طارق الشناوي يكتب: درس نجيب محفوظ

  • 7/5/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تأملوا هذا الرد لنجيب محفوظ: (لو أعرف أن روايتى ستقرأ على مجموعة من الأميين لكتبتها بطريقة أخرى)، الإجابة تعنى ضمنا أن كاتبنا الكبير يفكر أولا فى القارئ، الرقم الذى يتحقق فى شباك التذاكر وكثافة المشاهدة وتداول الكتاب وتوزيع الأغنية لا يمكن أن نقلل من أهميته، برغم أنه ليس هو الدليل المؤكد على القيمة الإبداعية، إلا أنه يحمل مؤشرا ودلالة يجب الالتفات إليها، وتأملها بدقة، على الجانب الآخر عندما تتضاءل الإيرادات ويدير الجمهور ظهره للعمل الفنى ويلاقى فشلا ذريعا فى دور العرض أو منافذ بيع الأغانى، يجب أن نحلل ظلال الأرقام، وما تطرحه علينا من أسباب ودوافع مباشرة أو غير مباشرة. لا تصدقوا مخرجى هذه الأفلام التى خاصمها الجمهور، عندما يتشعبطون على أكتاف المخرج يوسف شاهين ويقولون لا تنسى فيلمه (باب الحديد)، وكيف قبل أكثر من ستين عاما رشقه الجمهور بالحجارة، ثم أصبح الفيلم اليوم واحدا من أكثر الأفلام شعبية فى التاريخ السينمائى، ولا يزال يحظى فى نفس الوقت بمكانة متقدمة فى التقييم الفنى، حيث احتل المركز الثانى عربيا بعد (المومياء) لشادى عبد السلام، فى استفتاء أفضل 100 فيلم، الذى أجراه مهرجان دبى السينمائى الدولى 2013 فى دورته العاشرة. بالطبع (المومياء) لا يزال حتى الآن فيلما نخبويا، بينما (باب الحديد) يستحق عن جدارة لقب الفيلم الشعبى. أرى دائماً أن من حق صانع العمل الفنى مهما بلغ مستواه الدفاع عن الفيلم أو الأغنية التى قدمها، ومن حقه أيضاً أن يلجأ لكل الأسلحة فى تجميل بضاعته، على شرط ألا يستخدم سلاحاً واحداً باتت كل الأعمال الفنية الخاسرة تلجأ إليه، وهو شماعة (باب الحديد)، ربما يضيفون أيضاً أفلاما رائعة أخرى لم تحقق فى البداية شيئا فى شباك التذاكر مثل (شىء من الخوف) لحسين كمال، و(بين السماء والأرض) لصلاح أبو سيف، صارت هذه الأفلام مع الزمن هى الأهم فى ذاكرة السينما، ويتابعها الملايين، فى كل القنوات الفضائية، واستطاعت من خلال أرقام البيع أن تضمن أيضاً الملايين لمنتجيها، نعم هذه الأفلام وغيرها حققت كل ذلك لأنها تنطوى على قيمة فكرية وإبداعية تزيدها الأيام حضورا ورسوخا، كان رهانها على السينما المغايرة بمختلف مفرداتها، ولهذا لم يتماهَ معها الجمهور فى البداية، لأنه لم يستطع أن يفك شفرتها بسهولة ولأننا كلنا- لا أستثنى حتى المتخصصين أو النقاد- نفضل التعامل مع العمل الفنى الذى ألفناه وتعودناه. يرتاح البعض لمن يقدم له النغمة الدرامية السائدة التى تجعل الذهاب لمشاهدة الفيلم أقرب إلى رحلة استجمام وليست مخاطرة استكشافية، إلا أن العمل الفنى الذى يخرج عن الصف ويتجاوز الطابور يجب أن يحمل وميضاً خاصاً يجذبك إليه، هذا الوهج الخاص هو الذى يدفعك لكى تشاهده مرة أخرى، وبعد ذلك يصبح هو الأقرب إليك وتشعر بحنين واشتياق دائمين إليه لتعاود المشاهدة مرة وربما مرات، ودائما تعثر على ما يفتح شهيتك للمزيد من المتعة، وكأن المتفرج يقدم اعتذارا وبأثر رجعى. بينما تلك الأعمال الفنية التى أشاح الجمهور بوجهه عنها مؤخرا كانت تسبح فى نفس المياه الراكدة التى تعودها الناس فى السرد الفنى، وبلا أى لمحة جاذبة، كانت تكرر المقرر السينمائى بحذافيره، وهناك أخرى تعالت على ذائقة الناس، ولم تتعلم من درس عمنا نجيب محفوظ، ولا أتصور أن جمهور الزمن القادم من الممكن أن يجد فى تلك الأفلام الرديئة التى رفضها آباؤه ما يستحق أن يقدم عنه اعتذارا!!. المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).

مشاركة :