قضت محكمة النقض في أبوظبي بإحالة قضية، اتهم فيها ثلاثة موظفين في إحدى الهيئات الحكومية، بينهم مواطنان (أحدهما مدير عام، والثاني رئيس فرع)، باستخدام إحدى وسائل تقنية المعلومات في الاعتداء على خصوصية أشخاص في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، إلى محكمة الاستئناف لنظرها بهيئة مغايرة. وكانت محكمة الاستئناف في أبوظبي قد برأت ثلاثتهم من التهم المسندة إليهم، فيما كانت محكمة الجنح في أبوظبي قضت، نهاية مارس الماضي، بمعاقبتهم بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، وإبعاد المتهم الثالث، الذي يحمل جنسية دولة عربية إلى خارج الدولة، وبرأتهم من تهمة الإخلال بالأمن العام. وتعود تفاصيل القضية إلى الحصول على مواد صوتية ومرئية في الغرفة المخصصة لخدمة العملاء من السيدات، بأحد الفروع التابعة لهيئة حكومية، بحسب قرار الإحالة الوارد من النيابة العامة بحق المتهمين الثلاثة، وهو ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن والنظام العام. وطالبت النيابة بتطبيق أحكام رادعة على المتهمين، كونهم موظفين كباراً في مؤسسة حكومية، مؤكدة في الوقت نفسه تمسكها بما جاء في أمر الإحالة. ولم يلقَ حكم الاستئناف قبولاً لدى النيابة، فطعنت على الحكم، مطالبة بنقضه. وفي أوراق الدعوى، نعت النيابة على الحكم المطعون فيه المخالفة للقانون والخطأ في تطبيقه وتفسيره والفساد في الاستدلال، وتقول بياناً لذلك إن الحكم المطعون فيه قد خلص على نحو ما أورده بمدوناته إلى خلو أوراق الدعوى من أي دليل يقطع بتوافر اتجاه إرادة المطعون ضدهم إلى انتهاك خصوصيات الموظفات العاملات في مكتب الهيئة، حال كون هذه الخصوصية لا وجود لها في مكان عام، وأن ما قام به المطعون ضدهم من قبيل الإجراءات الإدارية المناسبة لطبيعة العمل الموكول إلى موظفات مكتب الهيئة، وأن وضع الكاميرا لا يشكل انتهاكاً للخصوصية، ورتب على ذلك قضاءه ببراءة المطعون ضدهم، مخالفاً بذلك مقتضيات المادة 21/1 بند 1،41، 42 من المرسوم الاتحادي رقم 5 لسنة 2012، التي جاءت عباراتها صريحة وواضحة في بيان الأفعال التي جرمتها، ومطلقة عامة دون دليل لتخصيص مكان ارتكاب هذه الأفعال، فلم تشترط وقوع الأفعال المجرمة في مكان خاص، بل جرمت كل تعرض لخصوصية الإنسان وحريته المنصوص عليها والمكفولتين في دستور الدولة. وأضافت أن ما ساقه الحكم المطعون فيه من أسباب استند إليها في قضائه بالبراءة جاءت مجملة غامضة في نفيه للجريمة، ويشوبها الاضطراب الذي ينبئ باختلال فكرة الحكم من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة، ما لا يمكن معه استخلاص مقوماته، سواء ما تعلق منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانوني، فذهبت أسبابه تارة إلى نفي القصد الجنائي للجريمة، وتارة إلى إخراج الأفعال المنسوبة إلى المطعون ضده الأول من نطاق التجريم. وينسحب ذلك على بقية المطعون ضدهم، بما لا يبين منه على وجه الوضوح الأساس الذي قضت به المحكمة، ما يعرض الحكم المطعون فيه للنقض. وأشارت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أن الحكم المطعون فيه اعتبر أن خصوصيات الإنسان تدور وجوداً وعدماً مع حياته الشخصية، واستثنى من بينها حياته الوظيفية، وأن الخصوصية محل الحماية كالخلوة الشرعية، وذلك دون أن يستظهر بصفة واضحة وجلية هذه الخصوصية محل الحماية الجنائية، التي باعتبارها شخصية فهي تلازم الفرد، فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه استند للحكم ببراءة المطعون ضدهم على أساس أن الأفعال المسندة إليهم موضوع أمر الإحالة أفعال مباحة، لأنها إجراءات إدارية، فلا تشكل تجريماً لفعلهم. وأضافت أنه استند للحكم بالبراءة على أساس انعدام أحد أركان الجريمة، مخالفاً بذلك المادة 211 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي، ومؤداها أن المحكمة تحكم بالبراءة إذا كانت الواقعة غير ثابتة، أو كان القانون لا يعاقب عليها، وكان الحكم المطعون فيه لم يوضح بشكل جلي الأساس القانوني الذي اعتمده للقضاء بالبراءة، وتناقضت أسبابه، فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، ما يتعذر معه على محكمة النقض رقابة مدى حسن تطبيق القانون، ويعرض بالتالي الحكم المطعون فيه للنقض على أن يكون مع النقض الإحالة.
مشاركة :