتقليم بنسبة 10 مرات خلال عامين مما أوقع المزارع في عجز من الصعب تجاوزه" . من جهته حليم أبو داوود ، أحد كبار تجار أشجار الزيتون المعمر ، أوضح لـ ((شينخوا)) بأن هذه التجارة انتعشت بشكل لافت مع ارتفاع نسبة الفقر، إضافة إلى الطلب المتزايد على شجر الزيتون المعمر لمداخل المراكز السياحية والتجارية وحدائق القصور والفيلات. وأشار إلى أن زيتون منطقة حاصبيا بجنوب لبنان هو المفضل والأكثر طلبا من الزبائن ،بحيث اقتلع من حقولها حوالي 2500 شجرة زيتون معمرة خلال سنين قليلة وبيعت بأسعار تتراوح بين 1000 و2500 دولار أمريكي للشجرة الواحدة وذلك بحسب حجمها وعمرها ،وتستعمل الجرافات في اقتلاعها والقاطرات الكبيرة في نقلها. وكشف أبو داوود بأن العديد من كبار التجار بدأوا بتصدير هذه الأشجار إلى العديد من الدول العربية لتباع بأسعار مرتفعة جدا. وتعرض أشجار الزيتون للبيع في مشاتل بيع النصوب ، وقال أحمد عساف أحد أصحاب هذه المشاتل لـ ((شينخوا)) إن ثمن شجرة الزيتون المعمرة يتجاوز ألف دولار أمريكي ويوازي نحو 17 مليون ليرة لبنانية بما يؤمن لعائلة المزارع البائع حاجات ضرورية بينها وقود التدفئة لفصل الشتاء أو دفع أقساط مدرسية . من جهته ، حذر مختار بلدة حاصبيا أمين زويهد من خطورة اقتلاع اشجار الزيتون مهما كانت المبررات ، وقال لـ ((شينخوا)) "يجب التصدي لهذه الظاهرة الخطرة على البيئة ، فهي جريمة بحق الطبيعة كما تحرم المنطقة أيضا من أشجار رومانية نتغنى ونفتخر بها". وأضاف "مشاهدة اقتلاع الزيتون من جذوره وتحميله ونقله فوق قاطرات وشاحنات كبيرة يشكل مشهدا ترتجف له القلوب وتقشعر له الأبدان". وأشار مدير مكتب وزارة الزراعة بجنوب لبنان حسن السقا لـ ((شينخوا)) إلى أنه لا سلطة للوزارة كي تمنع اقتلاع أشحار الزيتون لأن القانون الخاص بالغابات وحظر قطع الأشجار يستثني قطع الأشجار المثمرة ومنها الزيتون من الحظر ، مما يعني أن قطعها لا يخضع لأي مانع قانوني مما يسهل عملية اقتلاعها وبيعها. وتشير أحصاءات وزارة الزراعة اللبنانية إلى أن هناك حوالي 600 كيلومتر مربع من المساحات المزروعة بأشجار الزيتون في لبنان وتحوي نحو 14مليون شجرة. ويعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية وتدهور معيشي متصاعد وشح في السيولة ومن قيود مصرفية على سحب الودائع ما دفع الحكومة إلى التوقف عن سداد الدين الخارجي في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين الذي تجاوز 90 مليار دولار أمريكي. كما تسببت الأزمة الاقتصادية وانعكاسات تفشي كوفيد- 19 إلى تفاقم المشكلة المالية وإلى تراجع قيمة الليرة اللبنانية، إضافة إلى تصاعد البطالة والفقر وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تجاوزت 70% .
مشاركة :