«بلى أنا مسلم. ولكني جندرمي قبل كل شيء»، اختصرها لسان حال النقيب المسلم بالجيش الفرنسي العلماني «الجندرمة الفرنسية» النقيب محمد علي بوحرب والذي يعد كتابا عنوانه (تصادم الحضارات المضاد) ورغبته في تنظيم رحلة إلى مكة المكرمة عام 2011 لجنود فرنسيين مسلمين، وحرصه باعتباره مسؤولا على دفع هذه المؤسسة على احترام الشعائر الإسلامية، كونها مؤسسة عريقة مكلفة بمهام كثيرة منها حفظ الأمن خارج المدن والمشاركة في أنشطة كثيرة ذات صلة بالعملية التنموية الشاملة، ورغم أنها تتبع وزارة الداخلية فيما يخص موازنتها وعملها الميداني فإنها تظل في تركيبتها ومبادئها والتأهيل الذي يتلقاه المنتمون إليها جزءا من المؤسسة العسكرية التي تخالف (علمانية باريس) بامتيازات لجنوده المسلمين أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، وتوفير الجيش لهم الطعام الحلال والاعتراف بالأعياد الإسلامية، بعدما كانت ممارسة شعائرهم الدينية صعبة للغاية داخل فرنسا التي صرح رئيسها إيمانويل ماكرون يوما بقوله «إن النزعة الإسلامية تقوض وحدة الجمهورية»، وتبنيه مشروع قانون الانفصالية، الذي يواجه انتقادات بسبب أنه (تعزيز التمييز ضد المسلمين)، طالما كانت مكانة الدين ومكان ارتداء الرموز الدينية في الأماكن العامة مسألة جدلية في فرنسا، أقلقت بعض السياسيين اليساريين كونه تشريعا يشوه صورة المسلمين في دولة العلمانية الصارخة، وموطن نحو 5.7 ملايين مسلم حتى منتصف 2016، بما يشكل 8.8% من مجموع السكان، فيما تقف هذه النسبة في مجموع الاتحاد الأوروبي عند حدود 4.9% مع توقعات بأن ترتفع إلى 11.2% بحلول عام 2050، وفق إحصاءات مركز الأبحاث الأمريكي (بيو)..إنها الأطروحات العنصرية الموجهة ضد الإسلام في فرنسا، التي تأخرت 90 سنة للاعتراف بجيش العرب والأفارقة بالحرب العالمية الثانية، بينما هناك 2.5 مليون مسلم.. هم أبطال منسيون في الحرب العالمية الأولى.. وقد عبر عنها الرسام الفرنسي إتيان دينيت، الذي اعتنق الإسلام في عام 1908، مظهرا بفنه نقوشها الإسلامية ووجهتها شرقا نحو مكة، بأحد أركان (نوتردام دو لوريت)، التي تضم قبور 40 ألف جندي فرنسي سقطوا على الجبهة الغربية، بل وأظهرت الوثائق المكتشفة، وأن الجنود المسلمين كانوا يتقاسمون الطعام مع المدنيين الجوعى، بينما أعرب الضباط الفرنسيون والبلجيكيون والكنديون عن دهشتهم لمعاملتهم الإنسانية لأسرى الحرب الألمان، وعندما طلبوا منهم تفسير سلوكهم، تلا الجنود آيات من القرآن، وأحاديث النبي محمد عن كيفية التعامل مع مقاتلي العدو، وقد عبر عنها (فيرير)، وهو ليس مسلما «إن اليمين المتطرف وكراهية الإسلام تتزايد في جميع أنحاء أوروبا. مشروعنا هو حول جعل جميع الناس في جميع أنحاء القارة يفهمون أن لدينا تاريخا مشتركا. هذا لا يتعلق بالسياسة أو الاستعمار. نحن ببساطة نقدم الحقائق لأن هذه قصة أوروبا كلها بحاجة إلى معرفتها، ويصور المسلمون على أنهم العدو في الداخل، وأنهم الوافدون الجدد الذين لم يقدموا مساهمة قيمة لأوروبا. لكننا نستطيع أن نثبت أنهم ضحوا بحياتهم من أجل أوروبا الحرة، وساعدوا على جعلها ما هي عليه، وأن لهم الحق في أن يكونوا هنا».. بلى، لهم الحق في أن يكونوا هنا كما كانوا تاريخيا، ليصحح الجيش الفرنسي المسار معبرا عن وحدة الصف الفرنسي بكافة طوائفه دون تمييز بشهر رمضان، فكان الجنود الفرنسيون يتناولون إفطارهم أحيانا مع المسيحيين.. والسماح للجنود المسلمين بحضور صلاة الجمعة.. فهل استوعبت العلمانية والماكرونية الشعبوية الدرس؟!! أم ستتمادى لترى نهايتها؟!! بقرار الحكومة الفرنسية في 2005، انتداب قرابة عشرين ألف جندي من جملة ستين ألف جندي احتياطي في إطار السياسة الجديدة الهادفة إلى إدراج كل الخدمات المتصلة بمؤسسة الجيش، تزامنا مع ظهور حملة ضد مساعي الدولة الفرنسية لدعم العلاقة بين الإسلام والمسلمين من جهة والمؤسسة العسكرية والأمنية الفرنسية من جهة أخرى بقيادة تنظيمات يمينية متطرفة.. حملت فرنسا على تعيين أول مرشد ديني مسلم لدى جهاز الجندرمة بعد شكاوى إدارية تقدم بها عدد من المسلمين المنتسبين إلى جهاز الشرطة والجيش ممن يدينون بالديانة الإسلامية ويأخذون فيها على الإدارة الفرنسية معاملتهم معاملة عنصرية لا علاقة لها بالقواعد الإدارية، وهو ما أثارته مقالة (لوفيغارو) الفرنسية يوم 25 مايو حول أول مرشد ديني لدى جهاز الجندرمة.لقد كان الجيش الفرنسي مؤسسة رئيسة واحدة، سارت في الاتجاه المعاكس، وقدوة حينما يتحدث جندي مسلم عن تسامحه قائلا «التسامح الذي نجده في القوات المسلحة، لا نجده في الخارج»، بينما تفرض فرنسا حظرا على ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية في 2004، والنقاب في 2010، مما عزز قانونا جديدا ضد التطرف الإسلاموي أصدره ماكرون صاحب (الصفعة الماكرونية)، وسيطرة الحكومة على المساجد القائمة، ليجعل من الصعب بناء مساجد جديدة، لكن أوجدت القوات المسلحة مكانا للإسلام في مساواة مع الأديان الأكثر رسوخا في فرنسا، وعلى الجميع أن يساعد الأجيال المقبلة على فهم الجاليات الإسلامية التي تعيش بينهم بشكل أفضل، لينعم المجتمع الغربي والفرنسي خاصة بسلام، يعم المجتمعات البشرية الأخرى.
مشاركة :