أجرت اللقاء: زينب إسماعيل في خضم انشغالاته بفنون التمثيل والكتابة، يذهب حسين عبدعلي –المسرحي والروائي والممثل- إلى أن اختلاط كل الفنون بمثابة هجين له القدرة على تفكيك وهز الثابت. عن تجربته المختلطة، يفتح عبدعلي الباب للحديث عنها لـ«أخبار الخليج». تنوي إصدار رواية جديدة بعد «متاهة زهرة»، ما هي الفكرة التي ترسخها؟ بعيدًا عن فكرة حرق الرواية، فيما لو تحدثت الآن عن الفكرة التي أحاول ترسيخها، لأني مؤمن بأن الرواية مثلها مثل الفيلم السينمائي أو المسرحية أو اللوحة التشكيلية، هي مخلوقات أدبية وفنية تُخلق من أجل المشاهدة أو القراءة المباشرة. بمعنى من أجل تحقيق علاقة حيّة ومباشرة بين المتلقي والمنجز نفسه. وأن أي محاولة لاختزالها في سطور هي محاولة لتشويهها. إلى جانب أن الزعم بوجود فكرة نهائية قبل الانتهاء من الرواية لا أجدها فكرة تتماشى مع فعل الكتابة. بالنسبة لي وجود فكرة نهائية وثابتة قبل الشروع بالكتابة هو أشبه بقتل لذّة الكتابة. تخطط لإنتاج نصوص مسرحية ستكون التجربة الأولى، فما هو شكل تلك النصوص؟ أعتقد أن جائحة كورونا خلقت مساحة أكبر تعيد النظر في أسئلتنا المسرحية. أنت وجودك الآن معقود بوجود إنسان آخر على الطرف الآخر من الكرة الأرضية لا تعرفه ولم تلتق به. بمعنى أنه في ظل إصابة هذا الشخص بكورونا ثمة احتمال قائم أن تصاب أنت به في يوم ما وتكون حياتك مهددة بالموت! أيضًا أنت تعيش في زمن بات فيه البعد الاجتماعي خلاصك من الهلاك. في الوقت الذي كانت البشرية تدفع نحو التقارب! نعيش في زمن يقاس فيه حب الوالدين بمقدار المسافة التي تفصل بينهم وبين الأبناء. هذه الأسئلة مما غيرته الجائحة لا بد أن يكون موجودًا في أعمالنا المسرحية القادمة. فكرة إنتاج النصوص المسرحية كإصدار مطبوع، فلا تراودني حاليًا. ننتظر من حسين عبدعلي فيلما قصيرا، ما هي تفاصيله؟ كلما ذهبت الأشياء نحو الثقافة أكثر كلما غدت أكثر رعبًا. فعلى سبيل المثال: الشعر -بالنسبة لي- مخيف أكثر من القصة القصيرة جدًا، والأخيرة مخيفة أكثر من القصة القصيرة. في السينما لا يختلف الأمر كثيرًا، فكمية الرعب التي تنتابني من فكرة الاشتغال بعمل فيلم قصير أضعاف من فكرة الأفلام الطويلة. وهنا أتحدّث بعيدًا عن الأمور الإنتاجية بل عن مدى مقدرتك أن تقول كلما تريد بشكل مكثف وأن تكون الثقافة قادرة على خلق أثر عند المتلقي. في هذا السياق يستحضرني أمل تاركوفسكي عندما يقول: «إن تحقيق فيلم قصير هو تقريبًا أصعب من تحقيق فيلم طويل، حتى الآن لم أفقد الأمل في تحقيق فيلم قصير يومًا ما». يخلق الشعر والمسرح والصورة حالة من التداخل فيما بينهم، فما هي الفرص التي يخلقها هذا التداخل؟ ليس الشعر والصورة فحسب. السينما تدخل في المسرح، التشكيل، السرد، الموسيقى، الرقص. واحدة من جماليات المسرح كونه جامعا مانعا لكل الفنون. لا أجد أن الأمر منوط بالمسرح فقط. هذا التزاوج بين الأنساق الأدبية قادر على خلق تجربة منفردة فيما لو تمت العملية بشكل سلس ومدروس، لذلك تجد في بعض الأعمال الروائية حضورًا للصورة الفوتوغرافية أو للحس السينمائي أو تداخل بين الشعر واللوحة التشكيلة. هذا الهجين له المقدرة على تفكيك وهز الثابت، ويؤسس لعلاقة مختلفة بين المتلقي والعمل. مسرح المونودراما متعب على حد وصفك، فما هو حجم التعب في هذا النوع، وما هي الخيارات التي تدخلك لعالمه؟ في المونودراما يقع ثقل العرض بأكمله على عاتق ممثل وحيد على الخشبة. لو أخفق يخفق العرض بأكمله. هو مسرح بحاجة لممثل أشبه بغول، قادر على التحول والتشكل والتغير بين الحالات والشخصيات المختلفة التي يلعبها. كل هذا من دون مساعدة من ممثل آخر. بينما في المسرحيات الأخرى لو سقط الإيقاع عند ممثل ما، تكون هناك فرصة لإعادة الإيقاع من خلال ممثل آخر. التمثيل قطعة تضعها في المكان المناسب، ما هو شكل القطعة الأنسب لحسين عبدعلي؟ كنتُ ومازالت أصف التمثيل بمن يلعب لعبة الليغو. ومن أجل خلق شكل معين في اللعبة أنت بحاجة للعديد من القطع مختلفة في الحجم واللون والشكل من أجل أن تخلق في النهاية قطعة واحدة. ثمة شيء مشابه في التمثيل، الجسد قطعة من قطع اللعبة، وهذه القطعة لوحدها تتشكل من قطع أصغر، كأن تكون ملمًا وقادرًا على التحكم في كل عضلة من عضلات الجسد. والممثل يجب أن يكون مدركًا للعضلات التي يجب أن تكون مشدودة لو أراد الجلوس على الكرسي، كي تبقى باقي العضلات في حالة استرخاء. الصوت قطعة أخرى، ولها قصتها أيضًا. هل المسرح في البحرين يثير التساؤلات؟ وهل هو أقرب إلى النجومية؟ لكي أكون دقيقًا، هو لا يثير التساؤلات بينما لا أظنه قريبًا إلى النجومية. ولكي تتضح الصورة، لنسأل أي مخرج أو طاقم عمل مقبل على عمل مسرحي: ما هو الدافع الحقيقي من أجل خوض هذه التجربة؟! سيكون الجواب أن المخرج أعجب بالنص. أنا مثلاً معجب بكل نصوص شكسبير ومعظم ما كتبه سعد الله ونوّس، هل هذا يعني أن أقوم بالاشتغال على جميع هذه النصوص؟! أم يجب أن يكون اختياري متوافقًا مع أسئلتي الخاصة تجاه الحياة والزمن الذي أعيشه والمجتمع والبشرية؟ في حال خوضي للتجربة من باب الاعجاب فقط سيخرج المتلقي من العرض وهو يحمل الفكرة فقط، بينما لو كانت التجربة وليدة تقاطع النص مع أسئلتي الخاصة سيخرج المتلقي وهو محموم بالأسئلة. نظرتك للواقع الثقافي بالمجمل سلبية، ما هي أسباب هذه النظرة التشاؤمية؟ عدّدي 3 أمور إيجابية وأنا مستعد الآن لتحويلها إلى متفائلة. وبشكل أدق، قد يكون جزء كبير يكمن في مدى الشعور بالتأخر عن الآخرين. على سبيل المثال في الوقت الذي يطرح فيه مفكر مثل آلان كيربي مفهوم «ما بعد الحداثة» مازال المثقفون العرب يناقشون مسألة «الحداثة». العالم تجاوز الحداثة، وانتقل إلى ما بعدها، ونحن مازلنا نتساءل حول الحداثة!! الأكثر إزعاجًا هو في الوقت الذي ينوّه فيه إدوارد غاليانو كوننا نعيش أوج عصر التفاهة، تجد من كنت تعوّل عليهم في تعرية تفاهة هذا العصر تبتلعهم موجة التفاهة.
مشاركة :